تعد الموسيقى الحضرمية واحدة من أشهر أنواع الموسيقى العربية، حيث تعتمد في مقاماتها على أسلوب فني تطور على مر الزمن، ويستخدمها أكثر الملحنين والعازفين في شبه الجزيرة العربية.
والموسيقى الحضرمية هي الغناء الكامل باللهجة الحضرمية والإيقاع، إضافة إلى الألحان والدندنات الشعبية.
ولطالما اشتهرت حضرموت بالفن منذ زمن بعيد، ويشكل الدان الحضرمي أبرز فنون الغناء في حضرموت، لتميزه عن غيره من الفنون في طريقة وضع ألحانه والنظم عليها، وهو ابن بيئته الجغرافية والاجتماعية.
وأنجبت حضرموت عشرات الفنانين الغنائيين الذين ذاع صيتهم يمنياً وعربياً، وأشهرهم "أبو بكر سالم بلفقيه، ومحمد جمعة خان، وكرامة مرسال، وعلي العطاس، وبدوي زبير، ومحفوظ بن بريك، وعبد الرحمن الحداد".
صحوة موسيقية جديدة
طفرة في النشاط الموسيقي تشهدها عدد من مديريات محافظة حضرموت ساحلاً ووادياً، بإقامة عدد من الدورات التدريبية في مجال الموسيقى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأتي هذه الصحوة الموسيقية بعد ركود نسبي شهدته الحركة الفنية خلال الفترة الماضية، تعزوه الجهات المسؤولة إلى شح الإمكانيات، وعزوف الشباب عن المشاركة في مثل هكذا أنشطة موسيقية، وانتشار جائحة كورونا.
"المكلا، والشحر، وغيل باوزير، وسيئون، وشبام"، مدن حضرمية استقبلت خلال الأيام الماضية دفعات من الشباب الموهوبين في مجال الموسيقى، منهم من يحترف الموسيقى وكذلك الهواة.
أحدث تلك الدورات أقيمت في مدينة المكلا، واستمرت أسبوعين متتاليين تلقى فيها 50 متدرباً ومتدربة عدداً من المعارف والتدريبات العملية عن مفهوم قراءة النوتة الموسيقية ونظرياتها وأبجدياتها ورموزها وعناصرها الأساسية، إضافة إلى تعرف المتدربين على بعض المقامات شائعة الاستخدام، كالأبعاد الموسيقية ودائرة الرباعيات والخماسيات والمركبات الأساسية وانقلاباتها.
إقبال كبير
يقول مدير عام مكتب الثقافة بمديريات ساحل حضرموت ماهر بن صالح، إن هذه الدورات تأتي تباعاً ضمن الخطة الطموحة التي قام بإعدادها مكتب وزارة الثقافة بساحل حضرموت للعام الفائت 2020، ففي أكتوبر (تشرين الأول) قام المكتب بتنظيم دورة في الفن التشكيلي بعنوان الطبيعة الصامتة بالألوان الزيتية، فيما تشهد الآن دورات في مجال الموسيقى.
ويرى ابن صالح أن ما يميز الدورة الحالية في المكلا هو الإقبال الكبير للشباب من الجنسين، وفاقت نسبة الفتيات المشاركات فيها 30 في المئة، وهذا ما شكل نقطة إيجابية للحركة الثقافية والفنية في ساحل حضرموت، بعد سنوات من انحسار مشاركة العنصر النسائي في مثل هكذا دورات، بعد أن كانت مقتصرة على الشباب الذكور.
رسالة سلام
ويضيف مدير مكتب الثقافة "هدفنا بمكتب الثقافة إحداث حراك في المشهد الثقافي في حضرموت، والعمل بجد على احتضان الشباب وصقل مواهبهم، فالشباب في تقديري هم الماء، وقد ظلوا سنوات طويلة من دون وعاء يحتضنهم ويأخذ بيدهم، كما نهدف أيضاً إلى تجاوز آلات الحرب وأصوات المدافع، في ظل حالة الحرب وأصوات الرصاص المنبعثة من فوهات البنادق وآلات القتل".
واعتبر أن الرسالة "مفادها كفانا حرباً وكفانا سفكاً للدماء وتدميراً لمقدرات الوطن، ولندع هذه الأجيال الصاعدة تنعم برغد العيش وهي تعزف سيمفونية الفن والإبداع".
ويخلص في حديثه قائلاً "نجاح هذه الدورات وما تحققته من نتائج إيجابية، جعلتنا في مكتب وزارة الثقافة نتطلع إلى كثير من الأمور الفنية في المحافظة بتفاؤل كبير، ومنها أهمية إعادة النظر في تشغيل معهد الفنون الجميلة بالمكلا ليكون حاضناً لكل هذه المواهب الشبابية في كثير من المجالات الفنية التي يتطلعون إليها".
محاربة الأمية الموسيقية
في المقابل يوضح رئيس قسم الموسيقى بمكتب ثقافة ساحل حضرموت المدرب الموسيقي أحمد الأحمدي، أن "المهمة الأساسية من عقد هذه الدورات التدريبية هي القضاء على الأمية الموسيقية المتفشية بين العازفين بحضرموت، باعتبار أن 98 في المئة منهم أميون موسيقياً، ولا يعرفون عنها كعلم إلا اليسير، لكنهم بالفطرة عازفون متمكنون يجيدون العزف وترجمة الجمل الموسيقية، بينما يجهلون كثيراً ولا يعرفون سوى بعض المقامات الموسيقية المتداولة، أما النوتة الموسيقية والرموز والأشكال الموسيقية فهي غائبة عنهم تماماً".
ويشير الأحمدي إلى أن المحاور الأساسية للدورات تمثلت في التعريف بالموسيقى وعناصرها الأساسية وتفاصيل السلم الموسيقي والنوتة الموسيقية وعناصرها الثلاثة "المدرج الموسيقي، والرموز، وعلامات التحويل"، إضافة إلى كيفية قراءة بعض المقطوعات الموسيقية.
وعن الحركة الموسيقية الحضرمية يقول الأحمدي "الحركة الموسيقية ممتازة، فلدينا كفاءات ومهارات على مستوى عال من المهارة، وفرق جيدة، لكن ينقصنا نشر الثقافة الموسيقية كعلم، حتى تضاف لهولاء العازفين صفة الموسيقي وليس عازف فقط، على أن يكون دارساً للنوتة الموسيقية، وكانت هذه الدورات التي أقامها مكتب الثقافة خطوة في الاتجاه الصحيح لصقل مواهب العازفين، ونأمل نشوء جيل موسيقي جديد يتحرر من الأمية الموسيقية خلال عشر سنوات مقبلة".
للنساء نصيب
ويصف المدرب الموسيقي مشاركة عدد من الفتيات في دورات الموسيقى، بالمشاركة المتميزة، وتابع قائلاً "كان حرص الفتيات على المشاركة والحضور ميزة أساسية في هذه الدورة، وجدنا رغبة شديدة عند الفتيات في تعلم الموسيقى، فأبلين بلاء حسناً، وقدمن صورة طيبة تدل على شغفهن بالفن". وفي سياق متصل بالمشاركة النسوية، قالت المتدربة نور باجابر، إن مشاركة العنصر النسائي في دورة الموسيقى كانت جيدة وبعدد مقبول، مما يدل على ارتفاع الوعي بأهمية الموسيقى في الحياة كزاد ثقافي وفني ونفسي للإنسان ذكراً وأنثى.
واعتبرت إقامة الدورات نافذة فتحت آفاقاً واسعة للثقافة والفن والإبداع في محافظة حضرموت التي تحتاج إلى المزيد منها، لا سيما وأن المحافظة تمتلك من التراث الفني والأدبي الكثير.