تعد "قائمة المنقولات" واحدة من أهم القواعد والأعراف في مراسم الزواج بالمجتمع المصري بكل مستوياته الاجتماعية والثقافية. وأحياناً الاختلاف بشأنها بين الطرفين يُنهي زيجات في أثناء مراسم الزفاف في ليلة العرس. وبالعودة إلى أصل هذا العرف، الذي اتخذه القانون المصري أيضاً واحداً من مُسلمات الزواج فسن له قوانين يعاقب وفق نصوصها الزوج حال تبديد قائمة المنقولات، نجد أن أصل الحكاية من أطرف الكواليس وراء أعراف الزواج المصري، فجذورها المرأة المصرية اليهودية.
أصل الحكاية داخل معبد يهودي
بداخل دار الجنيزة التابعة للمعبد اليهودي في القاهرة نسخة ما زالت محفوظة لأقدم قائمة زواج كُتبت في مصر منذ نحو 850 سنة تقريباً، إذ يرجع تاريخها إلى عام 1160 ميلادية، وتتضمن نفس مواصفات قائمة الزواج الحالية في مصر، إذ تشمل منقولات وعفش منزل الزوجية بكامل تفاصيله من الملعقة وحتى الأثاث.
ووثقت القائمة كل شيء في مسكن الزوجية آنذاك على النحو التالي "زوج ملاعق، معرقة، بردة، رداء قلموني، جوكانية مشهر وردة، نصف رداء مشفّع، جوكانية بياض، جوكانية بياض، منديل، مرتبة طبري 4 قطع، زوج مخدات شمعي، زوج مخدات رُماني، سطل، وطاسة، وكوز زيت بغطاه".
ويرجع ظهورها في القرن الثاني عشر من تاريخ مصر، حيث انتشرت في ذلك الحين ثقافة تعدد الزوجات التي يسمح بها الدين الإسلامي، وتزامن مع ذلك انتشار زواج المصريين المسلمين من البنات اليهوديات، حيث استقر اليهود في مصر واندمجوا في المجتمع.
لكن، هنا كان الرجل المصري يجمع في الزواج بموجب قاعدة التعدد في الإسلام بين الأنثى اليهودية والمسلمة، إذ يحل له ذلك، بينما لم يكن هذا في عرف المرأة اليهودية، فاعتبرته يهدد زواجها بسهولة طلاقها إن رفضت التعدد، خصوصاً مع ميل الزوج إلى الإنجاب من زوجته المسلمة.
مكر أنثوي
وعلى الرغم من أن الإسلام شرّع قاعدة التعدد، فإن غيرة النساء أرادت الالتفاف حول القاعدة، وتقييد الرجل بمكر لا يقوى حياله على تطبيق القاعدة الشرعية التي تبيح له التعدد من دون أن تمنعه بشكل مباشر، وتعرض نفسها للخلافات التي تنتهي بالطلاق، ففكرت في تكبيله بقائمة منقولات تثقل كاهله، وتتحول إلى عبء مادي كبير يحول بينه وبين الزواج عليها من أخرى. على أن توثق جميع المنقولات، والمشغولات الذهبية تستردها الزوجة حال الطلاق، وهو مما يجعل الزوج يتراجع ألف مرة قبل أن يفكر في الزواج من جديد، وإلا خسر كل شيء وأصبح مداناً برده إليها.
يروي عبد الرحيم محمد، المتخصص الأثري، أن الأمر لم يتوقف هنا فحسب، وإلا لما كان انتشر ووصل إلى عصرنا هذا، إنما تبعاً لمبدأ المصريين "بنت شمعون مش أحسن من بنتي"، ولأن راشيل وماريكا جارتان لفوزية المسلمة فانتقل هذا العرف من عائلات اليهود في مصر إلى عائلات البنات المسلمات، من منطق التفاخر الطبقي والغيرة في تقدير الرجال لبنات اليهود والاستهانة بهن، فكيف تتزوج ماريكا بقائمة منقولات ثمينة، وفوزية تتزوج من دون قيد أو شرط؟! وهكذا ظل هذا العرف في التناقل بين مختلف الطوائف في مصر، وعلى مر السنين إلى أن وصل إلى يومنا هذا، وأصبح له قوة القانون والعرف، وأحله شرعاً دار الإفتاء مشروطاً بألا يساء استخدامه.
عادات وتقاليد
وخلال الآونة الأخيرة عادت النقاشات والمناوشات الكلامية بين الشباب من الرجال والنساء حول التعنت في اشتراطات الزواج، التي يستعر لهيبها بين الحين والآخر، حتى إنها أحياناً تتحول إلى حملات وحملات مضادة، كان آخرها حملة أطلقها الرجال على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "خليها تعنس"، لترد عليها النساء بأخرى "اللي معهوش ميلزموش".
الستينية أوصاف ابنة الحسب والنسب، التي يرجع أصولها إلى صعيد مصر بمحافظة سوهاج، تروي في سخرية أغرب وأسوأ ذكرى مرّت بها وهي عروس تطل بفستانها الأبيض، وتستعد للنزول إلى ساحة زفافها، بعد أن أنهت مكياجها وتحيطها الزغاريد، وعلى الجانب الآخر في بيت الزوجية كانت قد انتهت وضع المفروشات، لتكتشف أن هناك خلافاً نشب بين أخيها الأكبر حسام وعائلة العريس، بسبب نقصان "كرسي" بقائمة المنقولات الزوجية، الذي وصل إلى درجة عالية من التعليم، وعلى الرغم من ذلك تحكمت العادات والتقاليد وغلبت على أفكاره في الخلاف، لتحتد الخلافات وتُنهي العرس قبل بدء مراسمه مباشرة، وتنقلب ليلة العروس رأساً على عقب، وتعود أدراجها إلى غرفتها بقلب محطم في مشهد أشبه بالكوميديا السوداء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الجانب الآخر الثلاثينية نانسي السيد، المهندسة الزراعية، تروي اللحظة الأكثر جمالاً، حين وقعت في غرام زوجها وهو يوقع على "بياض" على قائمة المنقولات، ويقول لوليها، إنها أثمن عنده من الذهب والأثاث، لتصبح واحدة من أنجح الزيجات التي هُدم فيها العرف والتقاليد وألغيت الحسابات المادية، ليصمدا 11 سنة حتى الآن، ويواجها معاً عقبات كفيلة بهدم بيوت أخرى، كان أهمها أن الله لم يمن عليهما بالإنجاب.
أما مارينا عصام، العشرينية طالبة بكلية الإعلام، فتروي أن في الديانة المسيحية لا توجد قوائم ورقية مكتوبة، كما الحال لدى المسلمين، لكن لديهم جلسة عرفية مكونة من كبار العائلتين تُحدد فيها متطلبات الزواج، وتتقاسمها العائلتان وفق ما جرى عليه العرف بالبلدة نفسها والعائلة، مؤكدة أن المحددات هنا تختلف من بلدة إلى بلدة، ومن عائلة إلى عائلة، لكن السمة المشتركة أن "قائمة المنقولات عرفية لا تكتب ورقياً، ولا يعتمدها محام، كما الحال في بعض العائلات المسلمة".
كيف يرى الشرع قائمة المنقولات؟
وعن مدى شرعية "قائمة المنقولات الزوجية" في الدين الإسلامي، يقول الشيخ محمود راضي، إن الأزهر الشريف أقرّها وفق ضوابط تراعي عدم التضييق والضرر بالآخر، لكن لا مانع منها ما دامت تراعي الاعتدال واتقاء وجه الله، مشيراً إلى أنها إن تعدت دورها في حفظ الحقوق ليستغلها طرف من الطرفين في إلحاق الأذى بالآخر فقد ارتكب إثماً.
وعلى الجانب الآخر، يؤكد محمد البدري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سوهاج، أن قائمة المنقولات الزوجية في مصر "عرف سار منذ وقت طويل حتى اكتسب في قوته حكم القانون". مؤكداً أن لها دوراً مهماً في حفظ الحقوق حال الاختلاف والوصول إلى أبغض الحلال وهو الطلاق. لافتاً إلى ضرورة وضع ضوابط منذ البداية تمنع الاستخدام السيئ لها حال الخلاف.