رواية "طلاق على الطريقة الصينية"، للكاتب الصيني ليو جين يون ترجمها إلى اللغة العربية عن اللغة الصينية مباشرة أحمد السعيد ويحيى مختار، وصدرت عن "بيت الحكمة" في القاهرة بالتعاون مع دار المتوسط في ميلانو. وسبق أن ترجمت هذه الرواية إلى 34 لغة، وتحولت إلى فيلم سينمائي، أثار ضجة كبيرة سببها الطابع السياسي الذي يحمله النص الأصلي.
تحكي الرواية عن "لي شوليان"، وهي فلاحة صينية تواصل الشكوى لعشرين عاماً بلا كلل من ظلم زوجها، الذي اتفقت معه على أن يطلقها على أن يتزوجها مجدداً بعد مرور ستة أشهر، بما أنها فوجئت بحملها في طفل ثان وهو الأمر الذي سيكلف زوجها الطرد من وظيفته، وفق قانون تحديد النسل بطفل واحد، لكنه يتهرب من تنفيذ وعد الزواج منها ثانية، بل ويبادر بالزواج من أخرى، وينجب منها طفلاً.
وتستدعي تلك القصة إلى الأذهان، حكاية "الفلاح الفصيح"، وهي من تراث مصر القديمة، فهو أيضاً تحلى بشجاعة الإصرار لمدة طويلة على رفع ظلم وقع عليه عبر شكاوى تميزت بلغة أدبية تأخذ بالألباب، حتى أن المشكو في حقه نفسه أعجب بها وماطل في رفع الظلم عن صاحبها ليدفعه إلى كتابة مزيد من شكاواه الفصيحة، على الرغم من أنها كاشفة في الوقت نفسه عن فساد الطبقة السياسية. كما تستدعي من ناحية أخرى قصة "المذنبون" لنجيب محفوظ التي تحكي عن تحقيق في قضية قتل، يترتب عليه كشف كثير من قضايا الفساد في مجتمع سبعينيات القرن الماضي في مصر، وقد تحولت تلك القصة أيضاً إلى فيلم للمخرج سعيد مرزوق حمل الاسم نفسه، وحقق نجاحاً كبيراً، ما أثار ضجة بسبب جرأته في فضح الفساد الذي ترتب على سياسة الانفتاح الاقتصادي، التي تبناها الرئيس الراحل أنور السادات.
دعوى عجيبة
بعدما يئست "لي شيوليان"، ومعنى اسمها في الصينية "اللوتس وسط الثلج"، ويشير إلى الطهارة والنقاء، من إقناع زوجها السابق ويدعى "تشين يوخه" برفع ظلمه عنها، تلجأ إلى القضاء الذي يراوغ في قبول الدعوى العجيبة، ثم يضطر في الأخير إلى رفضها بما أن الجهات الرسمية تؤكد أن الطلاق كان حقيقياً وليس زائفاً كما تدعي الشاكية.
جاء السرد عبر راوٍ عليم، في ثلاثة فصول تزخر بأسلوب تهكمي، غطت فترة زمنية تصل إلى أربعين عاماً من عمر الصين المعاصرة، تبدأ عندما كانت البطلة في التاسعة والعشرين من عمرها، وينتهي الفصل الثاني بفشلها في رفع ما تعتقد أنه ظلم عكر عليها صفو حياتها تماماً، وقرارها الموت انتحاراً من دون أن يؤكد الراوي ما إذا كانت قد نفذت ذلك القرار أم عدلت عنه، بينما تختتم الرواية بفصل قصير يتتبع مصير محافظ البلدة "لاو شي"، لنعرف أنه فقد وظيفته على خلفية إصرار "لي شوليان" على التوجه إلى بكين سنوياً لتشكوه هو ومسؤولين آخرين أمام أعضاء البرلمان. "لاو شي" بعد أن يُعزَل من وظيفة المحافظ يكتم لعشرين عاماً رغبته في الشكوى إزاء شعوره بالظلم، ويفتتح مطعماً في بلدته إلى أن يقوده وقد بلغ الستين من عمره واجب عائلي للسفر إلى بكين ولا يجد تذكرة سفر ليعود إلى أصدقاء اعتاد السهر معهم يوم الخميس من كل أسبوع، ويتفتق ذهنه عن حيلة للخروج من ذلك المأزق، فيرفع لافتة وهو في محطة القطارات كتب عليها أنه مظلوم، فتقبض عليه الشرطة وتصطحبه فوراً إلى بلدته، حتى لا يشكو في العاصمة وتترتب على شكواه مشكلة سياسية، قد تهدد مستقبل مسؤول ما، كما حدث من قبل بسبب "لي شوليان".
حرفة التفكيك
تسبق الترجمة مقدمة كتبها المترجمان تحت عنوان "حرفة التفكيك ومهارة الوصل"، تبدأ بالتعريف بالكاتب ليو جين يون، بوصفه "الرجل الأخف دماً في الصين"، وقد اقترن به ذلك الوصف بين القراء، ثم صُنِف في خانة الكاتب الساخر أو الأديب المرح، "ولكن عندما يُطرح الأمر أمام النقاد ودارسي الأدب في الصين والمهتمين بالأدب الصيني خارجها، فالوصف يختلف كثيراً، ولا يكتفون بصفتي المرح أو الساخر في وصف أدبه الذي يمثل الجيل الأشهر في الخارج حالياً، ويعرف بجيل الرواد، بل يتحدثون أكثر عن حرفته في تحليل المجتمع من خلال طبقاته الدنيا، وتفكيك سمات الشخصية الصينية بلا عوائق ثقافية، ولا قيود محلية".
ولعل هذا السبب هو ما أسهم في انتشار أدب ليو جين يون (1958) خارج الصين، علماً أنه عايش الثورة الثقافية الصينية، وكان ضمن الذين سُمِح لهم بالتقدم لامتحان الثانوية العامة للالتحاق بالجامعة بعد انتهاء تلك الثورة، ومما يميزه أيضاً هو أنه نشأ في قرية وسط مقاطعة خنان التي تتوسط الخريطة الصينية، وتعد القلب النابض لثقافة هذا البلد.
وتعد رواية "طلاق على الطريقة الصينية"، من أحدث ما أصدره ليو جين يون، علماً أن أعماله الأدبية تُرجمت لأكثر من أربعين لغة، وأهّلته لحصد عدد كبير من الجوائز ونيل لقب أول سفير شرف لمعرض بكين الدولي للكتاب، كما حل ضيف شرف على عدد من معارض القاهرة والدار البيضاء وأبوظبي للكتاب.
العنوان الأصلي لهذه الرواية هو "لستُ بان جين ليان"، وهو يشير إلى اسم امرأة صارت مضرب المثل في الثقافة الصينية في الخيانة الزوجية، لكن المترجمين فضلا استخدام عنوان يناسب القارئ العربي، وقد لاحظا أن هذا العمل ترجم إلى أكثر من ثلاثين لغة بعناوين مغايرة للأصل، فمثلاً الترجمة الإنجليزية حملت عنوان "لم أقتل زوجي"، والألمانية عنوانها "لستُ عاهرة"، وفي الإيطالية والفرنسية صدرت بالعنوان نفسه الذي حملته ترجمة أحمد السعيد ويحيى مختار. أما الفيلم المأخوذ عن الرواية فكان عنوانه "أنا لست مدام بوفاري"، وقامت ببطولته النجمة الصينية فان بينغ بينغ التي شاركت في كثير من أعمال هوليوود.
خروف مشوي
هذه الرواية (يقول المترجمان) تبدو كشطيرة جبن يمكنك تناولها في عدة قضمات، لكنها مع ذلك تحمل من الدسم ما يحمله خروف مشوي، ما يجعلك تستغرق أياماً لهضمه.
القصة الرئيسة، كما يبدو من العنوان العربي تدور حول واقعة طلاق، أو كما يبدو من العنوان الصيني حول خيانة زوجية، لكن الأمر أعمق من ذلك بكثير، فنحن هنا بصدد نملة صارت فيلاً، وحبة سمسم صارت بطيخة، ونعيش داخل سرد (بتعبير المترجمين) مثير وسريع مع قصة سيدة تسببت لنفسها بالأذى بعرضها على زوجها فكرة الطلاق المزيف لغرض ما، ثم تحول موقف زوجها وجعل الطلاق حقيقياً، وسعي الزوجة من السطر الأول في القصة وحتى نهايتها إلى إثبات أن الحقيقي كان زائفاً، وأن الزائف يجب أن يكون حقيقياً.
ولكن الحكاية ليست بهذه البساطة (بحسب مقدمة الترجمة العربية) عندما يكون راويها هو ليو جين يون، الذي يتفنن بذكائه ومراوغته في سحبنا داخل القصة لنجول داخل الشخصية الصينية في مواقف مختلفة وعلى مستويات متعددة، وهكذا نجد أن اسم كل شخصية في العمل يعني في اللغة الصينية معنى يتضاد مع ما يتعلق بصاحبه، ونجد أن تلك القضية التي تبدو بسيطة تؤثر في مصائر الجميع، من قاض في قرية صغيرة إلى واحد من مسؤولي الدولة الكبار، مروراً بالمحافظ والعمدة وحاكم المدينة وحاكم المقاطعة في تسلسل هرمي، كل مصطبة من مصاطبه (بحسب المترجمين) تحمل قصة وشخصية وشكلاً من الفساد أو التمرد أو الخوف أو الطموح، وكأننا نطالع داخل تلك المتاهة خريطة تحليل نفسي موازية تجذبنا للمتاهة أكثر وتشغلنا بشخوصها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فالمرأة الريفية ذات المشكلة القانونة مع زوجها تحولت عند ليو جين يون إلى قضية تخص الدولة استمرت لعشرين عاماً. فعبر رحلة "لي شوليان" لرفع الظلم الذي وقع عليها من زوجها، يحمل الكاتب معولاً صغيراً يفتت به الطبقة الخارجية للمجتمع، ليجعل القارئ يشاهد عفنه الداخلي وغرابته والخداع والغش والتزوير والتنافس الكامن تحت قشرة هشة.
امرأة ريفية تريد إثبات زيف طلاقها، وأخ يتهرب من أخته، ومسؤول يكيد لآخر، وقدر يقود الجميع إلى تصادمات لم تكن حتمية لولا تدخله، ولكن وسط هذا فنحن نعيش داخل الرواية المتسارعة الأحداث، المثيرة للحواس مع حكايات داخلية تجذبنا، لكن لا تثنينا عن سعينا خلف الريفية التي تريد إثبات زيف طلاقها"، بحسب ما ورد في مقدمة الترجمة العربية لهذا العمل الروائي العميق.