عندما يفوّض حزبٌ طرفاً ما إعداد تقرير حول سبب كره الشبان له وتكون النتيجة أنّ ذلك سببه ارتياد معظمهم الجامعات حاضراً وأنهم ما عادوا أغبياء لدرجة التصويت له بعد اليوم، يكون الوقت قد حان للشعور بالهلع أو أن ذلك ما ستشعر به غالبيّة الأحزاب السياسيّة.
ولكن، لحسن الحظ، من نتكلّم عنه هو حزب المحافظين وحسب. ولمَ الهلع عندما يكون بوسعكم الحصول على تنافس على القيادة عوضاً عن ذلك؟
جدياً، أنا لا أؤلّف هذه المواضيع، بل أنني أقوم بسردها. تبرز خليّة تفكير جديدة ومُحافِظَة في المدينة اسمها "أونوارد" Onward (حرفيّاً: "إلى الأمام") وهي تستقطب أعضاء برلمانيّون من حزب المحافظين يصفون أنفسهم بأنهم على الموضة، ولكن يجب (يجب) أن يكونوا قد تجاوزوا الأربعين من العمر، ومنجذبين إلى رياضة الباركور وغناء الكاريوكي وتطبيقات هاتفيّة أعطوها أسمائهم الشخصيّة.
أراد هؤلاء أن يعرفوا أكثر بشأن مشاكل الشبّان، ولهذا أوكلوا مهمّة البحث والاستطلاع لأفضل محلّل سياسي شاب في المدينة، جيمس كاناغاسوريام.
لكن الخلاصة التي توصّل إليها فمفادها أنّه للأسف، بفضل توني بلير، ارتاد عديد من الشبّان الجامعات، ولم تعد تربطهم أمور مشتركة مع حزب المحافظين.
وأشار كاناغاسوريام إلى مشاكل محدّدة على غرار تاريخ الحزب الفخور باستمرار وقوفه إلى الجانب الخطأ من كلّ قضيّة اجتماعية برزت منذ إنشائه، مثل حقوق المثليين والموت الرحيم وغيرها من المسائل المشابهة. ولا ننسى أنّ هؤلاء الشبان المزعجين يكرهون بريكست بشكلٍ تام معتبرين أنّه يسلبهم حقوقهم، ويحدّ فرصهم في الحياة، ويجعلهم أفقر، وليس فيه جانب مشرق أو إيجابي على الإطلاق.
لهذا، اجتمع في حلقة نقاشٍ كلّ من مات هانكوك صاحب تطبيق "الشهرة" وبيني موردونت الداعمة لبريكست التي شوهدت آخر مرّة بوجهٍ جديّ تخبر غرفة مملؤة بصحافيين أنّ "بريكست هو عمل نبيل" (حظاً سعيداً في ترويج هذه الفكرة لدى الشبان الجامعيين يا بيني!) وتوم توجندات الشخصية الشبيهة بديفيد كاميرون الذي يتصوّر أنّ بإمكانه إيصال نفسه إلى "10 داونينغ ستريت" (مقرّ الحكومة البريطانية) بقوّة حبّ الذات وحدها.
ولكن عوضاً عن التعامل مع أزمتهم الوجوديّة الهائلة، لا شكّ أنّه سيكون من الأسهل لتلك المجموعة، واحداً تلو آخر، اختيار من ستتسنّى له فرصة أن يكون سادس رئيس حكومة مُحافِظ تمزّقه إرَباً الخلافات الداخليّة حول أوروبا؟
من بوسعه إلقاء اللوم عليهم؟ صار الناخبون على درجة عالية من التعليم تجعلهم لا يصوّتون لكم، وهذا موضوع شائك فعلاً ومن أكثر المسائل تجاهلاً. والتعليم هو أحد أصعب الأمور على التجاوز.
إنّ مهمّة جعل الأشخاص أكثر حماقة ليس بالأمر السهل أبداً، ولكن بفضل مارك فرانسوا وأوساطه الإعلامية اللامتناهية، إنّهم يبذلون قُصارى جهدهم (وسيقع عليه قريباً، نصيب أعلى في ذلك).
بوسعنا رؤية هذه الأزمة المرعبة من منظار الذروة الختامية لنهاية مدينة "نورفولك" التي استندت عليها رواية غراهام سويفت "ووترلاند". وفي الرواية، يُصوّر الابن البكر المحدود التفكير نسبياً لحارس القفل والذي يُعرف بلقب "رأس البطاطا" (المغفل) في الحقول يمارس الجنس مع دراجته النارية، فتصوّروا صدمة حارس- القفل إذا عاد يوماً ما ليجد ابنه "رأس البطاطا" جالساً بمحاذاة
النهر برفقة صديق يعرّفه على كتب حقيقية.
"لا تثقّفه!" يصرخ الأب، "لا تعلّمه كيف يقرأ!" ولكن فات الأوان، وما هي إلّا مسألة وقت حتى يعرف "رأس البطاطا" من خلال مذكرات أمّه الراحلة، أنّ نضالاته في الحياة ستتوقّف عند واقع أنّ أمّه وأباه كانا أخاً وأختاً بشكلٍ سري، ويرمي نفسه على الفور تحت الماء من دون عودة.
"إنّه خطأ توني بلير! لقد علّمهم كيف يقرأون! علّمهم كيف يقرأون"
ولذا، إننا ننتقل في تلك اللحظة المناسبة من "رأس بطاطا" إلى آخر. فيما كان هانكوك ورفاقه يخوضون تنافسهم المتأنّق المصغّر، شاء التوقيت المؤسف أن يوجد على بعد 40 ياردة منهم، مارك فرانسوا: الشخصية الصاخبة وغير المعروفة إلى ذلك الحين، وهو يبدو مُحاطاً بحاضنة هي البريكست نفسه، ويحتفي بولائمها الآن كذبابةٍ سمينة وكبراز كلبٍ ضخم.
مجدداً، أشير بأنني لا أؤلّف ذلك، بل إنّه ما حصل بالضبط. "كان حزب المحافظين أوّل ما تفكّرون فيه لدى تسلّمكم أوّل راتبٍ لكم. وهو الآن ما تفكّرون فيه عندما تحصلون على أوّلى البدلات الماليّة لوقود الشتاء"، بحسب قول مات هانكوك. لا بأس بتلك النكتة القصيرة!
وفي تلك اللحظة تحديداً وعلى بعد 40 ياردة، كان فرانسوا يجأر بشأن اليوم المنتظر أمام جمهور من المتقاعدين المحافظين الداعمين لبريكست.
متحدثاً من خلف منبرٍ ألصقت على أسفله صورة مارغريت تاتشر، وجّه فرانسوا رسالة للاتحاد الأوروبي. "إذا حاولتم إبقائنا فيه ضدّ إرادتنا، ستواجهون بسرعة بريطانيا العظمى الغادرة!" صرخ مزمجراً في مشهدٍ توحّد فيه ذقنه وبطنه في مزيجٍ من الغضب الشديد.
إنّها الاستراتيجية المتّبعة الآن، أن نُخيف الاتحاد الأوروبي كي يطردنا في وقتٍ مبكر، مع تهديداتٍ بالتصرّف كالأطفال الصغار الذين يعبثون بميزانياتهم وانتخاباتهم ويضعون الفيتو على سياساتهم.
كان بلداً عظيماً في يومٍ من الأيام وقد تحوّل إلى أضحوكة دوليّة على يد حزبٍ سياسي مقبل على عالمٍ لن يبقَ فيه من هو أحمق لدرجة التصويت لصالحه بعد اليوم.
© The Independent
