يراقب الجزائريون بكثير من الاهتمام التطورات التي تعيشها تونس، تزامناً مع إحياء الذكرى العاشرة لثورة يناير (كانون الثاني) 2011 التي أطاحت نظام الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، ويمكن قراءة ذلك من خلال التفاعل على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى الصحافة المحلية التي تخصص حيزاً لنقل آخر المستجدات.
الوضع متشابه على ما يبدو في مناح عديدة بين الجزائر وتونس اللتين تربطهما حدود برية بطول 1.034 كم، مثل، تدهور القدرة الشرائية وتراجع قيمة العملة الوطنية المحلية (الدينار) في ظل فشل وعجز حكومي، وفقاً لسياسيين ونشطاء من كلا البلدين، ينتقدون غياب الحلول الجدية لاحتواء الوضع ومنع تأزمه.
ويرتقب أن يقوم رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي بزيارة الجزائر بدعوة من نظيره الجزائري عبد العزيز جراد، تحسباً لبحث الاستحقاقات الثنائية التي يعكف البلدان على تحضيرها، لا سيما اللجنة المختلطة الكبرى للتعاون، وفق بيان صادر عن رئاسة الوزراء الجزائرية.
وستساهم زيارة المشيشي في ترتيب زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى تونس بعد عودته من رحلته العلاجية في ألمانيا، التي كانت مقرّرة في مارس (آذار) الماضي، وتأجلت بعد تفشي فيروس كورونا.
يقول المتخصص في العلاقات الدولية، عادل أورابح "الجزائريون مهتمون بما يحدث في تونس بسبب القرب الجغرافي أولاً، باعتبارها دولة جارة، لكن أيضاً بسبب الآمال المعقودة على هذه التجربة من طرف كل شعوب المنطقة الخاضعة لأنظمة تسلطية، باعتبارها التجربة الوحيدة من الموجة الأولى لما يعرف بالربيع العربي التي لم تؤد إلى العنف وحققت مكاسب ديمقراطية على الرغم من كل العثرات".
وفي مقارنة للوضع القائم بين البلدين، يوضح أورابح أنّه "من الناحية السوسيو-اقتصادية، هناك العديد من النواحي المتشابهة، لكن الوضع عندنا يبدو أقل حدة باعتبار الهامش الذي تتيحه مداخيل النفط مقارنة بتونس، غير أن عواقب أزمة كوفيد 19 وغياب إصلاحات هيكلية للنموذج الاقتصادي القائم على الريع سيضع الجزائر على المحك، بخاصة أن مستوى الإنفاق الحكومي الحالي يحتاج إلى برميل نفط في حدود 80 دولاراً".
حراك اجتماعي
ومثل تونس، شهدت الجبهة الاجتماعية في الجزائر، عودة الاحتجاجات على تفشي البطالة وغياب فرص العمل والتنمية في المدن الداخلية والجنوبية وهي احتجاجات غابت في العامين الماضيين التي طغت عليها المطالب السياسية الممثلة أساساً في تغيير جذري للنظام وبناء دولة الحقوق والحريات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه التوترات الاجتماعية المحدودة، جاءت بالتزامن مع زيادات في الأسعار، طالت المواد الغذائية غير المعنية بالتسقيف (الحبوب الجافة، مشتقات الحليب...)، وصلت إلى 30 و40 في المئة وفق استطلاع أجرته جمعية حماية المستهلك الجزائرية في ظل غياب الرقابة الصارمة من قبل الجهات المختصة ممثلة في وزارة التجارة.
وبينما يقول متخصصون أن سبب ارتفاع الأسعار هو فشل السياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة، التي لم تتمكن من نقل الاقتصاد الوطني إلى مستوى يتحرّر فيه من التبعية لقطاع المحروقات، وهو الهدف الذي بقيَّ بعيد المنال، ربطها وزير التجارة، بارتفاع الأسعار العالمية والتكاليف اللوجستية وانخفاض قيمة الدينار.
ووضع هذا الواقع، الحكومة في سهام الانتقاد، بالنظر إلى المشاكل غير المعتادة التي قفزت إلى واجهة الجبهة الاجتماعية والاقتصادية. وضمن هذا السياق، عبّرت النائب في البرلمان الجزائري كممثل عن الجالية في أفريقيا والشرق الأوسط، سليم، عن امتعاضها بالقول "لقد مللنا التسويف الحكومي وترحيل المشكلات بعد سنة من مواجهة وباء كوفيد-19 الذي كان حجة لاستمرار الحكومة الحالية ومنع تغيير الوزراء الفاشلين فيها لأكثر من مرة".
وذكّرت في تدوينة عبر صفحتها على فيسبوك بـ "مطالبها بالتعجيل في التعديل الحكومي لأسباب داخلية وخارجية تتعلق بما يحدث في جوارنا، إضافة إلى الأزمة الصحية والاقتصادية وملف العالقين والجالية الذين حرموا من دخول البلاد منذ عشرة أشهر ولم تتمكن هذه الحكومة في إيجاد حلول عاجلة".
ووجّه الرئيس الجزائري، قبل عودته إلى ألمانيا من أجل مواصلة العلاج، انتقادات مبطنة للحكومة، عندما قال "هذه الحكومة فيها وعليها"، وهو التصريح الذي يقر وفقاً لمتابعين بفشل الجهاز التنفيذي، إذ يظهر على وزراء صعوبة في أداء عملهم الحكومي، لغياب الكفاءة، وهو ما عبر عنه الوزير الأول بالقول "لاحظت أن بعض مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المبادر بها من قبل قطاعات وزارية، وحتى تلك المعروضة خلال اجتماع الحكومة، ينقصها النضج والتشاور ما بين القطاعات بالقدر الكافي، ما ينعكس على نوعيتها، سواء من حيث الشكل أو المضمون".
دعوات إلى العودة للشارع
بالتوازي مع حالة التذمر التي يعيشها الشارع الجزائري، في ظل غياب مؤشرات وبوادر تغيير في أوضاع البلاد، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وسم "خارجين مش خايفين"، أي "سنخرج ولن نخاف"، مع اقتراب موعد إحياء الذكرى الثانية من انطلاق حراكهم الشعبي في 22 فبراير (شباط) المقبل، الذي ظلت مسيراته متوقفة قرابة السنة، بداية من في مارس من العام الماضي، بسبب كورونا.
وهنا يلّفت المتخصص عادل أورابح إلى أنّ "دعوات الخروج إلى الشارع أياً كان مصدرها يجب الحذر منها، بالنظر إلى استمرار الموانع المفروضة بسبب وباء كوفيد 19 وبالتالي الخروج في ظل هكذا وضع سيضع صدقية الحراك أمام امتحان صعب".
ومع توقف الحراك، شهدت الساحة في الجزائر حالة من "الاستقطاب الافتراضي" بين العديد من النشطاء وصلت إلى حد التخوين، واتهامات بالولاء للسلطة أو ما بات يعرف بالداعمين لأطروحة تغيير النظام من الداخل، وهم الذين لا يعارضون فكرة الجلوس على طاولة الحوار مع النظام السياسي وكذلك المشاركة في الاستحقاقات المقبلة لضمان تمثيل في المجالس المنتخبة يمكّنهم من استكمال الحراك بطريقة أخرى.
وفي وقت تنشغل السلطة بالاستحقاقات البرلمانية المبكرة المقبلة، من خلال عرض مسودة مشروع قانون الانتخابات على المناقشة الحزبية، تجددت المطالب السياسية باتخاذ تدابير تهدئة وبسط الثقة بين الجزائريين لتخفيف التوتر، عبر توسيع الحريات الإعلامية، وتسهيل اعتمادات الأحزاب والجمعيات، وإطلاق سراح السجناء.
ووفق لجنة الدفاع عن معتقلي الرأي، يتواجد حوالى 90 شخصاً في السجون على خلفية احتجاجات الحراك أو الحريات الفردية، وتستند مجمل القضايا إلى منشورات تنتقد السلطات على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين تنحصر التهم في المساس بالوحدة الوطنية أو السلامة الترابية، وهو ما يراه محامون أمراً مبالغاً فيه، ومساساً بالحريات في البلد.