لم تسِر المصالحة بين الدوحة وجيرانها في الخلاف بالدرجة ذاتها، فمنذ أن وضعت العلا حدّاً للمقاطعة الرباعية للإمارة الصغيرة، أخذت الأمور بالتحلحل إلا أن بعض الملفات شابها عدد من المنغصات.
ففي الوقت الذي خطت السعودية وقطر خطوات واسعة منذ اليوم الأول للمصالحة، بدأت برفع حظر السفر عشية القمة الخليجية واستمرت باستعادة الرحلات الجوية، وتصريحات عن عودة قريبة إلى العمل الدبلوماسي بين العاصمتين، كانت الأمور بالنسبة لشركاء الرياض تسير أيضاً نحو الانفراجة لكن بوتيرة أبطأ، بالأخص المنامة.
فعلى الرغم من فتح الحدود البينيّ بين البحرين وقطر واستئناف الرحلات الجوية، إلا أن صراعاً يشهده البحر الذي يجمعهما، يؤجج خلافاتهما ويعطّل فرص ذوبان المشكلات بشكل كامل بين المملكة والإمارة.
الدوحة تتجاهل رسائل المنامة
كان آخر التصريحات التي توحي باستمرار الخلاف على الرغم من أن أقلام الدولتين قد سالت على ورقة الصُلح، ما قاله عبد اللطيف الزياني، وزير الخارجية البحريني أمام لجنة برلمانية، عندما اتهم قطر بتعطيل خطوات تطبيق مخرجات القمة الخليجية الأخيرة.
واعتبر الزياني أن السلطات القطرية "لم تُبدِ منذ صدور بيان العلا أية بادرة تجاه حلحلة الملفات العالقة مع مملكة البحرين، أو استجابة للتفاوض المباشر حول تلك الملفات"، مؤكداً على أنه يتوجب على جارتها الجنوبية "التعامل مع متطلبات التوافق الخليجي ومراعاة مصالح البحرين الاستراتيجية والإسراع في معالجة القضايا العالقة بين البلدين بما يضمن علاقات سليمة وإيجابية بينهما في المستقبل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الوزير ردًاً على سؤال من النائب محمد السيسي البوعينين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني في مجلس النواب البحريني، حول مدى استجابة الدوحة للدعوة التي وجهتها وزارته إلى الخارجية القطرية، بشأن إرسال وفد لبدء المباحثات الثنائية بين الجانبين حيال القضايا والمواضيع المعلقة، "بناء على مقررات بيان العلا، بعثت وزارة الخارجية البحرينية رسالة خطية إلى وزير خارجية قطر، تضمنت دعوة لإرسال وفد رسمي إلى المملكة في أقرب وقت ممكن، لبدء المحادثات الثنائية حيال القضايا والمواضيع العالقة بين الجانبين، لكننا وحتى تاريخه لم نتلقَّ ردّاً أو جواباً بشأن ما ورد في الرسالة المذكورة".
ونوّه الزياني بأن الدوحة لم تتخذ أية إجراءات واضحة تجاههم بشأن تفعيل بنود بيان العلا، الذي ينص على تشكيل لجان ثنائية وعقد لقاءات بين دول الخلاف لبحث حل القضايا العالقة، مجدداً الإشارة في هذا الإطار إلى أن بلاده التي ترأس الدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي تتطلع إلى "مسار جديد في العلاقات مع قطر، يراعي حقوق ومصالح كل دولة من خلال آليات واضحة لبناء علاقات أكثر توازناً وثباتاً".
اللغم تحت البحر
وعلى الرغم من أن الدولتين الخليجيتين قد نجحتا في فتح الأجواء بينهما، أنهت ثلاث سنوات من الإغلاق بعدما أكد الوزير البحريني حرص حكومته على تطبيق مخرجات الاتفاق واستمرار الرحلات الجوية كما تقرر، إلا أنه شدد على أهمية دعوة مجلس الوزراء الذي حث على ضرورة التفاوض الثنائي المباشر للوصول إلى اتفاق بشأن السماح للصيادين في البلدين بممارسة نشاطهم وفق ما هو متعارف عليه من دون صدامات، إذ يبدو أن المشكلات التي يخبّئها البحر للبلدين أكبر من أن يتم تجاوزها بسهولة، كما كانت الحال مع السماء التي كشفت نفسها للجنسيتين منذ الأيام الأولى للاتفاق.
فبعد أربعة أيام من القمة الخليجية التي عقدت في الخامس من يناير (كانون الثاني) الجاري، شهدت مياه الخليج على اتهامات عدة ساقها الطرفان حول الحدود البحرية، كان أحدها اتهام المنامة للدوحة باحتجاز زورقين مشاركين في تمرين المانع البحري.
حادثة أخرى في قائمة طويلة من النزاع البحري كانت قبل أيام قليلة، عندما اتهمت المنامة جارتها بمحاولة تجنيد بحار بحريني قبض عليه خفر السواحل القطري بعد تعطل قاربه في مياهها الإقليمية، التي دخلها بتصريح رسمي ليقضي أياماً من دون مساعدة، قبل أن يُحتجز من قبل القطريين الذين عرضوا عليه التجسس لصالحهم مقابل مبلغ مالي وإطلاق سراحه.
وتأتي القضية البحرية على رأس قائمة المشكلات التي يجب على البلدين حلها في سبيل تحقيق مصالحة حقيقية، إذ تعود الخلافات حول الحدود المائية والإيقاف المتبادل للسفن والقوارب إلى منتصف القرن الماضي، وهما اللتان لجأتا إلى التحكيم الدولي لحلّ جزء منها، وصدر قرار المحكمة الدولية حيال إحداها عام 2001 بضمّ جزيرة فشت الديبل إلى منطقة تحمل الاسم ذاته تابعة لقطر، وضمّ جزر حوار التي كانت ضمن النزاع إلى البحرين.