أفاد بحث فلكي حديث بأنه يمكن الكشف عن وجود كائنات فضائية من طريق قياس التلوث الجوي في كواكب سيّارة غير الأرض.
وقد تفحّصت دراسة أجرتها وكالة "ناسا" الفضائية الأميركية وجود غاز ثاني أكسيد النيتروجين الناجم في كوكبنا الأرضي عن حرق الوقود الأحفوري.
إذا بدا أن نشوء حضارة تطورت إلى صناعات معتمدة على النفط أو الفحم يشكّل احتمالاً ضئيلاً، فإن إطلاق ذلك الغاز يُنسب أيضاً إلى مواد أخرى من بينها البرق وعمليات حيوية عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"على كوكب الأرض، ينجم معظم انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين من النشاط البشري في عمليات احتراق تشمل الغازات المنبعثة من المركبات ومحطات توليد الكهرباء العاملة بالوقود الأحفوري"، وفق رافي كوبارابو من "مركز غودارد لرحلات الفضاء" التابع لـ"ناسا" في غرينبيلت بولاية ميريلاند الأميركية.
وأضاف كوبارابو: "في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي ("التروبوسفير" التي ترتفع إلى ما يتراوح بين 10 و15 كيلومتراً أي ما يتراوح بين 6.2 و9.3 ميل، فوق سطح الأرض)، يسيطر ثنائي أكسيد النيتروجين الناشئ عن الأنشطة البشرية مقارنة بنظيره الناتج من مصادر غير بشرية. بناء عليه، قد يشير رصد هذا الغاز على كوكب ما قابل لاستضافة أشكال حيّة، إلى أنه يستضيف حضارة صناعية محتملة".
ربما يمثّل غاز ثاني أكسيد النيتروجين ما يسمّيه العلماء "بصمة تقنية" التي تنشأ عند وجود غاز ينبعث كمنتج ثانوي من عملية صناعية. يشبه ذلك ما يُعرف بالبصمة الحيوية التي تتكوّن من غازات كالأوكسجين والميثان المتأتية من نشاط عضوي.
ومع احتواء الكون عدداً هائلاً من الكواكب السيّارة، وكذلك بعدها الشاسع عنا، يحتاج العلماء إلى استخدام تلك المؤشرات التي يتسنّى قياسها عبر مسافات شديدة البعد عن الأرض، وذلك بغرض تحديد أي عوالم كونية تستحق الدراسة.
"تفحّصت دراسات أخرى مركبات "الكلوروفلوروكربون" (يرمز إليها بـ"سي إف سي") على اعتبار أنها بصمات تقنية محتملة، لأنها منتجات صناعية استخدمت على نطاق واسع كمادة مبرِّدة في الثلاجات والمبرّدات إلى أن أُلغي استعمالها تدريجاً بسبب تأثيرها في استنفاد طبقة الأوزون"، بحسب جاكوب حق ميسرا، أحد الباحثين الذين تولّوا إعداد الورقة البحثية في "معهد بلو ماربل لعلوم الفضاء"، بمدينة سياتل في ولاية واشنطن [وهي غير العاصمة الأميركية].
"في الواقع، تعتبر مركبات كلوروفلوروكربون أيضاً غازات دفيئة قوية يمكن استخدامها في "أرضنة" [بمعنى "استنساخ" الظروف العامة للكوكب الأزرق على كوكب آخر] كوكب كالمريخ عبر توفير درجات حرارة إضافية في غلافه الجوي. على حدّ علمنا، لا تنتج العمليات البيولوجية مركبات "كلوروفلوروكربون" بتاتاً، لذا تعتبر الأخيرة بصمة تكنولوجية أكثر وضوحاً بالمقارنة مع ثاني أكسيد النيتروجين. في المقابل، تمثّل مركبات "الكلوروفلوروكربون" مواد كيماوية مصنّعة شديدة الخصوصية ربما لا تكون منتشرة في أماكن أخرى. وبالمقارنة معها، يُعدّ ثاني أكسيد النيتروجين نتيجة ثانوية عامة لأيّ عملية احتراق."
واستخدم العلماء نماذج حاسوبية افتراضية كي يضعوا توقعات حول مدى قدرة ثاني أكسيد النيتروجين في أن ينتج علامة ما قد تُكتشف بواسطة التلسكوبات الحالية والمستقبلية، إذ يمتص هذا الغاز بعضاً من طيف الألوان التي يتميّز بها الضوء المرئي، ما يعني أن في المستطاع قياسه عبر مراقبة الضوء المنعكس من كوكب ما.
في حال وجود كوكب مشابه للأرض على بعد 30 سنة ضوئية، سيتسنّى رصده [ثاني أكسيد النيتروجين] خلال 400 ساعة بواسطة أحد تلسكوبات "ناسا" الفضائية الكبيرة. صحيح أن تلك مدة زمنية طويلة لدراسة كوكب واحد، لكن ذلك قد تحقّق سابقاً، إذ استغرق "تلسكوب هابل" Hubble Telescope التابع لـ"ناسا" أيضاً وقتاً مماثلاً في ما سُمّي "عمليات رصد حقل هابل العميق" التي ساعدت العلماء في دراسة "المادة المظلمة".
جيادا أرني من "مركز غودارد لرحلات الفضاء" التابع لـ"ناسا"، وهي باحثة مشاركة في الدراسة، ذكرت أنه "على كوكب الأرض، ينتج 76 في المئة تقريباً من انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين من أنشطة صناعية. إذا رصدنا غاز ثاني أكسيد النيتروجين على كوكب آخر، سيتعيّن علينا النهوض بنماذج افتراضية بغية تقدير الحد الأقصى المحتمل من انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين التي يمكن أن تتأتى من مصادر غير صناعية. إذا رصدنا مستويات من ثاني أكسيد النيتروجين أكثر مما يبدو منطقياً أن تطلقه مصادر غير صناعية، وفق تقديرات نماذجنا، فقد تُعزى الكمية المتبقية منه إلى نشاط صناعي".
"مع ذلك، لا تنتفي أبداً إمكانية التوصّل إلى إشارة إيجابية خاطئة في البحث عن حياة خارج الأرض. وسيقتضي الأمر الاضطلاع بأعمال في المستقبل، حرصاً على مصداقية التمييز بين المؤشرات الإيجابية الحقيقية ونظيرتها الخاطئة."
ويعرف أن استخدام ثاني أكسيد النيتروجين في عملية البحث عن عوالم فضائية، ينطوي على مزايا وصعوبات. لحسن الحظ، تنتج النجوم الأكثر برودة وشيوعاً من نجمتنا الشمس، كمية أقل من الأشعة فوق البنفسجية (التي يتفكك غاز ثاني أكسيد النيتروجين تحت تأثيرها)، من ثم تعزّز فرص العثور على حياة خارج كوكب الأرض.
ويمكن للسحب أو الرذاذ في الغلاف الجوي أن يحاكيا بصمة غاز ثاني أكسيد النيتروجين، ما يجعل اكتشافه أكثر صعوبة، مع الإشارة إلى أن الباحثين يطوّرون نماذج حاسوبية ثلاثية الأبعاد بغية رسم خريطة أكثر دقة للنتائج ومعالجة أوجه القصور المحتملة فيها.
نُشر البحث المشار إليه آنفاً على الإنترنت الثلاثاء 9 فبراير (شباط) في الأرشيف الإلكتروني "أركايف" arXiv.
© The Independent