يا للمفاجأة. فقد أجرت شركة "أسترازينيكا" (AstraZeneca)، عملاق الأدوية الإنجليزي- السويدي، محادثات مع الاتحاد الأوروبي، تتعلق بالتأخير في تسليم الإمدادات الذي أدى إلى نقص في مخزون لقاحها في البر الأوروبي. هذه المناقشات وصفت بأنها "بناءة" مع استخدام تعابير مثل: "نعمل معاً في سبيل حل المشكلات العالقة".
لكن الاتحاد الأوروبي المحروم من اللقاحات، عمل على وضع آلية تسمح بتقييد بعض الصادرات من الدول الأعضاء في كتلته، الأمر الذي قد يؤثر على إمدادات تلك الدول من لقاح "فايزر" البديل، الذي تتولى شركات إمداد تابعة للمملكة المتحدة إنتاجه في بلجيكا.
واضح أن قدراً كبيراً من التدخل السياسي قد طرأ على المسألة، ومعظم تلك السياسات سيئة. فقد تعودنا على أن يتصرف الاتحاد الأوروبي كطرف مسؤول، لكن قد لا يكون الأمر على هذا النحو هذه المرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا ما أردنا العودة إلى خلفية المسألة، قد نجد أن حكومة المملكة المتحدة- صاحبة أحد أعلى معدلات الوفيات بفيروس "كوفيد" في العالم على مستوى الفرد، مقارنة بالمساحة الجغرافية- سجلت نقطة نادرة تصب في مصلحتها، تمثلت في نجاحها، حتى الآن، في تطبيق برنامجها المعتمد لتطعيم سكانها. وأدى ذلك إلى حصول نحو 10 في المئة منهم على أولى الجرعتين اللازمتين لحمايتهم من الفيروس، من خلال العلاجات الثلاثة المستخدمة في الوقت الراهن.
أما الرقم بالنسبة إلى دول الاتحاد الأوروبي، فهو في المقابل في حدود 2 في المئة. لكن خطة الاتحاد الأوروبي مكنته ككتلة من شراء اللقاحات بكلفة زهيدة للغاية. كما أن تنحية النزعة القومية ما بين الدول الأعضاء من أجل العمل معاً بشكل منسجم، شكلت هي الأخرى، من نواح عدة، خطوة جيدة. لكنها أدت في المقابل، إلى إبطاء سير الأمور.
فحتى الآن، لم توافق أوروبا رسمياً بعد على اعتماد علاج "أسترازينيكا". لكن فيما يتوقع أن يحصل ذلك، الجمعة، فقد أعلنت الشركة عن تخفيض إمداداتها للربع الأول من السنة بنسبة 67 في المئة، الأمر الذي يشكل في حد ذاته ضربة قوية.
وكان قد وُقِّع اتفاق في أغسطس (آب) الماضي لشراء نحو 300 مليون جرعة من لقاح الشركة الذي طُوِّر بالتعاون مع "جامعة أكسفورد"، وبيعت في البداية بسعر الكلفة، مع خيار شراء 100 مليون جرعة أخرى، بعد نحو ثلاثة أشهر، عندما أبرمت المملكة المتحدة صفقتها الخاصة بها.
في إطار آخر، لا تزال إحدى أكبر الصفقات التي وقعها الاتحاد الأوروبي مع شركة "فايزر- بيونتك" Pfizer-BioNTech قائمة، لكنها واجهت هي الأخرى تأخيرات في الحصول على الإمدادات من تلك الجرعات.
أضف إلى ذلك، تدخل مفوضة الصحة في الاتحاد الأوروبي ستيلا كيرياكيدس، التي طالبت بتحويل بعض من إنتاج المملكة المتحدة من لقاح "أسترازينيكا" إلى أوروبا، ليفي صانعو اللقاح بالعقد الذي أبرموه، رافضة "منطق من يأتي أولاً يُخدم أولاً".
وقالت كيرياكيدس إن "هذا الأسلوب قد ينجح في التعامل ربما مع بائعي اللحوم في أحد الأحياء، لكن لا يمكن اعتماده في العقود المبرمة، ولا في اتفاقات الشراء المسبقة التي أجريناها".
تعليقات مفوضة الصحة في الاتحاد الأوروبي فهمت على أنها رد على باسكال سوارو الرئيس التنفيذي لشركة "أسترازينيكا"، الذي قال إنه استُخدم الوقت الإضافي الذي منحه توقيع اتفاق المملكة المتحدة مع شركته في وقت مبكر، "لتصحيح جميع مواطن الخلل التي عانينا منها".
قد يكون وقوع خلاف مع بريطانيا أمراً مواتياً للاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن بروكسل كانت قد تعرضت لبعض الانتقادات بسبب نهجها البطيء المعتمد في تطبيق برنامج التطعيم الخاص بدولها، مقارنة مع برنامجي المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة. إن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون هو محترف سابق في هذ النوع من التكتيكات.
ووسط النار المشتعلة بالقرب من عبوة وقود، قد نرى بوريس جونسون ينزلق إلى مثل هذه الألاعيب في ضوء ماضيه البائس. لكن لدى سؤاله عما إذا كانت المملكة المتحدة ستفرض ضوابط على عمليات التصدير في رد على تحرك الاتحاد الأوروبي بشأن لقاح "فايزر" (الذي صُنعت إمدادات بريطانيا منه في بلجيكا)، قال جونسون "من الواضح أن لقاح أكسفورد- أسترازينيكا مهم جداً بالنسبة لبلدنا والعالم، أما المسألة القائمة، فإنما تخص أصدقاءنا في الاتحاد الأوروبي وشركة أسترازينيكا".
وبعد تعرض جونسون لضغوط متكررة من أجل تقديم مزيد من التوضيح، أصر على القول "ألتزم بالكلام المحدد لي".
حسناً... هناك دائماً مرة أولى لكل شيء. وإنه لمن المثير للاستغراب أن يتسم جونسون، من بين جميع الأفراد، بسلوكيات ناضجة، قياساً على ردود الفعل المبتهجة التي كانت تبديها بعض الصحف الصفراء، عندما كان يهم في خوض مواقف بقدميه أولاً. لكن إلى متى قد يستمر ذلك؟
فمع تسجيل بريطانيا معدل وفيات هائلاً بلغ 100 ألف حالة، نأمل في أن يكون هذا الرقم قد تبادر إلى ذهن جونسون. ومن الأجدى أن يكون ذلك قد حصل. كان حرياً به أن يدرك أيضاً أنه لو اضطرت بريطانيا إلى الاعتماد على لقاح منتج محلياً، فمن شأن المناعة التي يتعين تحقيقها على نطاق واسع- مناعة القطيع لو جاز لي التعبير- أن تشهد تأخيراً لمدة شهرين في احتواء الفيروس. الكلفة يمكن أن تكون قاتلة بالنسبة إلى البعض. والاقتصاد قد يشهد هو الآخر حرماناً بقيمة مليارات الجنيهات.
في الخلاصة، إن الحقيقة القاسية تكمن في حاجة بريطانيا إلى تعميم التطعيم في أوروبا، تماماً كما هي حاجة أوروبا إلى تطبيق الأمر نفسه في المملكة المتحدة. لكن كلا الطرفين لا يزال يحاول التفاوض والتداول. ولكل منهما مواطنون يعيشون داخل حدود الجانب الآخر، ويزورون بلدانهم.
إن لعبة النزعة القومية في اللقاح لن تصب في نهاية الأمر في مصلحة أي طرف آخر غير الفيروس نفسه. الأمر لا يتطلب كثيراً من العلم لمعرفة ذلك. لكن ها نحن نراوح مكاننا.
كنا نود في نهاية المطاف، أن يسود بعض التعقل. لكن نظراً إلى الطريقة التي انتهجتها الحكومة البريطانية في إشعال فتيل التوتر في العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، لم تعد هناك من ضمانات. إنه لمن المقلق أن تتخذ الأمور مثل هذا المنحى في المستقبل القريب.
© The Independent