في المملكة المتحدة، عصف فيروس "كورونا" العام الماضي بدار للرعاية الاجتماعية تُدعى "سيج" Sage تقع في "غولدرز غرين"Golders Green ، في شمال العاصمة لندن، ففتك بثلث نزلاء المؤسسة تقريباً، في غضون أسابيع فقط كانت مدمِّرة لها. للأسف، فقدت 21 أسرة أحباء لها.
شعر بايل أهوزن وأندرين ويليامز بالألم شأن العائلات التي مُنيت بخسارة أفراد منها، إذ عكفا على الاعتناء بالمقيمين في الدار مدة 30 عاماً تقريباً.
يعمل أهوزن وزميلته ويليامز، على غرار كثير من الموظفين في دور الرعاية، بنظام نوبات تمتدّ على 12 ساعة، في وظيفة مضنية من الناحيتين العاطفية والجسدية.
لمّا كانا موظفين أقدمين في مجال الرعاية الاجتماعية، يتقاضى كل منهما 9.60 جنيه إسترليني في الساعة- ما يُعتبر أدنى من نفقات المعيشة في لندن- لذا يصعب عليهما تدبّر أمورهما بهذا المبلغ. أمّا الموظفون الأقل خبرة في "سيج" فيحصلون على 8.71 جنيه إسترليني.
في حالات المرض، يواجه أهوزن وويليامز خياراً صعباً بين الاستمرار في العمل من جهة، وعدم امتلاكهما مالاً يكفي سداد الفواتير، من جهة أخرى. بالنسبة إلى ويليامز، لم يكن ممكناً أن تحاول إعالة أولادها في مقابل 95.85 جنيه إسترليني فقط في الأسبوع، كبدل يقرّه القانون عن الإجازة المرضية (SSP).
الآن، بعد أشهر من النزاعات مع صاحب العمل على أجورهم وظروف عملهم، اتخذ ويليامز وأهوزن وعمَّال آخرون في الدار على مضض قراراً بتنفيذ إضراب لثلاثة أيام، اعتباراً من يوم الجمعة.
لم يرغبوا في أن يسلكوا ذلك الدرب، خصوصاً في غمرة الجائحة، لكنّهم يشعرون بأنّ لا خيار آخر أمامهم لأنّ "سيج" أغلقت المناقشات مع نقابتهم، "يونايتد فويسز أوف ذا وورلد" United Voices of the World "أصوات العالم المتحدة" (اختصاراً "يو في دبليو" UVW).
يقول أهوزن، "جلّ ما نريده أن يعاملونا بكرامة واحترام. يعتقد بعض الناس أنّنا من الفئات الدنيا في المجتمع لكنّني فخور بما أقوم به. إنّها طريقتي في العرفان بالجميل للمجتمع".
"نساعد الناس على العيش فترة أطول والتنعم بحياة أفضل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يطالب موظَّفو دار الرعاية بالحصول على 12 جنيهاً إسترلينياً في الساعة، ومعاملتهم على قدم المساواة مع نظرائهم في "هيئة خدمات الصحة الوطنية"NHS (ان اتش أس) الذين يحق لهم، بعد خمس سنوات من الخدمة، أن يتقاضوا راتباً كاملاً مدة ستة أشهر، ونصف أجر طوال ستة أشهر أخرى، في حالة المرض.
وفق متحدِّث باسم "سيج"، وهي منظمة لا تبغي الربح، مطالب الموظفين "غير معقولة"، مشيراً إلى أنّ رواتبهم تتماشى مع ما تدفعه مؤسسات أخرى تقدّم خدمات الرعاية، وأنّ قطاع دور الرعاية الاجتماعية برمّته يكافح تداعيات "كوفيد- 19".
سلطت الطفرة الأخيرة في إصابات "كوفيد" التي شهدتها المملكة المتحدة الضوء على مشكلة تواجهها البلاد في ما يتعلّق بالإجازات المرضية المدفوعة الأجر والرواتب المتدنية، ولا يقتصر ذلك على العاملين في دور الرعاية. في الحقيقة، بدل الإجازة المرضية في البلاد أدنى منه في أيّ دولة متقدِّمة أخرى، إذ يغطي 20 في المئة فقط من متوسط الدخل مقارنة بـ 70 في المئة في ألمانيا و80 في المئة في الدنمارك. زد على ذلك أنّ العاملين لحسابهم الخاص لا يحصلون على أيّ شيء بتاتاً، خلافاً لنظرائهم في معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
حتى مات هانكوك، وزير الصحة البريطاني، اعترف بأنه لا يستطيع أن يعيش بالاعتماد على الأجر الذي يقرّه القانون كبدل عن الإجازة المرضية، لكنّ حكومة بلاده رفضت حتى الآن زيادته.
مع الإبلاغ عن عشرات الآلاف من الإصابات الجديدة يومياً في المملكة المتحدة، يضطر مئات الآلاف من الأشخاص إلى البقاء في عزل ذاتيّ. ولا ينبغي أن يذهب كثير ممّن يُصنفون معرَّضين للخطر إلى أعمالهم، ولكنهم ببساطة لا يملكون القدرة على تحمّل تكاليف البقاء في المنزل.
في مشاهد مصوَّرة حصلت عليها "بي بي سي" (هيئة الإذاعة البريطانية) الأسبوع الحالي، ظهر أشخاص محشورون مع بعضهم بعضاً في قطار أنفاق مزدحم في الصباح الباكر في "كانينغ تاون"، في شرق لندن.
وتشير بيانات مستقاة من محرك البحث "غوغل" و"آبل" إلى أنّ الناس يخرجون من منازلهم أكثر مما كانت عليه الحال خلال الإغلاق (الحجر) العام الأول الذي دخلته البلاد. كذلك وجدت دراسة أجرتها "جامعة لندن كوليدج" University College London أن 38 في المئة من المستجوبين قالوا إنّهم لم يعزلوا أنفسهم لمدة 10 أيام كحدّ أدنى بعد ظهور أعراض "كوفيد- 19" عليهم.
حتى الآن، اعتُبرت استجابة الحكومة البريطانية للمشكلة ناقصة. تأخّر الوزراء في تقديم تمويل يتيح لموظّفي دور الرعاية الحصول على أجر كامل طوال فترات العزل الذاتيّ الذي فرضه فيروس "كورونا". ولكنّ الأموال غير متاحة للاستخدام في إطار أيّ مرض أو إصابة صحية أخرى، ولن تكون متوفّرة بعد 31 مارس (آذار) المقبل.
قدَّمت الحكومة البريطانية أيضاً دفعات مالية غير متكرِّرة خلال العزل الذاتيّ بقيمة 500 جنيه إسترليني للأشخاص غير القادرين على العمل بسبب "كورونا"، غير أنّ "ريزوليوشن فاونديشن" Resolution Foundation، مؤسسة بريطانية بحثية مستقلة معنية بتحسين مستوى معيشة الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وجدت أنّ واحداً فقط من كل ثمانية عمّال في المملكة المتحدة يستوفون شروط الاستفادة من تلك الأموال.
في الواقع، لا تكتسي الإجراءات أهمية بالغة أكثر منها في دور الرعاية، فحتى بعد السيطرة على "كوفيد"، يبقى النزلاء عرضة لحالات عدوى ينقلها إليهم موظفون مرضى.
لكن بعدما بقي العمل الجوهريّ الذي يضطلع به العاملون في مراكز الرعاية الداخلية محطّ أنظار الشعب فترة وجيزة، تجاهلت الحكومة البريطانية على ما يبدو توفير دخل أفضل لهؤلاء.
في بداية الجائحة، كان متوسط أجر موظَّفي دور الرعاية 8.50 جنيه إسترليني في الساعة، أو 29 بنساً فوق الحد الأدنى القانوني للأجور في ذلك الوقت. لا يأخذ ذلك في الاعتبار الوقت اللازم للوصول إلى الدار، أو ساعات النوم خلال المناوبات الليلية، التي ينبغي أن يُدفع عنها الحد الأدنى على أقل تقدير، وفق الاتحادات.
يعتقد بيل أهوزن أنّه يستحق عن عمله أجراً أعلى. يقول في هذا الصدد، "لسنا هنا من أجل المال. لكن كوننا مقدّمي رعاية، فإنّنا نشغل وظيفة تتطلَّب مهارات. غالباً ما نعرف نزلاء الدار أفضل مما يعرفهم أفراد عائلاتهم. ولكنّ مديري "سيج" لا يقدّرون ذلك، ويعاملوننا كما لو أنّنا أرقام".
كان كثير من دور الرعاية يرزح تحت وضع ماليّ صعب أصلاً قبل ظهور جائحة
كورونا التي للأسف أودت بحياة الآلاف من المقيمين في تلك المرافق. كل واحدة من تلك المآسي الفردية تترك أيضاً تأثيرها في عائدات مؤسسات خدمات الرعاية الاجتماعية وتطيح هوامش الربح الضئيلة. لذا، يقول القائمون على تلك الدور إنّهم ببساطة يعجزون عن دفع أجور أعلى.
نادرة أحمد، رئيسة "جمعية الرعاية الوطنية" National Care Association، قالت من دون أن تتطرَّق إلى تفاصيل دار الرعاية "سيج": "نعلم أنّ كثيراً من المرافق التي تقدِّم خدمات الرعاية يواجه راهناً صعوبات مالية كبيرة، وندعو الحكومة إلى تسوية بعض تلك المشكلات بواسطة التمويل المناسب".
"شكّل الاستقرار المالي لقطاعنا مدار المناقشات العامة سنوات عدة، ولكن لا يلوح في الأفق أي قرار مرتقب. عرّت هذه الجائحة نقاط الضعف تلك التي يُستعصى فهمها".
"في الوقت الحالي، لا نرى أيّ ضوء في نهاية هذا النفق الشديد الظلمة الذي نمرّ به، ولا يُعزى ذلك إلى عدم محاولتنا" (تغيير ذلك)، على ما جاء في كلمات أحمد.
حدَّدت "اللجنة المتخصِّصة في شؤون الصحة في مجلس العموم البريطاني" عجز تمويل القطاع عند ثمانية مليارات جنيه إسترليني قبل الجائحة، وهو رقم ارتفع، على الأرجح، بشكل كبير منذ ذلك الحين.
ثمة زخم متعاظم يدعم حملة ترمي إلى الحصول على رواتب أفضل، لا سيما في ما يتعلّق بالبتّ في عدم كفاية الأجر المرضي.
يحثّ اتحاد "جي أم بي" GMB جميع العاملين في مجال الرعاية على تلقي أجر مرضي كامل عندما يكونون عاجزين عن الذهاب إلى العمل.
"إنه لأمر صادم أنّ غالبية القوى العاملة في مجال الرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة ما زالت لا تحصل سوى على البدل المقرر قانونياً عن الإجازة المرضية، وهو 95.85 جنيه إسترليني في الأسبوع، أيّ أنّه المستوى الأدنى في أوروبا باستثناء مالطا"، بحسب قول كيلي أندروز، رئيسة الرعاية الاجتماعية في "جي أم بي".
في الواقع، "يواجه الآلاف من موظفي الرعاية الاجتماعية المرضى مشكلة في دفع فواتيرهم عند ملازمتهم البيت في إجازة مرضية، وتبلغ 250 جنيهاً إسترلينياً أسبوعياً في أسوأ الأوضاع المعيشية، نتيجة تصنيفهم ضمن برنامج البدل القانوني عن الإجازة المرضية. ليس ذلك كافياً، ويمثِّل مخاطرة غير مقبولة في مكافحة العدوى يُجبر عليها أفراد اتحادنا (إذ يفضل الموظفون الذهاب إلى عملهم مع أنهم مرضى).
يحثّ الاتحاد هيلين واتلي، وزيرة الرعاية الاجتماعية في الحكومة البريطانية، على إصدار أمر واضح بأنّ الإجازة المرضية المدفوعة بالكامل "ينبغي أن تصبح الآن القاعدة" لدى القوى العاملة في مجال الرعاية الاجتماعية، في بريطانيا.
وقال متحدث باسم مجلس أمناء "سيج" إنّ الأخيرة "تدير دار رعاية واحدة لا تبغي الربح وتعتمد على التبرعات.
أضاف المتحدث، "نظراً إلى أهدافها الخيرية، من المخيب للآمال أنّ "يونايتد فويسز أوف ذا وورلد" اختار تنظيم حملة ضدّ دارنا وليس ضدّ كثير من دور الرعاية التجارية الأخرى التي تدفع أجوراً مماثلة".
"على غرار مؤسسات كثيرة في قطاع الرعاية، تصارع "سيج" التداعيات التي يطرحها كوفيد- 19"، وفق المتحدث.
وختم قائلاً: "انطلاقاً من تلك الخلفية، نجد أن الاتحاد يشجِّع (موظفي دار الرعاية) على سلسلة مطالب غير معقولة تعجز المؤسسة الخيرية عن تحمّلها، ويمكن، في حال تنفيذها، أن تؤدي إلى إغلاق دار الرعاية".
© The Independent