نالت ليوني شارلوت فون هازي لقب ملكة الجمال في ألمانيا لعام 2020. قد يبدو هذا الخبر عادياً للوهلة الأولى، ولكن عند قراءة تفاصيله نجد أن "مس جيرماني" المتوجة على عرش الجمال الألماني هي امرأة متزوجة ولديها أطفال وتبلغ من العمر 35 عاماً! أما الآن ووسط اجواء التحضر لتنظيم مسابقة العام 2021، فالسجال عاد من جديد وبقوة، في الصحافة والإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي.
ذاك الاختيار السابق من لجنة التحكيم، التي تألفت السنة الماضية من النساء فقط، وجه كثيراً من الأنظار نحو هذه المسابقة التي تنظمها شركة "ملكة جمال ألمانيا" والتي يُديرها الأب والابن "كليمر"، بخلاف السنوات السابقة. فقد كانت مجلات الموضة والإعلان تهتم بالدرجة الأولى بهذه المسابقة ونتائجها، بينما تصدرت الملكة الجديدة، ونظام اختيارها، كثيراً من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة في ألمانيا. وكتب كثير من الصحافيين والنقاد عن هذه السابقة الجديدة وكيفية حدوثها، مناقشين تصريح الابن ماكس كليمر (23 عاماً) لوكالة الأنباء الألمانية، بعد اختيار شركته للملكة هازي، بحيث قال: "حاولنا اختيار سفيرة يُمكن أن تشكل نموذجاً رائعاً يُثير الإعجاب، وكذلك أن تكون شخصية ملهمة لكثير من النساء اللواتي سيقتدين بها".
وداعاً للبكيني
تصريح ماكس كليمر هذا أثار عديداً من الأسئلة حول المعايير الجديدة للجمال في هذه المسابقة، التي كانت تعتمد على ترشح فتيات شابات نحيلات بلباس البحر، وكأن مسابقة العام الفائت تقول وداعاً للباس البحر، وكذلك تُظهر ترحاباً بالنساء اللواتي تخطين الثلاثينيات من أعمارهن، بعد رفع معدل السن المسموح بها إلى 39 عاماً.
وإذا تركنا جانباً الآراء الناقدة لهذه المسابقة من أساسها، يرى أصحابها أن مثل هذه المسابقات هو استغلال صارخ للمرأة، وتقوم بتحويل جسدها إلى مادة إعلانية، وتحقيق الأرباح على حساب جسد أوروح الملكة المتوجة، بينما الآمال اتسعت لدى شريحة واسعة من الألمانيات لدخول هذه المسابقة السنوية، والتربع على عرش الجمال الألماني. وكذلك تغيير وجهات النظر حول معايير الجمال التي تخص المرأة.
ويرى المرحبون، بأن المعايير الجديدة لا تركز على جسد المرأة بقدر ما تنظر إلى "شخصية" المتسابقة كمحور أساس، لتكون سفيرة جمال بالفعل، من خلال جمال الشخصية الكلي، وليس الخارجي فحسب.
واعتمد أصحاب هذا المنحى كلام كليمر، وقد تابع في تصريح له، "كان همنا وسيكون في المستقبل، تحقيق التنوع وتأكيد القيم الداخلية، وليس الشكل الخارجي فحسب".
تغيير في الرأي
لو عدنا إلى الآراء التي تقف دائماً ضد مسابقات كهذه لا تنظر سوى إلى جسد المرأة ودرجة إغرائه، لكي تتحول الفائزة إلى عارضة أزياء، أو إلى نجمة إغراء، أو عارضة إعلانات لمواد التجميل والثياب الداخلية وبقية السلع، لوجدنا أن بعضها تغير نوعاً بعد هذه السابقة.
فمن المعروف أن المتسابقات يوقعن سلفاً، مع طلبات ترشحهن للمسابقة، عقوداً احتكارية مع شركة مسابقة الجمال، التي تصبح مديرة أعمال الفائزة لسنوات طويلة، ويُصبح من حق الشركة توثيق عقود بدلاً من الفائزة، وتنظيم أوقاتها وحياتها وحتى طريقة أكلها ونومها. وهو ما يقول عنه "أعداء" هذه المسابقة بأنها عقود إذعان، بل إن بعضهم يذهب إلى تسميتها بعقود العبودية الجديدة، ملوحين إلى نظام جديد للرق تقوم به مثل هذه الشركات.
لكن النظام الجديد استطاع ضرب آراء عديد من الصحافيين والناشطين الذين يقفون ضد هذه المسابقات، وجعلهم يخففون من لهجة انتقاداتهم، وربما تغييرها مستقبلاً، بعد اعتماد معايير جديدة في مسابقة ملكة الجمال. فمن جهة تجد سيمون توماس، المتحدثة باسم هيئة تحقيق المساواة بين الجنسين، بأن الاتجاه الجديد لمسابقة اختيار ملكة جمال ألمانيا هو "تطور مثير للاهتمام، لأن المرأة تمثل صوراً متنوعة، ولا تقتصر على جمال الجسد فحسب". بينما من جهة أخرى ترى سيلفيا بريتش، أستاذة الثقافة في مركز دراسات المرأة التابع لجامعة أولدنبورغ، أن هناك جانبين للمسألة، ف"إذا استطاعت النساء تمكين أنفسهن من خلال مسابقات كهذه، فهذا الجانب الجيد من المسألة، ولكن الجانب الآخر الدائم يتمثل في أن منظمي مسابقات الجمال يجنون الأموال من ورائها، عن طريق استخدام المتسابقات في مجال الدعاية، على سبيل المثال".
وترى بريتش أن كل شيء له ثمن معين ويحدث في سياق معين، "ومن هنا لا تكون المسابقة معنية بالنساء بقدر ما هي معنية بإمكانات التسويق".
مشاركة الأمهات
ليوني، وهي سيدة أعمال ألمانية تدير متجراً لبيع الملابس الكلاسيكية، وأم لطفل يبلغ ثلاث سنوات، ولدت ونشأت في ناميبيا، ولكنها تعيش وتعمل حالياً في مدينة كيل في شمال ألمانيا. ليوني التي ترشحت بعد رفع السن المسموح للمتسابقات، وكذلك بعد السماح بمشاركة الأمهات، وهي بادرة أخرى في هذه المسابقة، قالت بعد فوزها بلحظات، "أنا لستُ ملكة جمال"!
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهو تصريح عاطفي متواضع للملكة الجديدة التي توجت بعد منافسة مع 15 متسابقة أخرى يصغرنها بكثير، ويتفوقن عليها جمالاً وفق النظام القديم للمسابقة. وهذا التواضع بالذات يُعطي درجة نجاح كبيرة لهذه المسابقة، فهو دليل على نضج الشخصية التي تريد أن تقوم بأدوار "سفيرة للجمال" وليس سلعة للإتجار. لأن الفائزة استدركت وقالت، "أريد أن أمثل ألمانيا بأناقة وكرامة وجاذبية وقوة". وهذا يعني أملها الكبير بالفوز في مسابقة ملكة جمال العالم. وهنا يُمكننا طرح سؤال قد يؤثر على كل هذه التغييرات التي حصلت، والسؤال هو: هل تستطيع هذه المرأة الأم أن تتغلب على صغيرات ونحيلات وجميلات وملكات الدول الأخرى؟
إنه السؤال الذي لم يطرحه أحد على ماكس كليمر، ولم يجب عليه النقاد والصحافيون. ويكمن السبب ربما في أنهم يعرفون الجواب سلفاً في هذه المرة الأولى من المسابقة التي انطلقت في ألمانيا منذ عام 1927.
يشترط في هذه المسابقة أن تتراوح أعمار المتسابقات بين 18 و39 عاماً، وأن يحملن الجنسية الألمانية. ويمنع نشر صور عارية لأي متسابقة، وتمنع مشاركة من هن دون سن الثامنة عشرة.
ويذكر أن وصيفة وينلي كانت الطالبة الجامعية لارا رونارسون (22 عاماً) من ولاية بافاريا، بينما حصلت الطالبة الجامعية ميشيل آناستازيا ماساليس (23 عاماً) من هامبورغ على لقب الوصيفة الثانية.