بعد حوالى ثلاثة أشهر من ظهور النجمين يحيى الفخراني وسميرة عبد العزيز في قاعة مجلس الشيوخ المصري، يؤديان اليمين الدستورية باعتبارهما نائبين معينين في المجلس، تابع الجمهور موقفاً على النقيض تماماً للنائب في مجلس الشعب رياض عبد الستار، الذي وصف الفنانين بأنهم يسعون في الأرض فساداً، إثر مطالبته باقتطاع نسبة من دخلهم لضحايا العمليات الحربية والأمنية. وتمسك النائب بتصريحاته ثم تراجع تدريجاً أمام ضغوط الإعلام ونقابة المهن التمثيلية، فقدم اعتذاراً يراه البعض منقوصاً لأنه مشروطاً بنوعية معينة من الفنون.
بيان غاضب من نقابة الممثلين واعتذار يثير التساؤل
التصريح الذي واجه عاصفة رفض قوية قادتها نقابة المهن التمثيلية برئاسة أشرف زكي، جاء في جلسة عامة للبرلمان الذي بدأ عقد جلساته التشريعية في الدورة البرلمانية الجديدة قبل أسبوع مضى، وكان محور النقاش قانون رعاية أسر الضحايا وتدبير موارده، واعتبر المعترضون أن ما قاله النائب عن دائرة ملوي في محافظة المنيا بصعيد مصر، هو إهانة في حق القوة الناعمة في الدولة، والتي طالما تغنى بها كثير من أعضاء البرلمان أنفسهم، في وقت يشارك زملاء لهم في جلسات فاعلة في مجلس الشيوخ أيضاً.
وكان من أولى الخطوات التي قام بها الفنان أشرف زكي باعتباره نقيب الممثلين، أن أصدر بياناً رسمياً مقتضباً قال فيه إنه تقدم بمذكرة رسمية لحنفي جبالي رئيس مجلس النواب في ما يتعلق بتصريحات النائب المسيئة للفن والفنانين، مؤكداً انتظاره رد فعل البرلمان تجاه هذا الموقف. ولكن ردود الفعل لم تنتظر كثيراً، فخلال ساعات تصاعد الموقف وتم تبادل التعليقات من هنا وهناك عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي البرامج الحوارية، ثم اعتذر النائب في خطاب مكتوب بخط اليد تم تداوله، وكان موجهاً لرئيس المجلس، ومما جاء فيه أن النائب يحمل التقدير للفنانين مخصصاً كلامه للفن الهادف الذي يؤثر إيجاباً في سلوكيات المجتمع المصري، وتابع "نعلم أن هناك فنانين محترمين"، وهي العبارات التي أثارت شكوكاً أيضاً وعلّقت عليها الإعلامية لميس الحديدي في برنامجها، مؤكدة أن صيغة الاعتراض لم تعجبها، لافتة إلى أن الفنون بطبعها متنوعة بهدف المتعة والتسلية وليس شرط أن تؤثر في السلوك وأن المشاهد يختار ما يعجبه.
رفض لعودة سيطرة أفكار "شيوخ الإخوان"
اللغط الذي أثير في الجلسة التشريعية بمجلس النواب، وأثار ردود فعل واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأغلبها رافضة، ذكّر العاملين بالحقل الفني بوقائع جرت قبل سنوات وقفوا لها بالمرصاد، حين شهد عام 2012 أثناء فترة الحكم الإخواني هجوماً عاصفاً على الوسط الفني، وكان يخصص شيوخ الجماعة، بينهم عبدالله بدر ووجدي غنيم، مساحات على القنوات الفضائية للهجوم الممنهج ضد الفنانين وسبهم ووصفهم بـ"الداعرين"، وخاضت الممثلة إلهام شاهين مواجهات صاخبة معهم ورفعت دعاوى ضد المسيئين، إذ كان هناك توجه عام ضد الفنون، وهو الأمر الذي ترجم في ما بعد في تظاهرات 30 يونيو (حزيران) عام 2013، بحيث كان لمشاهير الوسط الفني دور فاعل بها وبتنظيمها والوجود على رأس المسيرات رفضاً لهذا التوجه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والربط بين ما قاله النائب المثير للجدل وبين حملة كراهية الفنانين إبان "حكم الإخوان" فكرة راودت كثيراً من المعلّقين، وتتفق الناقدة خيرية البشلاوي مع هذا الربط، وقالت إنها فوجئت بما قاله النائب رياض عبد الستار وما نصه "من غير المعقول أن ينص القانون على خصم نسبة من موظفي الدولة، أين رجال الأعمال وأين الفنانون، من غير المعقول أن يسقط كل يوم ضحايا ونترك الفنانين يسعون في الأرض فساداً"، مشيرة إلى أن الأفكار التي عرضها تتفق تماماً مع رؤية المنتمين لـ"جماعة الإخوان المسلمين" التي تم تصنيفها في مصر كجماعة إرهابية، لافتة إلى فكرة أن الفن يفسد المجتمع هي رسالة سعى لها مشايخ الجماعة على مدار سنوات، وأن الهدف من تلك الأفكار تفكيك الشخصية المصرية وحرمانها من مصادر البهجة العقلية والروحية"، وقالت صراحة "من يدعو لتلك الأفكار فهو ليس منا ولا يصح أن يكون ممثلاً للشعب"، ووصفت اعتذاره بأنه اعتذار اضطراري.
المهرج الذي لا تقبل شهادته!
لكن هذه النوعية من الأزمات التي واجهها نجوم الفن في مصر تمتد لعقود طويلة، فعلى الرغم من أن نجوم سينما الأبيض والأسود كان لهم ممثلون تحت قبة البرلمان، وبينهم المطربة فايدة كامل التي ظلت عقوداً نائباً في مجلس الشعب، وكذلك وجود كبار نجوم التمثيل في المجالس التشريعية من خلال وجودهم في مجلس الشورى وبينهم أمينة رزق ومحمود المليجي ومحمد عبد الوهاب، ولكن الأمر جاء بعد معاناة طويلة وسعي لرد الاعتبار لهم بعد وقائع عدة كشفت عن النظرة الدونية التي كان ينظر لهم بها، وبينها الموقف الشهير الذي تعرض له موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عام 1950 ووثّقه الكاتب والناقد الراحل رجاء النقاش، حينما طلب من عبد الوهاب الوقوف أمام إحدى المحاكم وقتها، ولكن القاضي على الرغم من إعجابه بالفن وعلى الرغم من تأكيده حينها أنه من مستمعي السيدة أم كلثوم، لكنه رفض الأخذ بشهادة المطرب والملحن الكبير، بدعوى أن هناك نصاً فقهياً يعتبر من يعملون بالفن مهرّجون ولا يعتد بشهادتهم، وهو النص الذي يقول، "الزمار والطبال وكل من يشتغل في اللهو لا يصح الاستماع إلى شهادته".
وقتها شكل الأمر ضيقاً شديداً للفنان محمد عبد الوهاب الذي كان معروفاً بأغنياته الوطنية، وعلى الرغم من مناقشته القاضي بأن الفنانين يساهمون في شتى المجالات ولديهم وظائف مهمة في التدريس في أقسام المسرح في أبرز المؤسسات ومنها جهاز الشرطة والدولة تعترف بهم، ولكن مناقشته لم تفلح، وعقب عامين تقريباً تم إلغاء هذا النص بعد الاستغناء عن فكرة المحاكم الشرعية بمصر. وبعد كل تلك السنوات، ذكّر تصريح النائب رياض عبد الستار بتلك الأزمات، حيث تعود الناقدة خيرية البشلاوي للتعقيب على الأمر بالإشارة إلى أن تلك الأفكار تغلغلت في المجتمع منذ فترة "الاحتلال الإنجليزي" وهدفها تفكيك الشخصية المصرية، وتابعت أن لغة الازدراء للعمل الفني لم يعد وجودها مقبولاً وينبغي التخلص منها تماماً.