فيما تنهمك الأطقم الطبية في معالجة مصابي فيروس كورونا، وتسارع الدول إلى حجز حصصها لتنفيذ حملات تطعيم للتصدي للوباء، أثارت السلالات المتحورة من الفيروس والضغوط الكبيرة على مصنعي اللقاحات، مخاوف من تراجع فعالية حملات التلقيح إذا تأخرت الشركات في إنتاج الجرعات وتسليمها في موعدها.
إعلان شركتي "فايزر" و"بايونتيك"، الجمعة 16 يناير (كانون الثاني)، أنهما ستتأخران في تسليم جرعات اللقاح التي كانت مرتقبة في نهاية يناير وبداية فبراير (شباط)، لإتاحة إدخال تعديلات في عملية الإنتاج وتسريع وتيرتها في الأسابيع المقبلة، أثار قلقاً حول العالم وفي أوروبا خصوصاً، حيث أدانت ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي التأخير "غير المقبول" من قبل "فايزر"، الذي "سيقوض مصداقية عملية التلقيح".
وفي ضوء الشكاوى، أعلنت "فايزر- بايونتيك"، السبت، "خطة" للحد من مدة تأخير تسليم اللقاحات إلى أسبوع فقط، عبر "رفع قدرات التصنيع في أوروبا". وقالتا في بيان مشترك، "سنعود إلى الجدول الزمني الأساسي لعمليات التسليم في الاتحاد الأوروبي اعتباراً من أسبوع 25 يناير، مع زيادة عمليات التسليم بدءاً من أسبوع 15 فبراير".
تأخير الجرعة الثانية
وفي ظل تسارع تفشي الفيروس مدعوماً بسلالات متحورة أكثر عدوى، لجأت بعض الدول إلى استخدام جميع اللقاحات المتوفرة لديها لتطعيم أكبر عدد ممكن من الأشخاص، طارحةً تأخير إعطاء الجرعة الثانية من اللقاح، لا سيما أن أبرز لقاحين، من إنتاج "فايزر- بايونتيك" و"موديرنا"، يعطيان على جرعتين تفصل بينهما مدة ثلاثة أسابيع للقاح الأول، وأربعة أسابيع للثاني.
وهذا ما حصل فعلاً في بريطانيا، حيث أوصت الحكومة بإعطاء الجرعة الثانية بعد مدة تصل إلى 12 أسبوعاً من تلقي الجرعة الأولى، معتبرةً أن ذلك لا يؤثر في فعالية الطعم. واستتبع القرار البريطاني رداً من "فايزر- بايونتيك"، اللتان قالتا إنه لا يوجد دليل على أن لقاحهما سيستمر في الحماية من كورونا إذا أعطيت الحقنة الثانية بعد أكثر من 21 يوماً من الجرعة الأولى.
الدنمارك بدورها وافقت على تأخير إعطاء الجرعة الثانية لمدة تصل إلى ستة أسابيع.
وقالت الوكالة الأوروبية للأدوية، التابعة للاتحاد الأوروبي، إن الفاصل بين جرعتي "فايزر- بايونتيك" ينبغي ألا يتعدى الـ 42 يوماً، أي ستة أسابيع، لتوفير حماية كاملة ضد كورونا.
وفي الولايات المتحدة كذلك، وبعدما أعلن الرئيس المنتخب جو بايدن عزمه توزيع جميع جرعات اللقاح المتاحة بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير، أفرجت إدارة الرئيس دونالد ترمب عن احتياطي اللقاحات الذي كانت تحتفظ به لتأمين الجرعة الثانية، ووزعته على الولايات الأميركية.
"مراهنة" قد تسهم في تحور الفيروس
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما تدرس دول عديدة إمكانية تأخير إعطاء الجرعة الثانية من اللقاح، أثار هذا الطرح انقساماً في أوساط العلماء والخبراء.
عالم الفيروسات في كلية الطب بجامعة "نورث وسترن فاينبرغ" في شيكاغو، رامون لورنزو-ريدوندو، اعتبر هذا الإجراء بمثابة "مراهنة"، قائلاً في حديث أورده موقع "ساينس نيوز" الأميركي، إن "المسؤولين يجب ألا يقامروا بأفضل أدواتهم" لمكافحة الوباء. وأضاف، "لا نريد تعزيز تطور فيروسي محتمل عبر تحصين مناعي دون المستوى الأمثل للسكان".
فإن كان الأفراد يتمتعون بمناعة كاملة ضد الفيروس بفضل اللقاح، من المرجح أن يواجهوا كوفيد-19 بصلابة، ما يمنعه بالتالي من تكوين طفرات خطيرة. ولكن إن كانت مناعتهم جزئية، قد يكون تصديهم للفيروس أضعف، ما يسهل تحوره. وفي حال نجح كوفيد-19 بتكوين سلالات تقاوم المناعة التي ينتجها اللقاح، سيشكل ذلك ضربةً للجهود العالمية لكبح تفشي الوباء.
وفي هذا السياق، ظهرت بالفعل طفرة أثارث القلق، مسماة "إي484كي"، وظهرت على نسخ متحورة للفيروس رُصدت في جنوب أفريقيا والبرازيل واليابان. وقد تؤثر هذه الطفرة في فعالية اللقاحات، إذ أظهرت الاختبارات المعملية أنها تبدو قادرة على خفض قدرة الأجسام المضادة على التعرف إلى الفيروس وتحييده.
التأخير أكثر فعالية
وفيما تبقى غير مؤكدة مدةّ الحماية التي توفرها جرعة واحدة من اللقاح، يعتبر علماء أن تأخير الجرعة الثانية لا يثير القلق. فرئيس فريق أبحاث اللقاحات في مستشفى "شاريته" في برلين، ليف إريك ساندر، اعتبر أنه نظراً إلى الأعداد القليلة المتوفرة من الجرعات مقارنةً بتفشي الفيروس، تصبح إستراتيجية تطعيم أكبر عدد من الناس بأقرب وقت ممكن أكثر فعالية.
وعالمة الأوبئة في جامعة شيكاغو، سارة كوبي، رأت في حديث لـ "ساينس نيوز"، أن إعطاء الجرعة الأولى لأكبر عدد ممكن من الناس قد يساعد في الواقع على الحد من تحور الفيروس، قائلةً إن الحماية الجزئية التي قد يحصل عليها الأفراد من الجرعة الأولى "ستخفف بكل تأكيد من انتشار العدوى". وانخفاض عدد الإصابات سيعني انخفاضاً في تفشي السلالات المتحورة بين الناس. وبناءً على الأرقام، قد لا يكوّن كورونا طفرات قادرة على إحداث "تهرب مناعي".
حتى أن الاستجابة المناعية التي يحدثها اللقاح والأجسام المضادة التي تهاجم الفيروس، تصعّب عليه عملية التحور. ومع الوقت، الأجسام المضادة قد تحسّن أداءها. ولهذه الأسباب مجتمعة، قال عالم الأوبئة والأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة ميشيغان، آدم لورينغ، لـ "ساينس نيوز" إنه من الصعب على كوفيد-19 تجاوز هذه العقبات. لكنه أضاف أن ذلك لا يعني أن تأخير الجرعة الثانية للقاح لن يشكل خطراً على تحور الفيروس، قائلاً "نحتاج إلى دراسة الأمر".