ظاهرياً، تصرفت الأسهم الأميركية بشكل جيد للغاية منذ أن بدأت في الانتعاش في مارس (آذار) الماضي استجابة للتدخل الطارئ للاحتياطي الفيدرالي في الأسواق. منذ ذلك الحين، عاد مؤشر "إس آند بي 500" بأكثر من 70 في المئة، بما في ذلك الأرباح، والأداء القوي للأسهم مثير للإعجاب، فهو يحصل في توقيت تفشي كورونا، وفي ظل ركود اقتصادي خلفة الوباء، وأعمال شغب طالت مبنى الـ "كابيتول هيل" مصحوبة بأزمة دستورية كاملة في البلاد، وفي وقت توصف الفترة الانتقالية الرئاسية بكونها أصعب من أي فترة انتقالية في التاريخ الأميركي منذ أكثر من قرن، ومع ذلك، ظلت سوق الأسهم خالية من الاضطرابات بشكل كبير، فما سر تلك الارتفاعات؟ خصوصاً أن الخبراء يجمعون على أن أداء سوق المال لا يعكس بأي شكل من الأشكال وضعية الاقتصاد الأميركي؟
بالنسبة للمستثمرين، فإن الارتفاع المذهل في السوق هو سبب للاحتفال بطبيعة الحال، فمن الصعب الاعتراض عندما تصبح أكثر ثراء، ولكن على الرغم من أن المكاسب الأخيرة تبدو أقل روعة عندما نتذكر أنها جاءت بعد تراجع مؤشر (إس آند بي 500) بنسبة 33.9 في المئة من 19 فبراير (شباط) إلى 23 مارس من العام الماضي، إلا أن هذه الارتفاعات قد تكون غادرة، فبينما لا تزال "وول ستريت" صعودية بشكل عام، يحذر بعض استراتيجيي السوق من أن الأسهم قد شكلت بالفعل "فقاعة "يجب أن تنفجر حتماً بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".
لا نعرف ما إذا كانت السوق قد وصلت إلى الذروة، أو ما إذا كان الاتجاه الصعودي سيستمر لأشهر أو سنوات، ولكن ما هو الأكيد أن توقيت السوق لا يعمل بشكل جيد بالنسبة لمعظم الناس، فغالباً ما يُقال إن أفضل نهج للمستثمرين على المدى الطويل هو إنشاء محفظة بتخصيص معقول ومتنوع للأصول ثم التعايش معها، مهما حدث.
سوق الأسهم قد تكون جاهزة للانفجار
واستمرت سوق الأسهم في الارتفاع، حتى مع تضاعف وتعمق الأزمات في الولايات المتحدة، ومن المحتمل أن يزدهر الاقتصاد بمجرد أن تصبح لقاحات كورونا أكثر شيوعاً، ولكن إذا لم يكن هناك توسع اقتصادي كبير في وقت لاحق من هذا العام، فقد لا تكون أسعار الأسهم الحالية المرتفعة منطقية.
ويرى وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، أن السر في الأداء الجيد لأسواق الأسهم الأميركية على الرغم من الأزمات التي تعيشها الولايات المتحدة، وعلى رأسها أزمة كورونا والركود الاقتصادي الذي خلفه الوباء، واجتياح مبنى الكابيتول هيل و تداعياته، يأتي لأسباب عديدة، أولها يكمن في ضخ السيولة والتي كانت على شكل حزم نقدية، ومعلوم أن الحزمة الأولى كانت بقيمة ثلاثة تريليونات دولار، ما جعل السيولة رخيصة جداً ومتاحة، وتاريخياً، عندما تتاح هذه السيولة، عادة ما تتجه لأسواق الأسهم، أما السبب الثاني فيتعلق بالإعلان عن لقاحات كورونا سواء من "موديرنا" أو "فايزر" وغيرهما، ما خلق شعوراً بالتفاؤل انعكس في الارتفاعات التي شهدناها في أسواق الأسهم الأميركية، أما السبب الثالث، فيكمن في أداء شركات التكنولوجيا التي تتمتع بثقل عالٍ في الأسواق الأميركية، ودخولها أحياناً في منتجات عالية، إضافة إلى الأداء الربعي لهذه الشركات، والذي أدى إلى ارتفاعات قوية جداً في أسواق الأسهم، ورأينا ذلك الأداء القوي في شركة "أمازون" عل سبيل المثال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه الأسباب الثلاثة، بحسب الطه، قادت إلى ارتفاعات كبيرة في أسواق الأسهم، مضيفاً أن المحللين ومديري المحافظ يدركون جيداً هذه العوامل التي قادت إلى تلك الارتفاعات.
ويضيف الطه، برأيي، كان هناك تأجيل لعمليات تصحيح في أسواق الأسهم الأميركية، إذ إن مكررات الربحية التي نراها تعتبر عالية واستمرت الارتفاعات إلى مستويات قياسية، وتابع، أتفق أننا سنصل إلى مرحلة ستنفجر معها "فقاعة" أسواق الأسهم، وبرأيي ما لم تكن هناك نتائج إيجابية جداً للربع الأول من هذا العام تستوعب هذا التضخم من أجل تخفيض المكررات الربحية بحيث تكون الأرباح قوية جداً، فإن عكس ذلك سيتمثل بمبالغة في الارتفاعات، وبالتالي سيكون هناك، فنياً، ما يعرف بعمليات تصحيح.
موجه تصحيح آتية لأسواق الأسهم في الربع الأول من العام
استبعد المحلل في أسواق المال عميد كنعان، حدوث "فقاعة" في أسواق الأسهم الأميركية، ورأى أن موجة التصحيح آتية لا محالة، قائلاً، "بداية، علينا أن نعترف بأن أساسيات الاقتصاد لم تعد مطبقة في أسواق المال الأميركية، وما وصلنا إليه اليوم هو بسبب تداعيات كورونا وما نتج منها من آثار".
وأضاف أن الدعم الذي قُدًم للمواطنين الأميركيين في وقت كان الكثيرون منهم يفقدون وظائفهم ويعيشون على المعونات الحكومية، ما دفع الكثيرين من الأفراد والأسر الأميركية إلى التوجه نحو أسواق المال الأميركية خلق نوعاً من الانفصال الكامل، ففي الوقت الذي كانت شركات الطيران تعيش أسوأ حالاتها في خضم موجة الإغلاق للحدود للحد من تفشي الوباء في العالم، وفي الوقت الذي تراجع إنتاج الشركات، شهدنا ارتفاعات في أسواق المال ما يبطل النظرية الاقتصادية أو ما تعلمناه، وخلق نوعاً من الانفصال بين أسواق المال وأداء الشركات، وباعتقادي أن هذا الانفصال غذّاه الكثير من الأمور التي ساعدت على خلقه، على حد قوله.
أضاف كنعان، أنه في نهاية المطاف "لا يصح إلا الصحيح"، ولا أستطيع القول إنه ستكون هناك "فقاعة" ستطال أسواق الأسهم الأميركية، مع الإشارة إلى الدين العام الأميركي، ونسب ارتفاعاته التي كانت كبيرة جداً حتى خلال حقبة رئاسة دونالد ترمب أو حتى في الفترة الأخيرة من ولايته.
ما يحصل في أسواق المال الأميركية غير مبرر
ورأى المحلل في أسواق المال كنعان أنه وبالنظر إلى بعض الأمور الأساسية، سنجد أن ما يحصل في أسواق المال الأميركية غير مبرر، مع ضرورة الإشارة إلى أن ما يحصل لا يعكس أبداً وضعية الاقتصاد الأميركي، وتوقع أن نشهد عملية تصحيح قاسية جداً لأسواق المال الأميركية لإحداث نوع من التقييم أو المعادلة ما بين أسعار الأسهم وأداء الشركات على معظم القطاعات المتأثرة، مع استثناء شركات التكنولوجيا، وشركات السيارات الكهربائية، وكذلك الشركات اللوجستية، وشركات الإنترنت التي استفادت من الجائحة، ولكن الشركات التقليدية القديمة، باعتقادي، تأثرت، وقد نجد الميزانيات والبيانات المالية على غير المتوقع وأقل من المتوقع ما سيؤثر في أسواق المال.
وبسؤال كنعان إن كنا سنشهد موجة التصحيح في أسواق الأسهم الأميركية التي تحدث عنها في الربع الأول من العام الحالي، أجاب، "باعتقادي، أننا "قاب قوسين أو أدنى"، وأتوقع أن نشهد موجه التصحيح في بداية الربع الأول، ولكن علينا الحذر من التطورات السياسية الحاصلة في الولايات المتحدة، ومراسم التنصيب الرئاسية وتسليم السلطة بين ترمب والرئيس المنتخب جو بايدن، وكذلك إفرازات الانتخابات، فإذا مرت الأمور بسلام، باعتقادي سيكون هناك تصحيح للأمور، على الرغم من وعود الإدارة الأميركية الجديدة بمزيد من حزم الدعم المالية"، وأضاف، إذا ما شهدنا مزيداً من الارتفاعات في أسواق الأسهم الأميركية، فسيقابلها مزيد من الانخفاضات القاسية جداً أيضاً.