"تعطل حاسوبي مرة فأرسلته لشاب مقرب من العائلة يعمل في إصلاح الإلكترونيات، لكن المفاجأة أنه بعد مرور شهر تقريباً، بعث لي برسالة يطلب فيها الحديث في أمور جنسية، وعندما رفضتُ هددني بنشر صوري، وبدأ بإرسالها لي واحدة تلو الأخرى، ومع كل صورة تعليق غزلي. وعلى الرغم من استمراري في تجاهله، لم يتوقف عن الاتصال على هاتفي النقال"، تروي لانا (23 عاماً) التي لأسباب عدة، لم تلجأ الى عائلتها أو الشرطة أو وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية لحل المشكلة، بل فضلت فعل ذلك من دون تدخلهم. فطلبت من شاب تعرفه مساعدتها، فما كان من الأخير إلا أن توجه للمبتز في مكان عمله، وأجبره بالقوة على حذف كل الصور والمحادثات.
الفضيحة انتشرت
زوج مريم (اسم مستعار) لم يهددها ويبتزها فحسب، بل كذلك نشر صوراً لها على مواقع التواصل الاجتماعي وبين أصدقائه، بعد دمجها بصور إباحية، وهذا ما دفعها، بمساعدة عائلتها، إلى الاستعانة بلقانون وحل المشكلة. لكن على الصعيد الاجتماعي "انتشرت الفضيحة ويجب التستر عليها" كما قال بعض المقربين منها. لذلك أُجبرت مريم على الزواج من شخص متقدم في السن فرض عليها شروطاً عدة تشمل إكمال دراستها الجامعية وأنشطتها الاجتماعية.
قصة آلاء
آلاء (في العشرين من العمر) شاركت منشوراً على موقع فيسبوك يسخر من فكرة إرجاع الإصابة بالأمراض النفسية إلى الابتعاد عن الدين، وعن هذا تقول إن "صفحتها الشخصية تعرضت لتعليقات قاسية من أشخاص لا تعرفهم، وهذا ما دفعها لحذف المنشور". تتابع "يبدو أن الأوان كان قد فات، إذ قام شاب بإنشاء حساب مزور، نشر فيه صورتي واتهمني بالإلحاد وشتمني في تعليق كتبه، ثم بدأ نشر هذا المنشور في تعليقات على صفحات أصدقائي، مسبباً لي الرعب الكبير، الذي قل تدريجاً مع الوقت. ولكنه عاد حين غيّرت صورتي على فيسبوك، إذ انهالت عليّ شتائمه مطلقاً عليّ لقب العاهرة"، وعلى الرغم من تجاهل آلاء كل ما حدث، لم يتوقف الشاب عن مضايقتها، وأرسل لها رسالة على حسابها في موقع آخر، يطلب منها ممارسة الجنس، عندئذ أغلقت حسابها على فيسبوك شهرين بسبب استمرار الرسائل وإصابتها بالاكتئاب.
ارتفاع معدّل الجريمة الالكترونية
ُيُظهر آخر البيانات التي أصدرتها وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في الشرطة الفلسطينية، ارتفاع عدد القضايا. ففي العام 2015 سُجلت 503 قضايا، في حين تضاعف هذا العدد العام 2016 فبلغ 1327، أما عدد القضايا في العام 2017 فكان 2025، وفي العام 2018 ارتفع بنسبة 26.6% لتسجل وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية 2568 قضية متنوعة، ألرزها سرقة البريد الالكتروني والابتزاز وسرقة الحسابات والتهديد، في حين لم تكن هناك أي جريمة مالية على الحسابات البنكية.
يقول الناطق باسم الشرطة العقيد لؤي أرزيقات "الشرطة حلّت نحو نصف القضايا التي قُدمت إليها"، وأكد أن قضايا كثيرة بدأت بالابتزاز المالي وانتهت بالإجبار على القيام بأفعال مخالفة للقانون أو الأخلاق كالسرقة والمخدرات والدعارة.
عقوبات بالسجن والغرامة والأشغال الشاقة
لكل جريمة إلكترونية تقع على الأفراد، كالابتزاز والتهديد، عقوبة معينة، فعلى سبيل المثال، فإن المادة 15 من القانون الرقم (16) لسنة 2017 بشأن الجرائم الإلكترونية، تعاقب بالسجن أو الغرامة المالية التي تراوح بين ألفين وخمسة آلاف دينار أردني، أو بالعقوبتين معاً، كل من استعمل الشبكة الإلكترونية أو إحدى وسائل تكنولوجيا المعلومات، في تهديد شخص آخر أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، حتى لو كان مشروعاً. أما إذا كان الأمر خادشاً للشرف والاعتبار، فيُعاقب الفاعل بالأشغال الشاقة الموقّتة وغرامة لا تقل عن ألفي دينار أردني ولا تزيد أيضاً على خمسة آلاف، أو ما يعادلهما بالعملة المتداولة قانوناً.
اكتئاب قد يؤدي للانتحار
تترك الجرائم الالكترونية، ومن أبرزها التهديد والابتزاز وانتحال الشخصيات، آثاراً نفسية سلبية على الضحية، إذ تقول المتخصصة النفسية والاجتماعية آمال دحيدل إن شعوراً بالضعف وعدم الأمان والاستغلال والخوف من مواجهة انتقادات المحيطين، سيرافق الضحية، وقد يؤدي إلى الوحدة والاكتئاب والعدوانية. وإذا ما استمر فربما يؤدي إلى الغضب وجلد الذات، ومن ثم التفكير في طرائق إنهاء الحياة كما حدث مع حالات عدة في المجتمع الفلسطيني.
وتدعو دحيدل الى توفير بيئة داعمة للضحية من أجل حمايتها، وعادةً تكون هذه البيئة هي الأسرة، إذا كانت على قدر من الوعي والتفهم، إضافة إلى التوجه للدوائر المختصة بهذه الجرائم، وعدم الاستسلام لمطالب المبتز حتى لو كانت مالية لأنها لن تتوقف، فأحياناً يكون من يقوم بالفعل مضطرباً نفسياً ويعاني فقدان الحنان والحماية الأسرية وضعف العلاقات الاجتماعية أو تدني التعليم.
نسبة الذكور أعلى من نسبة الإناث
ورد في تقرير مكافحة الجرائم الالكترونية أن نسبة المشتكين من فئة الذكور أعلى من نسبة الإناث، ولكن هذا لا يعكس بالضرورة أن عدد الضحايا منهم أكبر، وهذا تعزوه المتخصصة دحيدل إلى خوف البنات من النظرة المجتمعية وعقاب العائلة، في حين أن مساحة الحرية لدى الشباب للتعبير عن التهديدات التي تواجههم أكبر بسبب المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه.
كيف نحمي أنفسنا؟
يدعو خبراء نفسيون ومتخصصون في التكنولوجيا الرقمية إلى الحذر عند تخزين البيانات الشخصية الرقمية من صور وغيرها على شبكة الإنترنت، أو حتى على الأجهزة النقالة من هواتف وحواسيب، وعدم التعامل مع الغرباء، أصحاب الحسابات غير الواضحة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتغيير كلمات السر بين الحين والآخر، وتجنب استخدام الكاميرا في المحادثات الالكترونية قدر الإمكان.
أما على صعيد الحياة الواقعية فيجب على الأهالي توعية أطفالهم بمخاطر الشبكة العنكبوتية، والحديث معهم دائماً في شتى المجالات لبناء الثقة وبناء كيانهم الخاص الذي يحافظون فيه على حياتهم الخاصة.