في وقت يُصنف حوالى 71 في المئة من سكان غزّة فقراء بحسب بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية)، قرّرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس، إعادة بناء مسجد دمرته إسرائيل في عمليتها العسكرية عام 2014، بتكلفة مالية تزيد على مليون دولار أميركي.
بدأت القصة عندما نشرت الشركة التي حصلت على إحالة العطاء المخصَّص لإعادة تشييد "مسجد خليل الوزير"، صورة لهيكله الخارجي، تُظهر فيها شكله المعماري، وقيمة العطاء البالغة مليوناً و93 ألف دولار أميركي. وتداول حينها سكان القطاع القضية عبر منصات التواصل الاجتماعي، منقسمين بين مؤيد يرى أن ذلك مظهراً من مظاهر إعادة إعمار غزّة وصورة حضارية، وبين معارض يعتبر أن بطون الفقراء أولى بهذه الأموال، وأن توقيت المشروع خاطئ بخاصة في ظل الصعوبات المعيشية التي يعيشها القطاع، وسط إحصاءات خطيرة لمؤشرات البطالة والفقر وانعدام الأمن الغذائي، وعدم توفر فرص عمل.
المسجد عيادة صحية ومكتبة
وكانت إسرائيل هدمت خلال عملياتها العسكرية الثلاث ضد غزة، 110 مساجد عملت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية على إعادة إعمار 94 منها، وبينما يوجد في القطاع 1200 مسجد منتشر في محافظات القطاع، ويقول وكيل الوزارة عبد الهادي الآغا إنهم يبذلون جهوداً لبناء 16 مسجداً مدمَراً كلياً، يعيش أهالي مناطقهم في معاناة دائمة.
أما بالنسبة لمسجد خليل الوزير، فمكوّن من ثلاث طبقات، الأرضية منها مصلى، والطبقة الأولى عبارة عن عيادة طبية، والثانية مركز لتحفيظ القرآن. وتشير المعلومات إلى أنه يحتوي على مكتبة كبيرة، ومصعد كهربائي لخدمة المرضى وكبار السن والعجزة.
مواقف معارضة
في المقابل، رأى المعارضون أن "تصميم المسجد بأحدث الهياكل المعمارية، مبالَغ فيه ويُظهر الترف وغلاء التكلفة، في حين أن جولةً صغيرة على بيوت الناس، كفيلة بإظهار حالتهم المعيشية الصعبة وسط كساد اقتصادي يضرب غزّة منذ سنوات".
وقال المواطن أمجد عرفات إن الاعتراض هو على "المبلغ المخصص لترميم المسجد وليس شكله، فالقيمة المالية عالية، ونستطيع بواسطتها حلّ العديد من مشاكل الشباب أو مساعدة الأسر الفقيرة، أو بناء مستشفى في المناطق المهمشة، وتحسين الخدمات الصحية للمواطنين، أما المساجد فهي كثيرة ومنتشرة في جميع المناطق".
وذكر مسؤول "تكية رفح الخيرية" هاني أبو القاسم أنهم تعاونوا العام الماضي مع "مؤسسات عدة عملت على بناء وترميم 140 منزلاً لأسر فقيرة بتكلفة 530 ألف دولار، أما المبلغ المخصص لبناء المسجد (مليون دولار) فمن الممكن أن يغيّر حياة أكثر من 600 أسرة بشكل جذري ويوفر لها فرصاً تعتاش من خلالها".
تبرير وزارة الأوقاف
في المقابل، رد وكيل وزارة الشؤون الدينية عبد الهادي الآغا قائلاً إن "الوزارة مهتمة بإغاثة الأسر الفقيرة، وتقدم سنوياً أكثر من 10 ملايين دولار أميركي مساعدات عينية ونقدية للفقراء"، مشيراً إلى أن "معظم مشاريع إعادة إعمار المساجد بتمويل خارجي، ويجري عادة توجيهها نحو أولويات المجتمع في غزة، لاسيما إغاثة الأسر الفقيرة، لكن في الوقت ذاته تحرص الوزارة على إعادة إعمار المساجد لأنها تقع ضمن مسؤولياتها".
وفي ما يتعلق بتصاميم المسجد، أوضح وكيل الوزارة أن "المخططات الهندسية للمشروع أعدّتها الجهة الممولة، وبما أن ذلك لا يمثل أي مخالفة شرعية فقد وافقت الوزارة على ذلك".
أرقام خطيرة
في الواقع، تشير البيانات الصادرة عن جهاز الإحصاء الفلسطيني إلى أن نسبة البطالة ارتفعت كثيراً في غزّة في عام 2020، ووصلت إلى 70 في المئة، كما تفشّى الفقر بين السكان بنسبة 71 في المئة، وهناك 33 في المئة يعيشون تحت خط الفقر المدقع.
وبحسب مركز الميزان لحقوق الإنسان، يعاني 73 في المئة من أسر غزّة بشكل شديد من انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى ذلك لا يجد أكثر من 300 ألف من حمَلة الشهادات الجامعية فرص عمل، حتى في غير تخصّصاتهم الدراسية، في حين لا يصل تحصيل العاملين بأي نشاط داخل غزّة اليومي إلى 10 دولارات.
وبحسب هيئة الأمم المتحدة فإن هذه العوامل مجتمعة جعلت من قطاع غزّة منطقة غير صالحة للحياة، وباتت تعاني من تحديات كبيرة يصعب حلها بخاصة في ظل التدهور السريع لظروف السكان المعيشية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مواقف مؤيدة
من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن كل المؤشرات في غزّة تدل على أن القطاع على شفير الهواية، يعتقد كثيرون أن بناء المسجد مشهد حضاري وإحدى طرق إعادة إعمار غزّة. وقال المواطن محمد عبد الرحمن إنه "من الجيد أن تنتشر في غزة مساجد بتصاميم عصرية تضيف إلى المدينة لمسة جمالية. فكرة بطون الفقراء والانتقاد تظهر دائماً وباستمرار لكن ذلك لا يمنع من تطور القطاع".
كما رأت هبة أبو حطب أن "المسجد يخدم فئة كبيرة، بخاصة أن تصميمه يحتوي على عيادة طبية ومكتبة عامة وهذا كفيل بجعله ضرورة ملحة لغزّة التي تعاني من قلة المراكز الصحية وأماكن التثقيف. وتفتح هذه الخطوة تلقائياً فرصاً للشباب العاطلين من العمل في مجالات عدة، وقد تشجع مانحين كثراً على تشييد مراكز يحتاجها القطاع، وليس فحسب مساعدة الفقراء".
كذلك يُذكر أن الخلاف ليس حصراً على قيمة بناء المسجد وشكله، بل لاسمه نصيب من الخلاف، إذ كان قبل تدميره يُطلق عليه اسم "خليل الوزير" تيمناً بأحد مؤسسي "حركة فتح"، لكن وزارة الأوقاف في غزة غيّرته إلى "الشيخ علجين" نسبة إلى المنطقة الجغرافية التي يقع فيها.