أكثر من مليون يمني يقطنون القاهرة بشكل دائم أو مؤقت لأغراض مختلفة، بفعل الحرب التي دفعت كثيراً منهم للسفر إليها كمنفذ سهل للتعامل مع العالم مع إغلاق أبواب السفارات في وجوههم بكثير من البلاد، والصعوبات التي يواجهها حامل الجواز اليمني وخياراته المحدودة فيما يتعلق بوجهات السفر.
وحتى بعد الإجراءات المصرية التي بدأت عقب الحرب، وفرضت على اليمنيين الذين يريدون السفر إليها، الحصول على تأشيرة دخول، وتصريح إقامة للذين يريدون البقاء فيها، إلا أن أعداد اليمنيين في مصر تزايدت، مقارنة بالجاليات اليمنية في بلدان أخرى، لاعتبارات تتعلق بالعلاقات التاريخية بين البلدين وتقارب أسعار السلع والخدمات فيهما.
الإجراءات المصرية التي بدأت منذ عام 2015، ألزمت اليمنيين الراغبين بالسفر إليها بالحصول على تأشيرة للعلاج الطبي صادرة عن لجنة متخصصة في صنعاء أو عدن أو مأرب تفيد بحاجة الشخص للعلاج خارج البلاد، وهو إجراء يلجأ إليه غالبية اليمنيين مع أنهم ليسوا بحاجة لتلقي أي علاج، والهدف تأمين دخولهم إلى مصر.
وعلى الرغم من أن اليمنيين الموجودين في مصر يتوزعون على مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية والثقافية، فبينهم الأكاديميون والضباط والسياسيون والدبلوماسيون والطلاب والمرضى والجرحى، وطالبو اللجوء، والذين لديهم معاملات لدى القنصليات والسفارات الأجنبية، إلا أن معظم الأسر الفقيرة منهم تسكن في محافظة الجيزة، وتحديداً في أحياء فيصل وأرض اللواء والمهندسين والدقي، بينما تقطن العائلات الميسورة في مناطق بعيدة عن مركز المدينة، مثل مدينة السادس من أكتوبر، والتجمع الخامس ومدينة نصر ومدينتي والرحاب.
وكثير من اليمنيين الذين نزحوا من الحرب يسكنون في مصر كمقيمين بحوزتهم تصاريح إقامة، وليسوا كلاجئين، أو طالبي لجوء، في حين تقول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إنها سجلت 9200 يمني طلبوا لجوءاً في مقر المفوضية.
ويجد بعض اللاجئين اليمنيين في القاهرة فرص عمل، إذ يعملون بشكل غير رسمي في أماكن يديرها يمنيون، مثل المطاعم أو مقاهي الشيشة "النارجيلة"، ويعيش عديد منهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة تفاقمت نتيجة جائحة كورونا، كما يعاني البعض الديون المتراكمة، وعدم القدرة على دفع الإيجار أو تأمين الاحتياجات الأساسية، وبخاصة الأمهات العازبات، وكبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة.
ويعمل عدد قليل من اليمنيين مع المنظمات الخيرية، لكن الحصول على هذا النوع من العمل صعب؛ لأنه يتطلب خبرة وطلاقة في اللغة الإنجليزية، كما تقوم نساء بصناعة الخبز الشعبي اليمني بأنواعه وتجهيز الأكلات اليمنية وبيعها عبر الإنترنت، إضافة إلى امتهان بعض النساء الحرف اليدوية، مثل صياغة المجوهرات، وصنع السلال والحقائب الصغيرة، وكذلك تركيب العطور والبخور.
وفي كثير من الحالات تقترض العائلات اليمنية التي تمر بظروف اقتصادية عصيبة أموالاً من الأصدقاء والأقارب لتغطية احتياجاتهم، أو لدفع تكاليف العلاج الطبي. كما يحصل بعضهم على مساعدة فاعلي الخير اليمنيين في مصر عبر التواصل الشخصي أو المبادرات المحلية.
العوز دفعها للتسول
مئات العائلات اليمنية تعيش أوضاعاً معيشية صعبة للغاية تلجأ فيها إلى التسول في الشوارع العامة، حيث تقول نجوى عبد الله، إنها لجأت للخروج للشارع للتسول بحثاً عن لقمة العيش لها ولجدتها مع أختها بعد أن نفدت منهن الحيل.
نجوى، سيدة ثلاثينية من منطقة يافع اليمنية، سافرت إلى مصر قبل تسعة أشهر لعلاج جدتها من ورم سرطاني، نفد جميع ما لديهن من أموال، وهن في الأصل يعانين ظروفاً اقتصادية صعبة، ولا يوجد من يرسل لهن أو يقرضهن.
تضيف "تبقى لدينا خمس جلسات للعلاج بالكيماوي، في المستشفى، وتم دفع قيمتها"، غير أنها تواجه صعوبات في الإقامة والمعيشة مع تأخر إيجار الشقة التي يقطن بها في منطقة الطالبية بمحافظة الجيزة، لأكثر من ثلاثة أشهر، في حين لا يجدن كسرة خبز.
نفدت أموالها فأنقذها الخيرون
أم بشار، قبل سفرها لعلاج ابنها ذي 18 عاماً من ارتجاج في الدماغ وحالة صرع، تواصلت عبر وسطاء مع طبيب عبر الإنترنت، وتم إرسال الفحوصات إلى طبيب بمحافظة الإسكندرية، شمال العاصمة، وتحدد موعد أول جلسة، وبالفعل انتقلت فور وصولها مطار القاهرة إلى الإسكندرية لتقطن في فندق بالقرب من عيادة الطبيب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقول أم بشار، إنها وبعد خمسة أشهر نفدت أموالها التي بحوزتها، جمعتها بالأساس من فاعلي الخير لعلاج ولدها، فوجدت نفسها وحيدة في مدينة لا يوجد بها يمنيون يمكن الاستعانة بهم مثل القاهرة بمحافظاتها المختلفة.
تضيف أم بشار أنها ومع آخر جلسة حددت موعد السفر، الذي يبعد عن آخر يوم لها في الفندق بأسبوع، ما جعلها أمام تحد كبير يتعلق بتوفير سكن إضافي لهذه المدة، الأمر الذي اضطرها إلى اللجوء لمبادرات خيرية لتوفير سكن، وبالفعل فقد وفر لها بعض الخيرين من الجالية اليمنية، شقة لمدة أسبوع للإقامة فيها مع ولدها حتى موعد السفر.
الأكلات الجاهزة لتأمين معيشتها
في المقابل، فإن بعض اليمنيات استطعن التكيف مع صعوبة الأوضاع، من أمثال أم رحاب، التي جاءت للإقامة مع زوجها قبل أن يحدث بينهما مشاكل تم إثرها الانفصال لتجد نفسها وحيدة وغير قادرة على العودة إلى اليمن، ما دفعها لامتهان تجهيز الأكلات المنزلية وبيعها عبر "واتساب" و"فيسبوك".
تقول أم رحاب "كل مساء أعلن عن وجبة لعرضها في اليوم التالي واستقبال الطلبات على أن أقوم بإعدادها وفق الأسعار المعلنة، وحسب الطلبات، ومن ثم توصيلها ديليفري بالاتفاق مع سائق موتوسيكل". وتضيف أنها استطاعت بعملها الجديد توفير متطلبات معيشتها وإقامتها في مصر، وهو تحد كبير نجحت فيه لتأمين وضعها عند حده الأدنى للإنفاق عليها وعلى ولديها، اللذين تركهما والدهما وسافر إلى أوروبا، حسب كلامها.
شرائح المقيمين في مصر
كثيرة هي التحديات التي تقف أمام اليمنيين في مصر، ومعاناة من النادر رصدها جميعاً، حسبما يقول محمد عاطف رئيس مبادرة "خذ بيدي من حقي أتعلم"، والناشط بأوساط الجالية اليمنية في مصر، فأغلب طلاب الجالية اليمنية يتعثرون في المدارس المصرية بسبب صعوبة سداد الرسوم الدراسية، ما يضطر بعضهم لتعطيل الدراسة.
يضيف أن الجالية اليمنية في مصر تتشكل من 3 شرائح؛ الأولى هي الجالية النازحة من اليمن بسبب ظروف الحرب وما صاحبها من مشاكل عديدة، وهؤلاء أغلبهم هربوا بأبنائهم من ويلات الحرب والزج بأطفالهم في جبهات القتال، وهذه الفئة لم تجد فرص عمل في بلد مصدر للعمالة في الوطن العربي، ويزيد عدد سكانه على مئة مليون نسمة، والثانية النازحة من السعودية بسبب ارتفاع رسوم الإقامة بالنسبة لهم، وانعدام فرص العمل مع مستجدات جائحة كورونا، والأخيرة شريحة المبتعثين للدراسة بصحبة أبنائهم، ولديهم أطفال، ولم يتمكنوا من إدخالهم المدارس اليمنية بالقاهرة بسبب الأوضاع الاقتصادية أو مدارس مصرية بسبب إلزامية الإقامة، مؤكداً أن الجميع من دون استثناء يجدون مشقة كبيرة في توفير مصاريف دراسة أبنائهم التي تصاحبها قيمة الكتب والزي، وأحياناً باص المدرسة .
ويؤكد عاطف أن أغلب اليمنيين في مصر، وخصوصاً من لجأوا إليها بفعل الحرب التي تشهدها بلادهم يراودهم حلم العودة، ويتطلعون إلى سلام يحل عليها لاتخاذ قرار العودة إلى موطنهم، من دون تكاليف تصاريح الإقامة أو تراخيص العمل، أو تأشيرات للدخول.