في الثاني من فبراير (شباط) الجاري، غادر الطالب الجزائري، والناشط في الحراك وليد نقيش (24 سنة) سجن الحراش بالجزائر العاصمة، عقب إدانته بستة أشهر سجن نفذها بعدما قضى 14 شهراً في الحبس المؤقت عن جنحة منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية، بينما أسقط القضاء عنه جناية "تنظيم بطريقة خفية لمراسلة عن بعد من شأنها الإضرار بالدفاع الوطني" و "المشاركة في مؤامرة لتحريض المواطنين على حمل السلاح ضد سلطة الدولة".
عودة نقيش إلى منزله بولاية تيزي وزو شرق البلاد، وإلى أحضان والديه، لم تنهِ قصة هذا الشاب العشريني مع السجن والمحكمة، إنما فتحت أبواباً من الجدل والنقاشات في أوساط الجزائريين وبشكل أخص بين القانونيين والحقوقيين، الذين يطالبون بتحقيق مستقل وعاجل بشأن تصريحاته "الصادمة" حول تعرضه للتعذيب والاعتداء الجنسي والمساس بكرامته، أثناء التحقيق معه من طرف مصالح الأمن، كما قال.
ونفى نقيش في جلسة محاكمة ماراثونية، امتدت ساعات علاقته بحركة "الماك"، الداعية إلى انفصال منطقة القبائل (الأمازيغ)، وكل التهم الموجهة إليه، مؤكداً أمام قاضية المحكمة أنّ ما ورد في تقرير الضبطية القضائية، جاء نتيجة ضغوطات نفسية وتعذيب واعتداء جنسي تعرض له، أثناء استجوابه. مع العلم أنه أوقف منذ 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، خلال مشاركته في تظاهرة للحراك الشعبي، وتم تسليمه لجهاز الأمن الداخلي (الاستخبارات).
وبناءً على محاضر الضبطية القضائية والتحريات الأمنية، التمس النائب العام لمحكمة الدار البيضاء في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، الحكم على وليد نقيش بالمؤبد، قبل أن تميل الكفة لصالحه في أعقاب تجنّد محامين للمرافعة في الدفاع عن الطالب بمعهد علوم البحار، لتصدر قاضية الجلسة حكماً يقضي بخروجه من السجن، بعدما اقتنعت بأنّ ملفه فارغ وكل التهم المنسوبة إليه لم يستطع القضاء إثباتها. في حين صرح لحظة خروجه من السجن إلى الصحافة: "كنت أتمنى البراءة بما أنني لم أفعل شيئاً".
مجلس قضاء الجزائر
في المقابل، أمرت النيابة العامة لدى مجلس قضاء الجزائر، وكيل الجمهورية لدى محكمة بئر مراد رايس بالعاصمة، الأحد 7 فبراير (شباط)، بفتح تحقيق في الوقائع المصرح بها من قبل الطالب نقيش وليد، الذي صرح أثناء محاكمته بأنه تعرض لأعمال عنف واعتداء جنسي من قبل عناصر الضبطية القضائية المنجزة للتحقيق الابتدائي خلال فترة حجزه تحت النظر.
وقال بيان الهيئة القضائية "نظراً إلى ما أثارته هذه التصريحات من ردود فعل وتعليقات تداولتها مختلف الصحف الوطنية، وما خلفته من تشكيك وتساؤلات لدى المهتمين والمتتبعين للعمل القضائي، وخاصة ما تعلق منه باحترام حرية وكرامة المواطنين المشتبه فيهم لدى توقيفهم للتحري، وللوقوف على حقيقة ما يكون قد جرى في هذا الجانب من قضية المواطن نقيش وليد، فإن النيابة العامة لدى مجلس قضاء الجزائر بناءً على ما هو متوفر لديها من معلومات وسندات ذات صلة بقضية المعني قد أمرت بتاريخ اليوم 07-02-2021 السيد وكيل الجمهورية لدى محكمة بئر مراد رايس بالسعي في فتح تحقيق ابتدائي في الوقائع المصرح بها من قبل المعني وتكليف الضبطية القضائية المختصة بالمهمة ذاتها".
ويتساءل جزائريون ومحامون، إذا كان التحقيق سيطيح شخصيات أمنية على اعتبار أن ما وقع للطالب من اعتداء جنسي شكل صدمة للشارع الجزائري وأثار نقاشات حول ما إذا كان بقية المعتقلين يتعرضون لسلوكيات مماثلة.
بتاريخ 5 ديسمبر (كانون الأول) 2019، أي عشية الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 من الشهر نفسه وفاز بها عبد المجيد تبون، أصدرت المديرية العامة للأمن الوطني بياناً كشفت فيه إحباط مخطط تخريبي بالعاصمة تقف خلفه حركة "الماك" الانفصالية، وهي الفترة التي كان يدير فيها جهاز الأمن الداخلي، الجنرال واسيني بوعزة، الموقوف حالياً في السجن العسكري في قضايا وتجاوزات تخصّ إدارته للجهاز الأمني وسوء استغلال الوظيفة.
وذكر البيان حينها، أن شبكة تتبع لحركة "الماك" بينها عنصر موجود في إسرائيل، تسعى لاختراق الحراك الشعبي وبناءً على هذا البيان تم متابعة وليد نقيش، ليتبين في النهاية أنّ الملف فارغ والمعلومات المتداولة تم استقاؤها تحت التعذيب، ضمن خطة لتمرير الانتخابات الرئاسية وثني المحتجين على الاستمرار في الخروج إلى الشارع، وفق ما ورد على لسان محامين.
بين الاستثناء والمسكوت عنه
وبناءً على المعطيات التي شهدتها محاكمة نقيش، كشفت المحامية، رزازقي نسيمة، عن إيداع شكوى وقعها محامون عدة لدى النيابة العامة لفتح تحقيق حول التصريحات التي أدلى بها الطالب الجامعي. وتؤكد المحامية في تصريحات إلى "اندبندنت عربية"، أنها "المرة الأولى التي يتحدث فيها معتقل عن تعرضه لاعتداء جنسي، إذ بالعادة يتم التصريح بالتعرض للضرب لاستجواب المتهمين، وهذا الأمر معروف ومتداول".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على الجهة المقابلة، يعتبر الناشط الحقوقي، والمحامي عن "معتقلي الرأي" في الجزائر، عبد الغني بادي، أن "التجاوزات يذكرها الكثير من الذين مروا على مراكز الأمن، وهي تمس حتى قضايا القانون العام، أثناء استجوابهم، قليلون جداً من يوافقون على تقديم شكوى، لأنهم يعلمون أن مسارها الحفظ في أرشيف المحاكم في ظل صعوبة الإثبات".
ويكشف بادي أنّ الفعل في حالة نقيش أكيد ولا يمكن أن يكون معزولاً، متحدثاً عن "وجود سياسة منتهجة منذ سنوات طوال وهي القبضة الحديدية". ويدعو إلى ضرورة "تفعيل العمل الرقابي للمحامي على أعمال الضبطية القضائية من بدايتها إلى نهايتها، مع تدعيم المخافر وغرف التحقيق لدى الضبطية بكاميرات يرجع لها في حالة النزاع الحقوقي، حتى نقضي فعلاً على الانتهاكات من دون رجعة".
إقالة أو استقالة
وضمن ردود الفعل السياسية، دعت زوبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، إلى إقالة أو استقالة وزير العدل بلقاسم زغماتي، بصفته المسؤول السياسي عن القضاء بسبب عدم اتخاذه أي إجراء لإثبات سيادة القانون في وقائع خطيرة وصلت بصفة رسمية إلى علم النائب العام ولم يحرك ساكناً بشأنها.
وأوضحت عسول وهي محامية تأسست للدفاع عن معتقلي الحراك الشعبي، في منشور على حسابها على فيسبوك، "إذا كان مرتكب الجريمة يمثل سلطة قانونية فذلك يعد ظرفاً مشدداً لأنه استغل صفته للاعتداء على مواطن بدل حماية حقوقه الإنسانية المتمثلة في سلامته الجسدية والمعنوية وصون شرفه".
ورأت أنّه "من واجب وكيل الجمهورية لدى محكمة الدار البيضاء بالجزائر العاصمة، أن يأمر بتحريك الدعوى العمومية للتحقيق في الوقائع التي صرح بها وليد نقيش أمام محكمة الجنايات"، مشيرة إلى أن "سيادة القانون تعرض كل من ارتكب جرماً مهما كانت صفته وموقعه للعقاب".
كما أعرب حزب التيار الوطني الجديد (قيد التأسيس) الذي يقوده أحد شباب الحراك إسلام بن عطية، عما وصفها بـ"صدمته الشديدة بعد التصريحات الخطيرة جداً التي أدلى بها نقيش وتأكيده أنه تعرض للاعتداء الجسدي والجنسي داخل مقر الأمن أثناء استجوابه"، داعياً "السلطات لتحمل مسؤولياتها وفتح تحقيق حيادي وشفاف بمشاركة الجمعيات الوطنية الحقوقية المشهود لها بالاستقلالية للتأكد من صحة الوقائع ومعاقبة الفاعلين في حال تأكده ومنع تكرار هذا الفعل الشنيع مستقبلاً مع مراجعة فورية للقانون المتعلق بالحبس الاحتياطي الذي تحوّل إلى وسيلة لمعاقبة النشطاء السياسيين بعيداً عن الأحكام القضائية".
في السياق، استنكرت التشكيلة السياسية، "حملة المضايقات والمتابعات الأمنية ضد النشطاء السياسيين والنهج الخاطئ الذي تسلكه السلطة لتكميم أفواه المعارضين بدل تبني نهج عاقل يتمثل في إجراءات التهدئة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وإيقاف المتابعات ضد النشطاء ورفع الغلق الممنهج للساحة السياسية والإعلامية"، مجدداً الحزب "مطالبه باحترام الحريات الأساسية للجماعات والأفراد وتكريس مبدأ حرية التعبير في ظل احترام المؤسسات والأشخاص".
ومؤخراً أفرجت المحاكم عن عدد من المعتقلين بعد تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم باحتساب الفترة التي أمضوها في السجن المؤقت وهو ما جعل بعض القراءات تذهب نحو إمكان توجّه السلطة إلى التهدئة بالتزامن مع استعداداتها للتحضير لانتخابات برلمانية ومحلية مبكرة وفي ظل دعوات سياسية لفتح حوار وطني يجنب البلد تأزم الوضع أكثر.
هذا ولا يزال الشارع الجزائري يترّقب عودة الرئيس عبد المجيد تبون من رحلته العلاجية في ألمانيا.