كشفت تركيا عن مواقفها إزاء ما يحدث في الجزائر، بعد التزامها الصمت على غير العادة، حين حذر مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي، الشعب الجزائري من سرقة "ثورته" مثلما حدث في مصر قبل ست سنوات. ودعا أقطاي شعبَي الجزائر والسودان إلى "الحفاظ على ثورتيهما"، لأن هذا من شأنه أن يثير غضب الجزائريين قيادةً وشعباً، بخاصة أن الشعب الجزائري يحمّل تركيا وقطر، مسؤولية ما حدث ويحدث في العراق وسوريا وليبيا، من فوضى واقتتال تحت شعار "ثورات الربيع العربي".
تصريحات "استفزازية" من تركيا
ويُنتظر أن ترد السلطات الجزائرية بقوة على تصريحات "استفزازية" صادرة عن مستشار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وهي تصريحات صنفتها جهات عدة ضمن التدخل غير البريء في الشأن الداخلي الجزائري، واعتبرتها تحريضاً ضد الجيش ودعوة الى الفوضى، بخاصة أن تركيا تُعد في نظر الجزائريين إحدى الدول المسؤولة عمّا يحدث من دمار ومجازر في دول عربية باسم "الربيع العربي". وفاقم إطلاق أقطاي تصريحاته من العاصمة القطرية الدوحة، فداحة الموقف.
ورأى المسؤول التركي في حوار مع وسيلة اعلامية قطرية، أن "الثورات من حق الشعوب، لأن الناس عندما يعترضون أو عندما يجدون أن حكوماتهم لا تمثلهم يدفعون باتجاه تغيير النظام، وهذا حق شرعي". وعبّر عن أمل أنقرة استمرار الحراك الشعبي في البلدين وألا يفضي إلى انقلابات عسكرية جديدة، مشيراً إلى أن "الانقلابات لا تجلب الخير والصلاح في البلدان، لكنها تجلب القتل والفساد والظلم. وشدد أقطاي على تخوّف تركيا من حدوث انقلاب، "مثلما حدث في مصر وليبيا واليمن، حيث سُرقت ثوراتهم"، وأردف أن بلاده تتمنى أن يكون "الشعبان الجزائري والسوداني يقظين حتى لا يُسرَق المستقبل الذي دافعوا عنه بأرواحهم لتغيير النظم الفاسدة وعودة السلطة للشعب". وأضاف أن أنقرة "تأمل أن تشكل حكومات مدنية في الدول التي شهدت ثورات في العالم العربي حتى تستطيع مواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة".
الجزائر ليست ضمن "الربيع العربي"
في السياق نفسه، تحفّظ الخبير في القانون الدولي، إسماعيل خلف الله، المقيم في العاصمة الفرنسية باريس، عن إدراج الثورة السلمية للشعب الجزائري ضمن ما يعرف بـ"الربيع العربي". وقال إن "الشعب الجزائري كان سباقاً في ثورته في 5 أكتوبر (تشرين الأول) 1988، وهو الآن يرسم تجربة جديدة لم يمر بها أي شعب من الشعوب العربية". وأضاف أن "التجربة الجزائرية ستكون النموذج الجديد والفريد للشعوب التي تبحث عن الحرية والديموقراطية والحياة الكريمة، وهي سابقة لكل التجارب التي حصلت في دول ما يُعرف بالربيع العربي"، مشيراً إلى أن للشعب الجزائري "تجربة مع الديموقراطية لثلاث سنوات تقريباً بعد ثورة 5 أكتوبر 1988، لولا الانقلاب الذي حصل في يناير (كانون الثاني) 1992، وتوقيف المسار الانتخابي، "ولكن ها هو الشعب الجزائري يعيد تجربة جديدة ويعطي الدروس في التظاهر السلمي الذي أدهش العالم".
الحراك الشعبي يرفض التدخل الأجنبي
وعبّر الشارع الجزائري في مناسبات كثيرة عن رفضه التدخل الأجنبي في حراكه، فانتقد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حين دعا لأن تكون مدة الفترة الانتقالية قصيرة ومعقولة، إضافة إلى موقف الولايات المتحدة بعد اعلانها دعم الشعب الجزائري وحقه في التظاهر السلمي، وكلام المفوضية الأوروبية التي دعت إلى احترام حرية التعبير والتجمع المدرجة في الدستور الجزائري. وتبعت حملة الانتقادات رفع لافتات وشعارات تدين التدخل الغربي في الشأن الجزائري خلال معظم المسيرات والتظاهرات، وهذا ما ينبئ برد فعل شعبي ورسمي واسع على التصريحات التركية، ستكون مسيرات "الجمعة التاسعة" المقبلة مسرحاً لها.
وأبرز الإعلامي الجزائري عبد الرحمن شماني أن "لكل شعب خصوصياته، ولكل دولة مؤسساتها، والواقع كشف عن أن الشعوب ارتقت بوعيها ونضجها إلى حد بعيد، وهذا ما أفشل كل المؤامرات التي تُحاك هنا وهناك، من أجل ركوب موجة حراك الشعوب وتنفيذ أجندات مشبوهة". وأضاف "ما ميّز الحراك في الجزائر أو السودان، أن مؤسسة الجيش، في كلا البلدين، لعبت دور المرافق والمتخندق في صف الشعب، والضامن للاستقرار والدافع لمرحلة انتقالية وفق حل داخلي- داخلي، وبالتالي لا مجال للمزايدة على الشعبين الجزائري والسوداني"، مضيفاً أن "فطنة الحراك الشعبي ويقظته ووعيه تقصي كل محاولات التدخلات الأجنبية كيفما كانت الصفة".
"سلمية - سلمية لبناء دولة قوية"
وشدد شماني على أن هذا الحراك الشعبي أثبت القطيعة مع ما اصطلح على تسميته "الربيع العربي"، معتبراً أن وعي الشعب دفع لمرحلة جديدة قوامها "سلمية سلمية لبناء دولة قوية". وتابع أن "كل الدول التي تورطت في ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي في الماضي القريب، تحنّ وتعمل على التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في محاولات توجيه الحراك الشعبي، لكن نقول إن الشعوب نضجت وباتت حريصة على حماية مشروع ديموقراطيتها السلمية التي تناضل من أجلها، وتكفر بديموقراطية الدبابة التي ميّزت المرحلة الماضية".
وتبيّن تصريحات مستشار اردوغان أن رغبة تركيا في ركوب الحراك الشعبي الجزائري باتت واضحة، بخاصة في ظل تحرك أذرعها في الجزائر مع تيار "الإخوان المسلمين"، حيث لم يرق أنقرة المشهد الذي أدهش العالم من خلال سلمية المسيرات وتحضر الشعب الجزائري ووعيه منذ 22 فبراير (شباط) الماضي.