يعود تاريخ إنشاء المحكمة الإدارية في تونس إلى سبعينيات القرن الماضي، وفق ما نص عليه دستور 1959، وهي متخصصة في الفصل في قضايا تجاوز الإدارة لسلطاتها من أجل الإنصاف والعدل، وضمان حقوق كل المواطنين.
وعُرف القضاء الإداري في تونس بنزاهته وصلابته، إذ أصدر قرارات منصفة للمتقاضين وضد الإدارة حتى في عهد الديكتاتورية. لكن في الوقت الراهن، باتت ظاهرة "إفلات" الإدارة من تنفيذ الأحكام القضائية مستفحلة وتهدد منظومة العدالة في البلاد. فما جدوى إصدار الأحكام من دون تنفيذها؟ ولماذا تمتنع الإدارة التونسية عن ذلك؟
أكد الموفق الإداري عبدالستار بن موسى، في 6 يناير (كانون الثاني) 2021 لدى تقديمه التقرير السنوي لجهاز الموفق الإداري (مؤسسة حكومية تتلقى شكاوى المواطنين)، أن 117 حكماً صدرت ضد مؤسسات الدولة عام 2020، لم يُنفذ منها إلا 13 فقط.
ووصف بن موسى عدم تنفيذ الأحكام بـ "المعضلة"، داعياً إلى ضرورة الالتزام بتفعيل مقتضيات الفصل (111) من الدستور، الذي ينص على أن "الأحكام تصدر باسم الشعب وتنفذ باسم رئيس الجمهورية، ويُحجر الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من دون موجب قانوني"، مطالباً بإقرار المساءلة التأديبية والمدنية والجزائية.
فراغ تشريعي
من جهتها، أكدت رئيس خلية في مركز الدراسات القانونية والقضائية بتونس، القاضية سامية دولة، أن معضلة عدم تنفيذ هذه الأحكام تعود إلى الفراغ التشريعي، إذ وضع المشرع كل الآليات القانونية الممكنة لتنفيذ الأحكام القضائية الأخرى، عبر آلية التنفيذ بالجبر بعد استكمال كل مراحل التقاضي، وباستخدام القوة العامة إن لزم الأمر، من دون أن توضع آليات واضحة لتنفيذ الأحكام القضائية الإدارية.
ودعت دولة إلى سنّ التشريعات الضرورية من أجل إنصاف المتقاضي الذي تعرض لمظلمة إدارية، وذلك في إطار احترام دولة القانون والمؤسسات.
وأكدت أن الأحكام الإدارية تصدر ضد الدولة وهياكلها، والقانون لا يسمح بالتنفيذ بالجبر عليها، معتبرة في ذلك مفارقة، لأن الدستور التونسي لسنة 2014 ينص على ضرورة تنفيذ الأحكام القضائية.
تحميل المسؤولية الشخصية
ودعت إلى ضرورة ترجمة هذا المبدأ الدستوري على أرض الواقع، من خلال إصدار قوانين واضحة لتنفيذ الأحكام القضائية الإدارية وإنصاف المتضررين.
وأشارت إلى أن العقلية السائدة ترفض تنفيذ الأحكام ضد الدولة، مشددة على أن القاعدة هي التنفيذ وإلا فما الفائدة من إصدارها.
ودعت إلى اعتماد مبدأ تحميل المسؤولية الفردية للممثل القانوني للهيكل الإداري، مشيرة إلى أنه في القوانين المقارنة يتم تحميل المسؤولية الشخصية للجهة التي لا تنفذ الأحكام القضائية الإدارية.
عقلية إدارية بالية
من جهته، قال القاضي الإداري السابق أحمد صواب، إن المعني بتنفيذ الأحكام القضائية هي السلطة العامة من الإدارات المركزية والوزارات والمنشآت العمومية، مشيراً إلى عقلية سائدة لا تعير اهتماماً للأحكام القضائية الإدارية، تكريساً لممارسات قديمة توارثتها الإدارة التونسية على مرّ عقود من الزمن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا صواب إلى ضرورة وجود مسؤولية جزائية على كل من لا ينفذ الأحكام والزج به في السجن، إضافة إلى المسؤولية المالية عبر تخطئة المنفلتين من التنفيذ.
وأضاف أن اتحاد القضاة الإداريين (نقابة)، يعمل على اعتماد مبدأ تجريم عدم تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية من خلال وضع تشريعات تضمن حقوق المتقاضي في المجال الإداري.
ويشار إلى أنه تم إعداد مشروع قانون القضاء الإداري، تضمن فصولاً تنص على التتبع الجزائي لكل من يتعمد عدم تنفيذ الأحكام.
واشتمل على أحكام تنص على إحداث لجنة وطنية لمتابعة تنفيذ هذه الأحكام لدى المحكمة الإدارية العليا. وحمل القانون رئيس المؤسسة الذي يتعمد عدم تنفيذ الحكم المسؤولية المدنية والجزائية، ويمكن مساءلته أمام القضاء. كما ينص المشروع على إمكان فرض غرامة مالية على الإدارة عن كل يوم تأخير في تنفيذ الحكم.