بعد أن كشفت الأجهزة الأمنية في غزة عن عديد من المتخابرين مع إسرائيل، لجأت استخبارات تل أبيب إلى استخدام الاغتيال المعنوي كأسلوب مواجهة في صراع الأدمغة، وترمي من خلاله أيضاً إلى إشغال كوادر التنظيمات في حل خلافاتها من الشبهات المنسوبة إليها.
وللاغتيال المعنوي شكلان، الأول عن طريق التركيز على أي خطأ أو ثغرة تقوم بها شخصية فصائلية أو وطنية سياسية، من خلال تضخيمها واستغلالها، ثم توجيهها إليها، وإلى أقاربها، حتى تصبح الحديث الأساسي لهم، وفي هذه الحالة، يركز المستهدف على التبرير ومواجهة الأحاديث المنسوبة إليه، وينشغل عن عمله مع الفصائل، أما الشكل الثاني، فعن طريق إرسال رسائل بأشكال مختلفة للمستهدف، لإرباك حالته النفسية وتركيز تفكيره بالمرسل إليه وتحليل المحتوى الذي تلقاه.
تدمير النفسية
وقال أحد عناصر الفصائل المسلحة، الذي تعرض للاستهداف المعنوي، إن جهات إسرائيلية أرسلت إليه عبر تطبيق التراسل الفوري "واتساب" بأنها "تراقبه، وستصل إليه عن قريب، وأن جميع أفراد عائلته في دائرة الاستهداف، ثم أرسلت إليه طرداً مع شخص مجهول، وهو علبة شوكولاتة بداخلها رصاصة، وبعدها صورت محيط منزله وأرفقته برسالة إلكترونية".
وفي السياق، أوضح الباحث في الشؤون الأمنية، محمد أبو هربيد، أن الهدف الرئيس في عملية الاغتيال المعنوي، هو تدمير نفسية المستهدف، وخلق الذعر في بيته، وفي هذه الحال، ينشغل بمحاولة إصلاح ذلك ولا يركز في عمله مع الفصائل المسلحة، وتلجأ إسرائيل إلى هذه الوسيلة عندما تستنفد جميع محاولات استمالته للتخابر معها.
أشكال الاغتيال المعنوي
ولجأت إسرائيل إلى فكرة الاغتيال المعنوي للمرة الأولى عام 2006، عندما بدأت بإجراء اتصالات مسجلة مع سكان المناطق القريبة من الحدود، تحذرهم من عناصر الفصائل المسلحة، ومن أن حمايتهم تجعل منازل المواطنين عرضة للاستهداف.
وفي العملية العسكرية التي خاضتها في قطاع غزة عام 2008، استخدمت تقنية الاتصال المباشر بشخصيات عامة طلبت منها عدم مساعدة المسلحين لضمان حياتها، وكذلك أجرت مكالمات مع عناصر فصائلية شجعتهم على ترك العمل بمقابل مادي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار أبو هربيد إلى أنه بعد عملية 2014 العسكرية، وجهت إسرائيل الاغتيال المعنوي نحو عناصر الفصائل، واستغنت عن الدوائر العمومية (سكان القطاع)، وفي عامي 2019 و2020 زادت تل أبيب من تركيزها على الاغتيال المعنوي كوسيلة، خصوصاً بعد أن كشفت الأجهزة الأمنية عن عديد من المتخابرين.
وقبل ذلك، وفي الثمانينيات، استخدمت تل أبيب الاغتيال المعنوي بحق مؤسس حركة حماس الراحل أحمد ياسين، بأنه يعمل على حيازة كمية كبيرة من الأسلحة لاستخدامها ضد حركة فتح، وكررت ذلك من خلال قيادات وزانة في التنظيم ذاته.
اللجوء للاغتيال المعنوي لا يعني إهمال التخابر
وأكد أبو هربيد أن اللجوء إلى خيار الاغتيال المعنوي، لا يعني إهمال فكرة تجنيد عديد من المتخابرين، وإنما خيار مختلف يستخدم في محاولة لمنع العناصر المسلحة من القيام بمهامهم، بدافع حماية أنفسهم وعائلاتهم، وتستفيد إسرائيل في هذه الحالة من إزالة الخطر الذي يشكله هؤلاء من دون الدخول في مواجهة مباشرة معهم.
وفي غزة، استطاعت الأجهزة الأمنية ضبط خلية تعمل مع إسرائيل في إيصال المعلومات إلى المستهدفين وطبقاتهم الاجتماعية، وتمكنت من رصدهم ومتابعتهم حتى إلقاء القبض عليهم بالجرم المشهود.
دوائر الاستهداف
وبحسب معلومات نشرتها الأجهزة الأمنية في غزة، فإن من بين الأساليب التي استخدمتها إسرائيل في عملية الاغتيال المعنوي، ضخ معلومات عن أفراد الفصائل بأنهم مرتبطون مع جهات خارجية، وأن لديهم سقطات أخلاقية، وأرسلت ذلك إليهم وإلى أفراد عائلاتهم.
وأوضح أبو هربيد أن اللجوء إلى هذا الخيار يتم بعد توافر كامل المعلومات الشخصية للمستهدف (مكان عمله وطبيعته، وعنوان سكنه، وحياته الشخصية مع أسرته وأقاربه). وأشار إلى أن إرسال السقطات والخروقات التي ارتكبها المستهدف يكون باتجاه الأسرة وأفرادها، ومن ثم باتجاه الأصدقاء والجيران وزملاء العمل، ما يؤثر على نفسية المستهدف ويشغله بتبرير ما جرى ويبعده عن انشغالاته الأساسية التي كان يقوم بها، وقال إن المعلومات المرسلة ليست دائماً صحيحة، وإنما قد تكون في معظم الأوقات مجرد شائعات لا أكثر.
بث رسائل
وعن آلية إرسال المعلومات، كشفت وزارة الداخلية في غزة من خلال فيديو وثائقي، عن أن ذلك يكون عن طريق أشخاص ضللتهم إسرائيل يقومون بتنفيذ العملية بمقابل مادي، أو عن طريق متخابرين متعاملين معها.
من جهته، قال الناطق باسم وزارة الداخلية في غزة، إياد البزم، إنهم يعملون على متابعة كل الوسائل التي تستخدمها إسرائيل في الاغتيال المعنوي، ومن خلال متابعتهم، تبين أن تل أبيب تقوم بتجنيد أشخاص يعملون على بث رسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتشويه صورة المستهدفين.
وفي محاولات الرصد لمتابعة آليات تنفيذ مهام الاغتيال المعنوي، لفت البزم إلى أنهم يتابعون الحوالات المالية الواردة إلى غزة، وتنقل الأشخاص عبر الحدود، لحماية الوضع الأمني والحفاظ على استقراره من أي خروقات.