وعد رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، "بتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات"، غداة مصرع 28 شخصاً غرقاً داخل معمل للنسيج غمرته مياه الأمطار، ووصفته السلطات "بالسرّي"، بينما أثارت الفاجعة تساؤلات واستياء في البلاد.
ووقعت الحادثة صباح الإثنين 8 فبراير (شباط)، عندما غمرت مياه الأمطار الغزيرة قبو فيلا في حي سكني بمدينة طنجة شمال المملكة، كان يضمّ معملاً غير قانوني لصناعة الألبسة.
وارتفعت حصيلة الضحايا إلى 28 معظمهم نساء، وفق ما نقل مراسل وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر في السلطات المحلية في طنجة الثلاثاء، وهي الحصيلة نفسها التي أوردتها القناة العامة الثانية "دوزيم".
انطلاق التحقيقات
بدأ دفن الضحايا ليل الإثنين، بينما شمّعت السلطات الفيلا حيث وقعت الفاجعة، في إطار التحقيق القضائي في ملابسات الحادثة.
وأوضح القائد الجهوي للوقاية المدنية في طنجة، عبدالرحيم قباج، للقناة الثانية، "غمرت المياه فجأة الفضاء المغلق حيث وجد الضحايا أنفسهم محاصرين من دون أي منفذ إغاثة، مما أدى إلى وفاتهم غرقاً".
وأكد رئيس الحكومة في رسالة تعزية لأسر الضحايا، "سيتم تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات اللازمة، فهناك مغاربة أُزهقت أرواحهم ولا يمكن المرور على ما وقع مرور الكرام".
غضب وتساؤلات
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن التساؤلات تواصلت الثلاثاء في وسائل إعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حول كيف أمكن وجود هذا المعمل الذي وصفته السلطات "بالسرّي"، وسط حي سكني من دون علمها.
وقال رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، محمد بنعيسى، لوكالة الصحافة الفرنسية، "كيف يعقل أن يزود المعمل بالتيار الكهربائي المرتفع المخصص للمصانع من دون علم السلطات، بينما لا يمكن الحصول عليه من دون ترخيص منها".
وأضاف، "بحسب علمنا يوجد هذا المعمل منذ 10 سنوات وهو ليس الوحيد في طنجة. عاينا معامل أخرى لا تحترم أدنى شروط السلامة والتهوية، ظلت تعمل حتى أثناء وباء فيروس كورونا".
ماركات عالمية
من جانبه، أفاد فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في طنجة، بأن المعمل كان متخصصاً في "إنتاج أقمصة لماركات عالمية في مرآب تحت الأرض مساحته 150 متراً مربعاً، وعمقه 3.5 متر".
وطالبت الجمعيتان غير الحكوميتين بمحاسبة المسؤولين المحليين كافة، وكذلك شركة توزيع الماء والكهرباء بالمدينة (أمانديس)، التابعة للمجموعة الفرنسية "فيوليا".
وكان برلمانيون من الأغلبية والمعارضة نددوا الإثنين "بوجود مثل هذه الأماكن السرية وعدم احترام حقوق وسلامة العاملين"، مشددين على إجراء "تحقيق كامل وترتيب المسؤوليات كافة".
وقرأ النواب خلال جلسة أسبوعية للبرلمان الفاتحة ترحماً على "ضحايا لقمة العيش وشهداء الاقتصاد غير المهيكل".
الاقتصاد غير المنظم
وأعادت الفاجعة أيضاً إلى الواجهة إشكال الاقتصاد غير المنظم في المغرب، خصوصاً في قطاع النسيج الذي يُصنّع نحو 54 في المئة من منتجاته في معامل "لا تحترم المعايير القانونية"، وفق دراسة لنقابة رجال الأعمال (اتحاد مقاولات المغرب) عام 2018.
وقالت صحيفة "ليكونوميست" المتخصصة في الشؤون الاقتصادية الثلاثاء، "الاقتصاد غير المنظم يقتل مجدداً"، منبهة إلى أن "أكثر من 30 ألف شخص مهددون بينما السلطات غائبة". ودانت الصحيفة في افتتاحيتها "نموذجاً اقتصادياً قائماً على معامل للبؤس".
ويوظف قطاع النسيج الذي يعد استراتيجياً في الصناعة المغربية، نحو 27 في المئة من مجموع العاملين في القطاع الصناعي، بينهم 200 ألف في القطاع غير المنظم، بحسب معطيات رسمية.
حوادث العمل
وسبق أن تطرقت تقارير عدة إلى "ضعف وسائل المراقبة وعدم احترام معايير السلامة" في القطاع، وشددت دراسة لجامعة "ابن طفيل" في القنيطرة نُشرت العام 2019، على ضرورة "محاربة الرشوة وتفعيل الحوكمة الجيدة".
كما أثارت القضية مجدداً إشكال حوادث العمل في المغرب، التي تتسبب بنحو "ألفي وفاة سنوياً، وهو من بين أعلى الأرقام المسجلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، بحسب ما أوضح رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي الرسمي، أحمد رضا الشامي، الأسبوع الماضي.
وعزا تقرير للمجلس أهم أسباب ذلك إلى "ضعف تطبيق" القوانين ذات الصلة، والنقص الحاصل في الكفاءات المتخصصة، وكذلك محدودية إمكانات جهاز المراقبة.