أثار قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس إحالة ستة قضاة إلى التقاعد المُبكّر، موجة من ردود الأفعال الرافضة والغاضبة، باعتباره "تصفية لحسابات قديمة، وانتهاكاً لمبدأ استقلال القضاء"، في حين أرجع مجلس القضاء الأعلى تلك الخطوة إلى "تراجع أداء ونزاهة هؤلاء القضاة".
وجاء قرار الرئيس عباس بتنسيب من مجلس القضاء الأعلى الانتقالي برئاسة عيسى أبو شرار الذي عينه عباس قبل سنة ونصف في منصبه لإصلاح القضاء في خطوة اعتبرت آنذاك "هيمنة للسلطة التنفيذية على القضاء، وانتهاكاً لاستقلاليته".
وبعد أيام على قرار عباس، عيّن الرئيس عباس أبو شرار رئيساً لمجلس القضاء الأعلى لولاية من أربع سنوات، بعد تعديل الرئيس الفلسطيني قانون السلطة القضائية في إجراء اعتبرته منظمات حقوقية "انقلاباً دستورياً، واستكمالاً للقضاء على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث مقابل بقاء أبو شرار في منصبه، أي الخضوع مقابل التمسك بالكرسي".
وحمّل رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق عصام عابدين الرئيس عباس مسؤولية "عزل عشرات القضاة على دفعات من خلال الغرفة السوداء التي يديرها مستشاره القانوني، ورئيس مجلس القضاء الخاضع مقابل التمسك بكرسي رئاسة مجلس القضاء إلى الأبد"، واصفاً قرار عباس "بالعدوان الشامل على الدستور والقيم والحقوق والكرامة".
التقاعد المُبكّر
لكن أبو شرار أرجع إحالة القضاة الستة إلى التقاعد المُبكّر إلى انتهاكم مدونة السلوك القضائي، ووجود شبهات محاباة ضدهم، وتراجع أدائهم، إضافة إلى تسجيل عشرات الشكاوى ضدهم".
ونفى أبو شرار وجود أي اعتبارات سياسية وراء القرار، متوعداً "بتطهير جهاز القضاء من أي قاضي عليه ملاحظات في أدائه ونزاهته"، مضيفاً أن "القضاة ليست لهم علاقة بالسياسة، ويتوجب إلغاء أي انتماء سياسي لهم، وأن يكونوا بعيدين من أي هوى سياسي، وحياديين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن بين القضاة الستة المُحالين إلى التقاعد المُبكّر القاضي أحمد الأشقر الذي يعمل في القضاء منذ 11 سنة، إضافة إلى عمله لأربع سنوات في وظيفة عامة أخرى حيث بلغ مجموع سنوات خدمته 15، وهو ما يتيح إحالته إلى التقاعد.
وكان الأشقر أصدر أحكاماً قضائية سابقة ببطلان اتفاق أوسلو، وعدم جواز محاكمة المقاومين الفلسطينيين، كما أحيل إلى مجلس تأديبي في مجلس القضاء الأعلى في فبراير (شباط) 2020 على خلفية مقال رأي له انتقد فيه "التضييق على حرية الرأي والتعبير".
ورفض المجلس التأديبي حينها إدانة الأشقر، وأكد حرية القضاة بالتعبير عن آرائهم السياسية، وبأن "المقالة تندرج في إطار تحقيق المصلحة ولا تشكل أية مخالفة".
في المقابل، اعتبر الأشقر إحالته إلى التقاعد المُبكّر بأنه "تصفية حسابات قديمة معه قامت بها السلطة التنفيذية عقاباً له على أنشطته ضد تشكيل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، مضيفاً أن أبو شرار يعتبر "أداةً طيّعةً بيد السلطة التنفيذية لقمع القضاة المعارضين لانهيار الوضع الدستوري، والسلطة القضائية".
مدونة سلوك قضائي
واتهم الأشقر أبو شرار "بتقديمه كقربان للسلطة التنفيذية حتى يُمدد له، ووضع مدونة سلوك قضائي استلهمها من تجربته في القضاء العسكري الأردني الذي كان يعمل به حتى عام 1970".
وأوضح الأشقر إن إحالته إلى التقاعد "غير قانونية وغير دستورية، وأنها تعتبر عزلاً له من منصبه من دون مراعاة الأصول الدستورية والقانونية التي اشترطت تشكيل مجلس تأديبي للبت في ذلك"، مضيفاً أن المجلس الانتقالي المؤقت "غير دستوري".
وأضاف الأشقر أن التعديلات على قانون السلطة القضائية "نصّت على تشكيل مجلس تأديبي يعين أعضاؤه من مجلس الأعلى للقضاء، وليس من أقدم القضاة في المحكمة العليا والاستئناف كما كان في القانون السابق للسلطة القضائية".
وأعلن أنه سيطعن في قرار إحالته للتقاعد أمام المحكمة الإدارية، إضافة إلى توجهه إلى المنظمات الدولية والأممية "لضمان وجود تأثير دولي في مراقبة مدى التزام دولة فلسطين بالاتفاقيات الدولية".