مستحضر دوائي صغير من مواد وتركيبات كيماوية يجر تنافساً محتدماً بين الدول، تُصرف لأجله ملايين وأموال طائلة، والهدف أن تعود الحياة إلى سابق عهدها. ثنائية "العلم ورأس المال" أمران يسعيان لتحقيق ذلك المبتغى، بدأت بسباق بين شركات صناعة الأدوية، وانتهت بمنافسة بين الدول على من يحصل على الحصة الأكبر من نتاجها.
ففي حين تتصاعد عجلة رفع إنتاج لقاح مضاد لكورونا، الذي غير الحياة برمتها، لا يبدو أن مستقبلاً واضحاً بما يكفي حتى بعد اعتماده من منظمة الصحة العالمية، فعلى الرغم من انتهاء مرحلة اعتماد العقار الذي أُنتج في وقت قياسي، فإن هناك مشكلة أكبر العالم بصدد مواجهتها، تكمن في "آلية التوزيع العادل" على الدول.
لكن، الأمر لم يكن مفاجئاً، فالمنظمة الدولية التي حذّرت مراراً من هذا السباق الذي سيدهس الدول الأكثر فقراً، سعت إلى ضبط الأوضاع قبل حدوثها بإقرار آلية "كوفاكس"، التي تهدف إلى وصول الدواء إلى كل سكان العالم بشكل مُنصف.
مبادرة "كوفاكس"
في الوقت الذي كان الناس في انتظار وصول اللقاح، كانت منظمة الصحة العالمية ودول العالم يعملون على "إقرار آلية لتوزيع الحقنة المنتظرة"، عبر مبادرة "كوفاكس" التي تعرف نفسها بأنها "آلية عادلة ومنصفة" لتوزيع وتسريع تسليم اللقاحات، ويشترك في قيادتها التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع (غافي)، والائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة، ومنظمة الصحة العالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتسعى المبادرة إلى ضمان إيصال الجرعات إلى "الشرائح الأقل حظاً"، وتوفيرها لغرض حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية والفئات الأكثر عرضة للخطر، والدول الفقيرة، كسبيل وحيد للتخفيف من أثر الجائحة على الصحة العامة والاقتصاد.
الصفقات الثنائية
لم تعلم الدول أن خرقها القوانين يتسبب في عدم وصول اللقاح إلى سكان العالم، أو ربما علمت لكنها لم تهتم. إذ سيطرت ما سمته الصحة العالمية "الصفقات الثنائية" على سوق اللقاحات تحت قانون العرض والطلب، إذ تبيع الشركات المصنعة اللقاح لمن يدفع أكثر، الأمر الذي حذّرت منه المنظمة على لسان رئيسها عندما ناشد الحكومات والشركات "إيقاف الصفقات الثنائية والالتزام بآلية كوفاكس".
الخطر القادم على مجتمعات العالم يدعو إلى القلق، إذ صرح تيدروس أدهانوم، رئيس منظمة الصحة العالمية، بأن 25 جرعة من اللقاح وفرت في بلد فقير، بينما أكثر من 39 مليون جرعة جاهزة في دول ذات دخل مرتفع. مؤكداً أن العالم "يواجه مشكلة وخطراً حقيقياً من عدم وصول اللقاح إلى كل الناس".
وطالب المسؤول الدولي بأن تكون هناك "مساواة وعدل"، على أن يعطى العقار "لمن هم في حاجة أكثر، مثل المسنين والأشخاص الذين لا يتمتعون بصحة جيدة". وأضاف "توجد 42 دولة تطرح أولى جرعاتها من اللقاح ومعظمها من أصحاب الدخل المرتفع". مشيراً إلى "أن ست دول فقط منها تعد ضمن فئة الدول المتوسطة الدخل، بينما لم تبدأ أي دولة منخفضة الدخل إجراءات التطعيم". وتتمثل المشكلة في أن الدول المتوسطة والمنخفضة الدخل "لم تحصل على اللقاح حتى الآن"، بحسب تيدروس.
الدول الأكثر حظاً في سباق اللقاح
وبحسب الأرقام، يوجد أكثر من 51 مليون شخص حول العالم في 61 بلداً ومنطقة تلقوا جرعة من اللقاح حتى الآن. وتعد إسرائيل الأولى من حيث التطعيم على مستوى العالم، إذ تلقى أكثر من ربع سكانها اللقاح، وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى حول العالم من حيث عدد الجرعات، إذ وفرت 15.7 مليون جرعة لـ4.1 لمواطنيها، بينما تحل الصين في المرتبة الثانية، إذ منحت 15 مليون جرعة، والمملكة المتحدة في المرتبة الثالثة بـ 4.7 مليون جرعة، بحسب أرقام نشرتها وكالة الصحافة الفرنسية.
وعلى المستوى الأوروبي وفقاً للإحصاءات والأرقام، أُعطيت أكثر من ستة ملايين جرعة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وتصدرت الدنمارك القائمة، بحصول 3 في المئة من سكانها على جرعة أولى، متقدمة على مالطا 2.9 في المئة وسلوفينيا 2.1 في المئة.
وحتى الآن، توجد سبعة لقاحات معتمدة في كل دول العالم، ويعد عقار "فايزر" الألماني - الأميركي، و"موديرنا" الأميركي الأكثر طلباً في معظم دول العالم لمأمونيتهما العالية، وهما مستخدمان في الولايات المتحدة وأوروبا والخليج العربي وعدد من دول آسيا.
كما يوجد أيضاً لقاح "استرازينيكا" البريطاني الذي تستخدمه المملكة المتحدة والهند، بينما تعتمد الهند أيضاً لقاحاً محلياً، ويتداول لقاح "سبوتنك في" الروسي في روسيا والأرجنتين وبيلاروس وصربيا. أما "سينوفارم" الصيني فمتاح في الصين والإمارات والأردن والبحرين وسيشل، و"سينوفاك" الصيني أيضاً في إندونيسيا وتركيا.