في خضم جائحة عالمية، تأتي الرياضة في نهاية أولويات الحكومات والمواطنين. فقد أصابت العالم مصيبة دفعت اقتصاداته إلى شفير الهاوية. وإذا كانت الجائحة قد أثبتت شيئاً ما، فهو أن على الدول كلها أن تعرف بعضها بعضاً، وأن تعمل معاً وتتشارك في نهاية المطاف لمواجهة هذا التحدي.
بيد أن مستوى الانقسام الذي يشهده العالم في الوقت الراهن صادم، ويبعث على الألم، لا سيما نظراً إلى طبيعة التحديات الفريدة من نوعها التي نواجهها. مع ذلك، فنحن لا نقف متحدين للتصدي لها، وذلك لأسباب منها "سياسة الرجل القوي" التي يتبعها زعماء سلطويون، أو جراء سموم وسائل التواصل الاجتماعي، أو التدهور البيئي أو انتشار عدم المساواة.
فكيف نقرب الناس في أنحاء العالم من بعضهم بعضاً في وقت بات السفر فيه متوقفاً تماماً، وأُرغمت أعداد من البشر تقدر بالمليارات على ملازمة بيوتهم؟
كان اختراع وتوزيع لقاحات فيروس كوفيد-19 بمثابة بصيص من الأمل بالنسبة إلينا جميعا. وفي وقت لاحق من هذا العام، سيصبح لقاح أكسفورد- آسترا زينيكا، الذي تمت الموافقة على استعماله أخيراً، أول عقار من هذا النوع جرى تطويره في الغرب، وسيجد طريقه بأعداد كبيرة إلى المستهلكين في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. ويعد المبدأ المتبع هنا بسيطاً، إذا كان أحدنا غير آمن، فإن أياً منا لن يتمتع بالأمان. وإذا مضينا على طريق التلقيح إلى الأمام تاركين وراءنا الدول النامية بلا لقاحات كافية، فإن ذلك سيُنذر بكارثة بالنسبة إلى الجهود الرامية إلى ضمان تعافي الدول في كل مكان.
من هنا فإن التعاون على مستوى العالم ليس ممكناً فحسب، بل هو أكثر أهمية من أي وقت مضى، في عالم تتسع فيه رقعة الانقسام على نحو متزايد.
ثمة حدث آخر هو الألعاب الأولمبية وأولمبياد أصحاب الإعاقة الذي من المقرر أن يقام في وقت لاحق من العام الحالي، وهو حدث قد جمع العالم تاريخياً تحت سقف واحد، وعلى شاشة واحدة، في سياق الأخبار العالمية التي تناقلها الناس، وذلك كما لم يجمعه حدث آخر من قبل. ففي كل أربع سنوات، يجد العالم فرصة سانحة كي يكون مع بعضه بعضاً، والجميع يسعى لتحقيق الهدف نفسه، وهو تشجيع الرياضيين والاحتفاء بقصص نجاحهم، وصولاً إلى فوزهم بالميداليات الذهبية. هكذا يتوحد العالم حول هذا العرض الباهر، والحق أن مشاركة الدول كلها في الحدث نفسه تجعله أكبر من الرياضيين كأفراد ومن الدول المنفردة أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إن باستطاعة الألعاب الأولمبية أن تتفوق على السياسة لجهة العمل على توحيد العالم في الوقت الحالي، وهذا هو السبب الذي يجعل إجراءها ضرورياً.
حين حضرت الألعاب الأولمبية للمرة الأولى، شعرت بالتأثير الطاغي لقدرتها على جمع الدول المختلفة تحت "راية" الإنسانية المشتركة. تظهر أعلام خفاقة بألوان مختلفة خلال هذين الأسبوعين في شتى أنحاء العالم، للغاية نفسها التي تتمثل في المنافسة في حدث رياضي بعينه أو احتفائنا ببعضنا بعضاً.
إن المساهمة الحقيقية للألعاب الأولمبية تتخطى إنجازات الرياضيين الأشخاص أنفسهم، والمكاسب الاقتصادية الناجمة عن الألعاب بأشواط عديدة من حيث الأهمية. فهذه المساهمة عبارة عن لحظة نحقق فيها نوعاً من الهدنة مع أنفسنا، وفترة ننسى فيها إلى حد كبير كل مشاكلنا المستعصية والمتشابكة، ونبقى مأخوذين بروعة الإنجازات البشرية الباهرة.
لكن ما الذي يجعل من ذلك أمراً مهماً الآن؟ ألا يلقى الناس حالياً حتفهم وتواجه الاقتصادات خطر الانهيار؟
إن الألعاب الأولمبية، في جوهرها، هي حدث عالمي يشارك فيه ممثلون عن كل دول الأرض. فنحن الذين تباعدنا عادة السياسة والصراعات وغياب الثقة، تجمعنا الألعاب الأولمبية لنسعى سوية لتحقيق هدف يبدو في ظاهره وكأنه فكرة خارقة.
توفر الألعاب الأولمبية مثالاً على ما يمكن للناس أن يفعلوه معاً، والخلافات التي يمكنهم أن يضعوها جانباً عندما يتنافسون مع بعضهم بعضاً. وكانت هدنة من هذا النوع قد أُعلنت قبل نحو 2800 عام بين الجماعات المتحاربة في اليونان القديمة، ما سمح للمتنافسين من شتى الأصقاع أن يتباروا مع بعضهم، ومن ثم يعودون بسلام إلى بلدانهم المختلفة. وفي العام 1992 أحيت اللجنة الأولمبية تلك الفكرة من خلال حدث أطلقت عليه اسم "الهدنة الأولمبية"، ومنذئذ والدول المضيفة لهذا الحدث تقوم بطرح المبادرات الرامية إلى تشجيع البحث عن حلول سلمية للنزاعات.
وإذا لم تنجح النزاعات في فتح الباب أمام تعاون دولي فعال، فما الذي يمكنه أن يُفلح في ذلك؟ لم تتمكن الأزمة المالية العالمية في العام 2008، أو أزمة المناخ في خلق تعاون دولي مؤثر لجهة العمل لتحقيق المصلحة العامة، قبل حصول معجزة اتفاق باريس (لحماية المناخ)، التي حظيت مؤخرا بإمكانية عودة الولايات المتحدة الأميركية إلى صفوفها من جديد.
ونظراً إلى ظهور سلالات جديدة من فيروس كوفيد-19 ما يتسبب بموجات جديدة من المآسي الإنسانية والخراب الاقتصادي والاجتماعي، فإن الحل الوحيد لمعالجة التحديات المشتركة التي تواجهنا يكمن في تعاوننا على مستوى العالم وإدراكنا جميعاً أن مصيرنا واحد كعائلة إنسانية.
إن العبارة التي اتخذتها لجنة الألعاب الأولمبية في طوكيو عام 2021 شعاراً لها ينص على أن "الأمل يضيء الطريق". ونحن جميعاً في حاجة حالياً إلى الأمل. كما أننا نحتاج إلى طرق نتقدم عبرها إلى الأمام، ليس فقط زمنياً، بل أيضاً من حيث النوعية بحثاً عن عالم أفضل. تُعد الألعاب الأولمبية رمزاً للوحدة العالمية وربما كانت تتمتع بالقدرة على جمع البشر جنباً إلى جنب من جديد، وفي وقت يكتسب اجتماعهم معاً أهمية كبرى بالنسبة إلينا جميعاً. وعليه، يجب أن تُقام الألعاب الأولمبية كما هو مقرر.
(كايت روبرستون، مؤسسة مشاركة لمنظمة "عالم شاب واحد" غير الربحية)
© The Independent