من عمليات البحث عن المواد المخدرة وصولاً إلى رصد الأمراض، يستفيد البشر من حاسة الشم القوية التي تتمتع بها الكلاب من أجل حل مشكلات يومية.
الآن، يفيد باحثون أنهم قد اقتربوا أكثر من أي وقت مضى إلى ابتكار "أنف كلب روبوتي" اصطناعي يملك حساسية أكبر مما لدى الكلاب، ومن شأنه أن يتشمم رائحة السرطان وكوفيد- 19.
إذ ذكر علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "أم آي تي" MIT، وجامعات ومنظمات عدة أخرى، أنهم ابتكروا نظاماً في وسعه اكتشاف المحتوى الكيماوي والميكروبي في عينة من الهواء، ما يمكنه من التعرف إلى أمراض مختلفة.
يأمل هؤلاء في أن تترجم النتائج التي توصلوا إليها نظاماً آلياً للكشف عن الروائح، يكون صغيراً إلى درجة أن في المستطاع إدراجه ضمن هاتف خليوي.
"لقد ثبت منذ 15 سنة أو نحوها، أن الكلاب أقدم أجهزة الكشف عن الأمراض وأكثرها دقة بالنسبة إلى أي شيء جربناه على الإطلاق"، وفق أندرياس ميرشين، الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وأضاف، "الآن، كشفنا أننا نستطيع فعل ذلك. أظهرنا أن ما يفعله الكلب يمكن استنساخه إلى حد ما".
واستطراداً، وجد فريقه أن الكلاب بدت قادرة على إبداء رد فعل تجاه عدد مختار من مرضى مصابين بأحد أنواع السرطان، ورصد أنواع أخرى من الأورام الخبيثة، على الرغم من أن أوجه التشابه بين العينات لم تكن واضحة بالنسبة إلى البشر.
في ذلك الصدد، ذكرت الدكتورة كلير غيست، كبيرة المسؤولين العلميين في "ميديكال ديتيكشن دوغز" Medical Detection Dogs (حرفياً، "كلاب الكشف الطبي") التي أشرفت على الدراسة، أنه "يمكن أن يشكل أنف الكلب مفتاحاً لطريقة أكثر دقة لا تتطلب إدخال أدوات طبية إلى الجسم، في التشخيص المبكر لسرطان البروستاتا".
في تطور متصل، اكتشف "فلورين" و"ميداس"، الكلبان المتدربان المتخصصان في الكشف عن السرطان، عبر تشمم عينات من البول، أنواعاً عدة من سرطان البروستاتا الشديدة الخطورة. وقد أنجزا ذلك بسرعة ودقة، حتى أنهما نجحا في التمييز بين تلك السرطانات من جهة وبول مأخوذ من مرضى يعانون أمراض بروستاتا أخرى غير سرطانية، من جهة أخرى. وأضافت الدكتورة غيست، "ينطوي ذلك على إمكانات هائلة، ومع الوقت يمكن ترجمة قدرة أنف الكلاب إلى جهاز إلكتروني".
وبصورة عامة، يُعزى امتلاك الكلاب تلك المقدرة المبهرة على الإحساس بالرائحة إلى وجود 300 مليون مستقبل شمي في أنوفها.
ولا يملك البشر سوى ستة ملايين منها. ويعني ذلك، وفق ميرشين، أنه في مقدور الكلاب التعرف إلى "السرطانات التي لا تجمع بينها أي بصمات جزيئية حيوية متماثلة" [إشارة إلى اختلاف تراكيبها الجينية]. واستفاض في شرحه، مشيراً إلى أنه "إذا حللت عينات من، لنقل مثلاً، سرطانات جلد، ومثانة، وثدي، ورئة، كل الأنواع السرطانية التي ثبت أن الكلب قادر على اكتشافها، نجد أنه لا خصائص مشتركة تجمع بينها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبشكل عام، يعمل فريق ميرشين على نظام كاشف مصغر يشتمل على تلك المستقبلات الشمية، يكون في المستطاع تشغيله باستخدام هاتف ذكي عادي.
وثمة اعتقاد بأن هذه التقنية أكثر حساسية بـ200 مرة في التمكن من اكتشاف والتعرف إلى آثار صغيرة جداً لجزيئات مختلفة، بالمقارنة مع أنف الكلب، بيد أنها في المقابل "أكثر غباءً بـمئة في المئة" في ما يتعلق بتفسير ما الذي تخبئه وراءها تلك الروائح.
في هذا الصدد، أوضح ميرشين أنه "عندما تشم كوباً من القهوة، لا ترى قائمة بالأسماء والتركيزات، تشعر بإحساس متكامل. أن هذا الإحساس بالطبيعة المميزة للرائحة هو ما يمكن للكلاب أن تستخلصه".
وفي سياق الدراسة المشار إليها آنفاً، جرى تفحص 50 عينة من البول لحالات مؤكدة من سرطان البروستاتا، وعينات معروف أنها خالية من المرض. وتمكن النظام الاصطناعي من منافسة "فلورين" (من نوع "لابرادور" وعمره أربع سنوات)، و"ميداس" (من نوع "فيزلا" وعمره سبع سنوات). وقد حقق الكلبان و"الأنف الآلي" نسبة نجاح تخطت 70 في المئة.
وفي تعليق على ذلك، أوضح ميرشين أنه ذات يوم يمكن استخدام أجهزة كشف من ذلك النوع بهدف التقاط العلامات المبكرة للمرض "قبل سنوات من أن يلحظها الطبيب"، بل يمكن حتى إدخال تعديلات عليها [الأنوف الروبوتية] كي تصبح قادرة على التحذير من الدخان أو تسرب الغاز.
في ذلك المنحى، أوضح ميرشين أن اهتمامه بهذا البحث تبدى أثناء دراسة تتعلق بالكشف عن سرطان المثانة، عندما حدد كلب مراراً وتكراراً أحد أفراد المجموعة على أنه مصاب بالمرض، على الرغم من تأكيد الأطباء أنه لا يشكو من سرطان.
وهكذا، طلب المريض فحوصاً إضافية بعد رد فعل الكلب، فتبين أنه في مرحلة مبكرة جداً من المرض.
نشرت النتائج التي صدرت بمشاركة "ميديكال ديتيكشن دوغز" في المملكة المتحدة، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، و"جامعة جونز هوبكنز" الأميركية، و"مؤسسة سرطان البروستاتا" Prostate Cancer Foundation في كاليفورنيا، ومجموعات أخرى عدة، في مجلة "بلوس وان" PLOS One العلمية المتخصصة.
© The Independent