على مدار أربع سنوات، كان الأميركيون يتوقعون ويخشون موجة من قرارات العفو في يناير 2021. في النهاية، كانت الأرقام مخيبة للآمال، إذ أصدر الرئيس ترمب آنذاك عدداً قليلًا نسبياً من قرارات العفو، مقارنة بالرؤساء المعاصرين الآخرين، وليس أكثر مما يُصدره بالعادة رؤساء فترة "البطة العرجاء" lame duck (هي الفترة التي تلي خسارته الانتخابات في 3 نوفمبر وتاريخ تسليم السلطة في 20 يناير) قبل مغادرة مناصبهم .
من بين أصدقائه وعائلته و"شركائه"، كان ستيف بانون وجامع التبرعات الجمهوري إليوت برويدي الوحيدين المدرجين في هذه القائمة (بعدما عفا في وقت سابق عن مايك فلين وروجر ستون وبول مانافورت). كما أصدر عفواً عن بعض أصدقاء جاريد كوشنر ومعارفه ووالد كوشنر، لكن ترمب لم يصدر عفواً عن أفراد عائلته ولا عن نفسه.
وبالنظر إلى حجم المشكلات القانونية التي تواجهها عائلة ترمب أكثر من أي عائلة رئاسية أخرى في التاريخ الأميركي، لماذا أصدر (ترمب) قليلاً من قرارات العفو، عكس ما كان متوقعاً؟ وما هي دلالات ذلك؟
لقد أصدر ترمب عفوه عن عدد قليل نسبياً من الأشخاص في أفضل وأرحم استخدام للسلطة، مثل شخصيات غير معروفة تعرّضت للظلم وأبرياء محتملين وتائبين ومذنبين حُكم عليهم لفترات طويلة. في المقابل، أصدر كثيراً من قرارت العفو عن مشاهير وعن شخصيات مرتبطة بهم، مثل بعض نجوم الهيب هوب وشقيق نجم كرة قدم متقاعد. لكن لا شيء من هذا يثير الدهشة بشكل خاص.
أولاً، يبدو من المرجح أن بعض شركاء ترمب قد تجنّبوا طلب العفو أو سحبوا الطلبات، بالنظر إلى أن وسائل الإعلام ذكرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن وزارة العدل تُجري تحقيقاً جنائياً بشأن الرشوة مقابل العفو. وبينما يخفّف العفو عادة من المسؤولية الجنائية، كان يمكن أن يجذب الكثير من الاهتمام للمحققين. وبالنظر إلى أن العفو لا يمكن أن يخفف من المسؤولية عن الأعمال الإجرامية المستقبلية، فإن القبول به بالرشوة يُعتبر فعلاً جنائياً ارتُكب بعد صياغة قرار العفو ولا يشمله.
ثانياً، لا يزال العفو "الاستباقي" الذي يصدر قبل توجيه التهم، بحاجة إلى تحديد الجرائم التي يشملها. وينص الدستور على أن العفو هو عفو عن "الجرائم المرتكبة ضد الولايات المتحدة،" وليس عفواً عن "شخص" بحد ذاته، لذلك يجب وصف هذه الجرائم بنوع من الوضوح على الأقل. بالتالي، تجنّب شركاء ترمب وعائلته وربما ترمب نفسه، وضع أنفسهم في موقف يضطرون معه إلى تحديد أفعال وجرائم تُقلقهم. ولا يُعدّ قبول مثل هذا العفو اعترافاً رسمياً (بالذنب)، ولكنه أمر محرج من الناحية السياسية، حتى لو أضاف المرء عبارات "أخبار زائفة" أو "مطاردة الساحرات" witch hunt (في إشارة إلى أن الشخص تعرّض لاتهامات ظالمة) إلى نص العفو.
من ناحية أخرى، ربما أضرّ العفو الرئاسي بعدد من شركاء ترمب أكثر مما ساعدهم. وبينما تقتصر "الجرائم ضد الولايات المتحدة" على الجرائم الفيدرالية، يواجه شركاء عدة لترمب التهم ذاتها على صعيد الولايات. على سبيل المثال، أدين ستيف بانون بارتكاب "احتيال سلكي" و"احتيال عبر البريد". لكن لم يُشَر إلى الكلمتين "سلكي" و"البريد" فقط لأن بانون كان يركّز على إساءة استخدام "السلك" أو "البريد." لقد تم إدراج المفردتين في التهم فقط لمنح المحاكم الفيدرالية الاختصاص في القضية. ولا تزال ولايات عدة مثل نيويورك تحتفظ بالسلطة القضائية لمحاكمة مخطط الاحتيال الأساسي المتعلق بحملة "نحن نبني الجدار" (التي كانت تجمع التبرعات لبناء جزء من جدار الحدود مع المكسيك) وقد يكون مدّعون عامون عدة أكثر حرصاً على متابعة التهم بعد العفو، بدلاً من ترك القضية لمدّعٍ فيدرالي واحد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا كان شركاء ترمب قد تراجعوا عن المطالبة بالعفو لأنهم أدركوا هذه المشكلات، فقد أدى ذلك إلى غياب موجة عفو كبيرة تُضاف إليها بعض قرارات العفو عن العائلة والأصدقاء (قبل مغادرته البيت الأبيض)، إذ كان العفو عنهم من دون موجة كبيرة سيبدو لافتاً ويتصدر المزيد من عناوين الأخبار.
كما أن إجراءات العزل ربما أثنت ترمب عن إصدار مزيد من قرارات العفو في الأسبوعين الأخيرين (قبل رحيله). فقبل انتفاضة 6 يناير، أراد الرئيس السابق إبقاء الجمهوريين في الكونغرس إلى جانبه لتحدي الانتخابات، وكانت سلسلة من قرارات العفو الفاسدة ستهدد دعمهم له. وربما كان ترمب يعتزم الانتظار حتى ما بعد السادس من يناير (كانون الثاني) للعفو عن عائلته، ولكن بعد ذلك، امتدّ تهديد إجراءات العزل إلى قدرته السياسية - في البداية أراد تقليل عدد أعضاء مجلس النواب الذين قد يُصوّتون لعزله، وما زال عليه القلق بشأن تنفير الجمهوريين في مجلس الشيوخ قبل المحاكمة المقبلة.
في النهاية، أصدر ترمب الكثير من قرارات العفو لصالح أعضاء جمهوريين سابقين في الكونغرس ومزيد من أصدقاء الجمهوريين الحاليين في الكونغرس، ربما لإبقاء الحزب إلى جانبه على المدى القصير للمحاكمة وعلى المدى الطويل لحملة انتخابية جديدة. لكن ربما تكون هناك خطة أخرى قيد الإجراء، إذ أبدى ترمب اهتمامه بتأسيس حزب جديد في حال تخلّى الحزب الجمهوري عنه. ومن خلال العفو عن هذا العدد الكبير من السياسيين الفاسدين أو الأصدقاء الفاسدين للسياسيين الجمهوريين، هل أراد ترمب أن يمد يده لإشراكهم (في مشروعه الجديد)؟ كيفما كان الحال، يُحتمل أن تعترض هذه الخطط ملاحقات قضائية فيدرالية وعلى صعيد الولايات التي لم أو لن يستطيع العفو عنها.
© The Independent