يواجه رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي تمرداً سياسياً واسع النطاق، في ظل اتهامه بمحاباة ائتلافين برلمانيين، على حساب القوى الأخرى في مجلس النواب.
عبد المهدي يخسر الداعمين
تقول أوساط سياسية إن عدد الأطراف النيابية المؤثرة، التي تستمر في دعم حكومة عبد المهدي، انخفض إلى اثنين فقط، تشكل مقاعدهما معاً أقل من ثلث عدد مقاعد البرلمان العراقي. ما يشير إلى أن القوى الغاضبة يمكنها أن تحشد غالبية كافية لطرح الثقة في الحكومة.
وتضم الجبهة البرلمانية، التي تدعم حكومة عبد المهدي، تحالفَي "سائرون" الذي يتبع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، و"الفتح" الذي يقوده زعيم منظمة بدر هادي العامري. وهما يملكان معاً أقل من 100 مقعد في البرلمان العراقي، المكوّن من 329 نائباً، فيما تتشكل حالياً ملامح جبهة جديدة للمعارضة، تضم ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم وائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، بعدد مقاعد يصل إلى 80، وسط ترجيحات بزيادة هذا العدد مع الإعلان رسمياً عن تشكيل كتلة معارضة.
وتستند الأطراف التي تروج لجبهة المعارضة في البرلمان العراقي إلى حقيقة أن التنسيق بشأن الإشراف على أداء الحكومة وتعيين الوزراء، وتسمية وكلاء الوزارات والمديرين العامين، يقتصر على عبد المهدي والصدر والعامري.
وبعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو (أيار) الماضي، تنافس الصدر والعامري على تحقيق "الكتلة البرلمانية الأكبر"، التي يمنحها الدستور العراقي حق تشكيل الحكومة. فشكل الأول تحالف "الإصلاح"، وشكل الثاني تحالف "البناء".
وأدى تقارب أعداد النواب في التحالفين إلى نزاع بشأن من هي "الكتلة الأكبر"، لم يسفر عن فائز. لكن الصدر والعامري باغتا الأوساط السياسية باتفاق ثنائي على ترشيح عبد المهدي لتشكيل الحكومة، من دون تحديد الكتلة الأكبر.
واستمر تنسيق الصدر والعامري في اختيار أعضاء حكومة عبد المهدي، قبل أن يبدآ أخيراً في تدارس ترشيح آلاف الشخصيات لشغل مناصب حكومية متوسطة المستوى، لكنها مؤثرة في تسيير شؤون الدولة.
واعتبر تنسيق عبد المهدي مع كل من الصدر والعامري، من قبل الأطراف الأخرى، "تفرداً" في القرار السياسي. وكان المحرك الرئيس لجهود تشكيل كتلة برلمانية معارضة.
استحواذ على المناصب الكبيرة
يقول الغاضبون من عبد المهدي وحكومته وغطائها السياسي إن هناك اتجاهاً عاماً لقصر توزيع المناصب الحكومية المهمة على شخصيات موالية للصدر والعامري.
ووفق مراقبين، فإن كتلة المعارضة يمكن أن تتسع لتشمل جميع الغاضبين من عبد المهدي، بسبب استثنائهم من المشاركة فيها. وهذا يشمل عدداً كبيراً من النواب الطامحين إلى مناصب حكومية.
وخلال الأيام الماضية، بدأت ملاحظات الأطراف المعارضة على حكومة عبد المهدي بالخروج إلى العلن. ووجه صلاح العرباوي، القيادي البارز في تيار الحكيم، انتقادات حادة لتفرد "أطراف محددة" بالقرار السياسي لحكومة عبد المهدي، متجنباً الحديث عن الصدر والعامري بشكل واضح. لكن إشارته فُهمت في الأوساط السياسية على أنها موجهة إلى زعيمَي "سائرون" و"الفتح".
لكن العرباوي ينفي أن يكون تيار الحكيم يسعى إلى إسقاط حكومة عبد المهدي، مشيراً إلى أن هدفه "تقويم أدائها".
بالتزامن، أصدر تحالف النصر، بزعامة العبادي، بياناً عبّر فيه عن استغرابه من "انفراد" أطراف سياسية بعملية ترشيح الوزراء وموظفي الدرجات العليا في الحكومة.
العامري يسترضي الحكيم
سارع العامري إلى احتواء التداعيات بلقاء مع الحكيم. وقالت مصادر مواكبة إن العامري وعد الحكيم بأخذ ملاحظاته على القرار السياسي للحكومة في الاعتبار، فيما لوح الحكيم بخيار المعارضة، في حال مضت الأمور في هذا السياق.
ويعتقد السياسي العراقي حيدر الملا أن "تحالفَي سائرون والفتح يعتبران حكومة عبد المهدي انتقالية، وهي مرحلة موقتة لتعزيز النفوذ السياسي، بانتظار المرحلة المقبلة". ويشير إلى أن "المرحلة المقبلة، ستشهد هيمنة سائرون أو الفتح على الحكومة، لأن شراكتهما تكتيكية".
مع ذلك، يقول الملا إن "سائرون والفتح، هما أصلح الأطراف السياسية لرعاية حكومة عبد المهدي حالياً. فهما الطرفان الوحيدان اللذان يحكمان السيطرة على نوابهما".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد الملا أن أحد أبرز محرّكات المعارضة ضد حكومة عبد المهدي يتمثل في حزب الدعوة الإسلامية، بزعامة المالكي، الذي هيمن على الحكومة العراقية بين العامين 2005 و2018.
وبدأت هيمنة حزب الدعوة على منصب رئيس الوزراء في العراق في العام 2005، عندما شكل إبراهيم الجعفري حكومة استمرت حوالي عام واحد، قبل أن يتولى المالكي السلطة لفترتين من 2006 إلى 2014، ليسلمها إلى رئيس المكتب السياسي في الحزب، العبادي، الذي استمر حتى نهاية ولايته في 2018.
ويقول الملا إن "نجاح عبد المهدي في مهمته، سيدفع العراقيين إلى المقارنة مع مرحلة هيمنة حزب الدعوة على السلطة، وما ارتبط بها من فشل"، مشيراً إلى أن الحزب لا يستطيع تقبل حقيقة الخروج من السلطة التي أمسك بها طيلة 14 عاماً.
لماذا الصيف؟
يقول محللون سياسيون في بغداد إن الحراك السياسي الحالي ضد حكومة عبد المهدي يمكن أن يشتد خلال الصيف الحار في العراق، للاستفادة من الاحتجاجات المتوقعة ضد نقص إمدادات الطاقة.
ومنذ أعوام، تنطلق احتجاجات شعبية واسعة خلال أشهر الصيف في العراق. إذ تتراجع إمدادات الطاقة بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب على الكهرباء.
ويرى المحللون إمكان أن تتظافر الجهود السياسية والاحتجاجات الشعبية للتضييق على حكومة عبد المهدي خلال الصيف.