يراهن الفنان التشكيلي السعودي حاتم خالد على أن الفن التشكيلي الرقمي أو التقني بدأ يلفت النظر إلى ساحة التشكيل عالمياً. وبانتقاله من غرفة الرسم إلى شاشة الـ"آيباد" يقول، "أفكاري الآن مرتبة بشكل أكبر، وأرى من خلال متابعتي للساحة العالمية للفن التشكيلي، أن الرسم التقني فرض مكانته ويعتبر الموضة الجديدة للحاضر والمستقبل، ويوفّر مدخولاً أكبر وأسرع، ويمكن استثماره في الإعلانات والطباعة بشتى أنواعها، وفي الجانب الأدبي كالقصص والكتب وأفلام الكرتون".
وأضاف، "هو ليس تقنية سهلة، بل يحتاج إلى محترف في الرسم. وبجانب الموهبة، يصبح استخدام هذه التقنية أكثر سهولة، وهو فن غير مكلف مادياً، إضافة إلى ذلك، يتمتع هذا المسار بمميزات أكبر. حين كنت أرسم على اللوحات، وما زلت أحياناً، كان ذلك يكلفني المساحة والمكان، كذلك البحث عن درجات ألوان معينة، ونقل أدواتي من مكان إلى آخر. ومع الرسم التقني باتت العملية أكثر مرونة وسرعة في الإنجاز، واطلعت على أبرز تطورات الساحة عالمياً، حيث تتوفر جميع الخاصيات والألوان بدرجاتها، الزيتي والأكريليك والرصاص، وجميع ما يحتاج إليه الرسام ومزايا لا تحصر، إذ وجدت في هذا التطبيق راحة تامة في التعامل مع أعمالي وإنجازها بسرعة مضاعفة تناسب وتيرة التقدم في الزمن الحاضر".
بين التقني والتقليدي
بقياس الفارق الذي يستغرقه إنجاز لوحة تقليدية مقارنة بالرسم التقني، فإن الثاني لا يتجاوز أسبوعاً، بينما الذي يهمّ برسم لوحة تقليدية، قد يستغرق الانتهاء منها شهراً كاملاً، كما يقول خالد، إلى جانب سهولة المشاركة في المعارض الافتراضية عن بعد، مضيفاً، "شاركت مع عدد من الفنانين التشكيليين أثناء جائحة كورونا في معارض افتراضية من خلال الرسم التقني، وكانت فرصة زاخرة العطاء لمن لم يستطِع زيارة المعارض التشكيلية. وعلى الرغم من امتلاكي لأدوات الرسم، فإن هذه التقنية استغرقت مني شهراً لممارستها، تحت تدريبات مكثفة جداً، ووجدت من خلالها إقبالاً كبيراً على أعمالي، إضافة الى وجود سعوديين بدأوا يعملون على هذه التقنية أخيراً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يتقن خالد فن البورتريه، وينوّه الى أن "هذا النوع من الفنون يتطلب صبراً كبيراً وصولاً إلى مستوى الإتقان، وخلال إقامتي دورات تدريبية حضرها أساتذة ومتخصصون، كنت حذراً مع المبتدئين، وتعاملت مع الجميع بعفوية مطلقة، لكنني شددت على أهمية الصبر إلى جانب الشغف والإصرار، فالفن إتقان والإتقان لا يأتي إلا بالصبر".
التعامل مع الفن
يتعامل خالد مع برنامجه في الرسم "بالتزام مطلق"، ويوضح، "لا أسمح لحالات القلق أو الفرح بالسيطرة على قوة تركيزي. حين يحين وقت الرسم، أجدني أنغمس في تفاصيله كافة. بعض الهواة يجدونه متنفساً لضغوطهم، أما بالنسبة لي، فهو عمل والتزام لا تتدخل فيهما حالتي المزاجية، بل أنظر إليه كنوع من الإنجاز، كل عمل هو رصيد لتطوير خبرتي في الممارسة، وهو ساعد أيمن لتنظيم حياتي، وأتلقّى يومياً عدداً من الطلبات للرسم بلا ملل".
شارك الفنان في تسع معارض دولية في عدد من البلدان، منها مصر والجزائر تركيا وفرنسا وإيطاليا ودبي. أما داخلياً، فيقول "شاركت في عدد منها ضمن مدن المملكة الكبرى، جدة والرياض وأبها ومكة، وآخر أعمالي لوحة للأمير محمد بن سلمان، ورسمتها بالخرسانة والرمل، وسأشارك فيها خارج السعودية".
وتجاوز التشكيلي الذي ينحدر من مدينة مكة المكرمة، ويبلغ من العمر 22 سنة أصعب مراحل الفن، مبيّناً "أثبتُّ تمكّني من أداء جميع أنواع الرسم، كان ذلك حصيلة مثابرة واجتهاد كبيرين، ولفت نظر من لم يجدني أملك الموهبة إلى جدّيتي، وتجاوزت كل العقبات إذ كنت أسمع أن الرسم حرام، وأن لا فائدة منه، بل إن البعض دعاني إلى تركه، ولم أجد مسانداً لي في ذلك سوى الصبر الكثير والاجتهاد".
وتابع خالد أن "الفن في دمي منذ طفولتي، أخبرتني والدتي أنني كنت لا أترك قصاصة أجدها، إلا وأرسم عليها. وحين كبرت، اشترت لي الألوان والكتب المرسومة وبدأت التلوين عليها. وكانت حصة الرياضيات سبباً في نمو موهبتي. فمقابل حساسيتي تجاهها، كنت أعوّض عن عدم تقبّلي لها بالرسم، ويؤسفني عدم التحاقي بكلية الفنون التشكيلية، وحين تقدّمت لإحدى الجامعات وعرضت أفكاري، قال لي رئيس القسم: لدينا مئة غيرك، ولسنا بحاجة إلى أفكارك، رحلت وخلفي نهاية لحلم الدراسة مجدداً، لكن ذلك لم يقف حاجزاً ضد شغفي بالرسم".
وإذ انتهى أخيراً من رسم لوحة لوليّ العهد بالرسم والرمل والخرسانة، أوضح، "عملي المقبل سيكون تحت عنوان وداعاً للوباء، وسيفاجئ الجميع، لأنه سيكون بتقنية ثلاثية الأبعاد، وسأستخدم فيه كل ما استعمل للوقاية من جائحة كورونا، ويحتاج هذا العمل إلى 99 في المئة ذكاء و1 في المئة جهداً وسيطرح حال اكتماله".
عن الرسم الرقمي
عام 1957، رسمت أول صورة عن طريق الكمبيوتر في الولايات المتحدة الأميركية، بعدها بتسعة أعوام أقيمت أول مسابقة خاصة بالرسم الرقمي وفن الكمبيوتر. عام 1965، أقيم أول معرض للوحات الرقمية المصنّعة عن طريق الحاسوب في ألمانيا، تحديداً في مدينة شتوتغارت، وبعدها بأشهر، نظّم معرض آخر في نيويورك.
ويمنح الفن الرقمي القدرة على التراجع عن الأخطاء في أي وقت وبسهولة كبيرة من خلال الضغط على زر، كما أن المسح والتعديل لا يؤثران في جودة اللوحة على عكس الرسم التقليدي. ويغني عن مشكلات الرسم بالفرشاة. كذلك يمكن للمستخدم طباعة ما يناسبه من النسخ التي يريدها، في المنزل أو مراكز الطباعة، وبتكلفة أقل من إعادة إنتاج الأعمال التقليدية، ويسهل تداولها من خلال الإنترنت وإجراء نسخ احتياطي للأعمال الفنية كافة، ما يسمح بحفظ أعمال الفنان من الضياع بشكل إلكتروني آمن.