يلاحق الأطفال والمسنّون في مخيمات النزوح في الشمال السوري أشعة الشمس الضعيفة أينما أطلت بوجهها بين الفينة والأخرى بعد سلسلة عواصف ثلجية وأمطار عاتية أغرقت الخيام قبل أيام.
الغرق المتكرر في كل شتاء
يسود مشهد مأساوي على مخيمات النزوح في الشمال الغربي للبلاد ويرخي الطين بثقله على كل شيء، بينما تتأرجح أوتاد الخيم إثر تدفق السيول الجارفة مهددة مأواهم الأخير، فيما تبددت نداءات الاستغاثة للوصول إليهم بسبب سوء الأحوال الجوية.
في المقابل أعربت الأمم المتحدة عن قلقها جراء التقارير الواردة عن الوضع الكارثي في المخيمات بعدما تقطّعت الطرق المؤدية لها، بحسب بيان للمتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في 19 يناير (كانون الثاني).
وعقب انجلاء العاصفة التي استمرت نحو أسبوع، بدأت الفرق الإغاثية تتقاطر بتبرعات أهلية عينية ومبادرات فردية وجماعية عدة تحوي ضمنها وسائل للتدفئة كالأغطية والملابس على الرغم من أنها لا تغطي الكم الكبير للاحتياجات علاوة على اتساع النطاق الجغرافي للمخيمات المنكوبة.
وأحصت مصادر إغاثية على اطلاع بشؤون اللاجئين 1293 مخيماً من المسجلة، يقطن فيها 1043689 شخصاً بينما وصلت أعداد العشوائية إلى ما يقارب الـ 400، ونسبة الكثافة السكانية 1003في الكيلو متر المربع.
أوتاد الخيمة والسيول
يمضي النازحون ليلهم البارد وقوفاً، عقب انهيار الأمطار الغزيرة وتبلل خيامهم التي لا ترد الأمطار أو الثلج الثقيل، ولعل المهجرين أخيراً من ريف إدلب الجنوبي أكثر المتضررين من ذلك لأنهم يفتقدون الكثير من المستلزمات، بحسب العاملين في المجال الإغاثي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إزاء ذلك وصلت مياه الأمطار إلى حوالى نصف متر أو أكثر بين حقول الزيتون المترامية الأطراف في الشمال الغربي، وبحسب نازحين، الأمر ليس جديداً ويتكرّر في كل شتاء حيث تسود أجواء اليأس وضيق الحال والتقصير في معالجة أحوال السوريين في خيام لا تقي قيظ الصيف ولا برد الشتاء.
ويروي النازح صفوان الجنيد ما حدث للخيم بعد غرقها وكيف باتت الأسر والعائلات في العراء أو لجأت إلى البيوت المهجورة إن وجدت "حاول من لديه بيوت أن يستقبل عائلات لإمضاء أيام العاصفة لكن الكثيرين كانوا من دون مأوى أو وسائل للتدفئة".
ويقول الناشط السوري لشؤون اللاجئين، محمد الشيخ "مع بداية فصل الشتاء تزداد المعاناة لا سيما مع زيادة عدد المخيمات هذا العام، وأدت العاصفة المطرية التي استمرت ثلاثة أيام إلى جعلها غير قابلة للسكن". وأردف، "ترافق ذلك مع مناشدات من قبل النازحين لإنقاذ الوضع، ومطلبهم الأساسي العودة إلى مناطقهم وبلداتهم بطريقة آمنة إضافة إلى تحسين الواقع الخدمي للمخيمات عبر تحسين قنوات الصرف الصحي ومجاري المياه".
ناقوس الخطر والقلق الأممي
في غضون ذلك أبدت الأمم المتحدة قلقاً ممّا طرأ على واقع المخيمات مؤخراً، وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في مؤتمر صحافي، إن التقييم الأولي كشف عن تضرر أكثر من 1700 أسرة في شمال غربي سوريا نتيجة الفيضانات، وتدمير أكثر من 200 خيمة وتعرّض أكثر من 1400 للأضرار.
وأضاف دوجاريك، إن العاملين في المجال الإنساني وزّعوا المساعدات الشتوية على 2.3 مليون شخص في أنحاء سوريا تشمل الوسائل الضرورية للوقاية من البرد فضلاً عن المساعدة في إصلاح واستبدال الخيام. لكنّه قال: "لا تزال هناك فجوة تبلغ 32 مليون دولار في تمويل هذه المواد الأساسية".
مهرجان الطين
في ظل هذه الأزمة، حاول المجتمع الأهلي تبديد مشاعر الحزن والأسى لدى الأطفال، وبادر ناشطون من فنانين ومسرحيين وعمّال إنقاذ إلى مسح الدمعة في عيون الأطفال من خلال إطلاق "مهرجان الطين".
وعبّر الفنان السوري عزيز أسمر، الذي عُرف برسم الأحداث العالمية على جدران إدلب المدمّرة عن فخره بمشاركة زملاء له في المهرجان بغية وسم الفرحة، كما رسم لوحات جدارية لهذه الغاية "جسّدت لوحة لامرأة ترفع يديها عالياً بالدعاء متوسّطة الخيم التابعة الأمم المتحدة" في محاولة منه لبثّ معاناة النازحين.
هكذا يحاول الناجون من عواصف الشتاء ترميم أقمشة خيامهم الممزقة وتجفيف مياه الأمطار الراكدة، التي شكّلت مستنقعات واسعة، مستعدين لمزيد من البرد، بينما يحلمون بدفء يغمرهم في ديارهم وبيوتهم المهجورة.