شكلت قضايا موقع أميركا في قيادة العالم ومواجهة روسيا وإيران والصعود الصيني ومكافحة وباء فيروس كورونا، أبرز مسائل النقاش في مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن، الذي عُقد عبر الإنترنت، يوم الجمعة 19 فبراير (شباط) الحالي، ووفّر المنصة لأول ظهور للرئيس الأميركي الجديد جو بايدن على الساحة العالمية.
واستغل بايدن، الذي أدى اليمين الرئاسية قبل شهر "زيارته الافتراضية" إلى أوروبا لرسم خط شديد التناقض مع السياسة الخارجية لسلفه دونالد ترمب الذي تعرض للاستهزاء، فحث الديمقراطيات على العمل معاً لمواجهة الانتهاكات التي ترتكبها الدول الشمولية، مثل الصين وروسيا، في محاولة لإعادة الولايات المتحدة كلاعب ضمن فريق متعدد الأطراف بعد أربع سنوات من سياسات "أميركا أولاً" التي انتهجها الرئيس الجمهوري السابق، مثيراً غضب حلفاء واشنطن بخرقه الاتفاقات العالمية وتهديداته بإنهاء المساعدة الدفاعية ما لم يلتزموا بسياساته.
وفي خطابه أمام مؤتمر ميونيخ، حدد بايدن الخطوط الرئيسة لتطور الدبلوماسية الأميركية: خطاب أكثر صرامةً ضد روسيا، ورغبة في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وتقديم ضمانات للحلفاء. وقال "أعرف أن السنوات القليلة الماضية أدت إلى توتر، واختبرت علاقتنا عبر الأطلسي، لكن الولايات المتحدة عازمة على إعادة التواصل مع أوروبا، وعلى التشاور معكم واستعادة مكانتنا في القيادة الموثوق بها".
"أميركا عادت"
وقبل عدة سنوات، كمواطن عادي في مؤتمر ميونيخ للأمن، طمأن بايدن المشاركين الذين صدمتهم سياسة ترمب، قائلاً لهم "سنعود". والجمعة، قال للجمهور الافتراضي عبر الإنترنت "أميركا عادت".
وقال الرئيس الأميركي إن الشراكات مع الولايات المتحدة استمرت ونمت على مر السنين لأنها "كانت متجذرةً في ثراء قيمنا الديمقراطية المشتركة. إنها ليست معاملات تجارية. إنها ليست استنزافية. إنها مبنية على رؤية للمستقبل، حيث يكون لكل صوت أهمية". وأكد أن الديمقراطية تواجه تهديدات في أماكن عدة بينها الولايات المتحدة وأوروبا، مشيراً إلى أن المعركة مع الاستبداد باتت في "مرحلة حاسمة"، ومشدداً على ضرورة الدفاع عن الديمقراطية، و"تعزيزها وتجديدها".
وأضاف بايدن أن الولايات المتحدة ملتزمة تماماً بحلف شمال الأطلسي ومبدأ أن أي هجوم على عضو واحد في الحلف هو هجوم على الجميع.
مواجهة روسيا وإيران والصين
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد الرئيس الديمقراطي على ضرورة وقوف حلفاء الولايات المتحدة بحزم في مواجهة التحديات التي تمثلها الصين وإيران وروسيا، مؤكداً أن موسكو تسعى لإضعاف التحالف عبر الأطلسي، وداعياً إلى الوحدة لمواجهة ما وصفه بالممارسات الاقتصادية التعسفية للصين.
وفي حين قال إن إدارته "مستعدة لإعادة الانخراط في المفاوضات" مع مجلس الأمن الدولي في شأن برنامج طهران النووي، أكد أن "علينا أن نتعامل مع أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في أنحاء الشرق الأوسط. سنعمل مع شركائنا الأوروبيين وغيرهم بينما نمضي قدماً".
وحض بايدن حلفاء بلاده على العمل معاً لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الصينية، قائلاً "علينا الاستعداد معاً لمنافسة استراتيجية بعيدة الأمد من الصين. علينا ضمان أن تتم مشاركة فوائد النمو بشكل واسع وبالتساوي، ليس من قبل البعض فقط. يمكننا مواجهة انتهاكات الحكومة الصينية الاقتصادية والإكراه وتقويض أسس النظام الاقتصادي العالمي".
كذلك أعلن البيت الأبيض الجمعة أن بايدن تخلى عن خطة طرحها سلفه دونالد ترمب لدعوة روسيا للانضمام إلى مجموعة السبع.
وأفادت المسؤولة الإعلامية جين ساكي الصحافيين المسافرين مع بايدن على متن طائرة الرئاسة "لا أعتقد أننا سنوجه دعوات جديدة إلى روسيا أو نكرر دعوات جديدة لروسيا". وتابعت "من الواضح أن الدعوة ستتم بالشراكة مع شركائنا في مجموعة السبع".
وفي هذا السياق، حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، من أنه على الحلفاء الغربيين وشركائهم إقامة علاقات أقوى في مواجهة "عواقب" صعود الصين على الأمن عبر الأطلسي. وقال إن "صعود الصين يعد مسألةً مصيرية بالنسبة للمجتمع الأطلسي مع عواقب محتملة على أمننا وازدهارنا وأسلوب حياتنا، لذلك ينبغي على حلف شمال الأطلسي تعميق العلاقات مع شركائنا المقربين، مثل أستراليا واليابان، وإقامة علاقات أخرى حول العالم".
جونسون: أميركا عادت لقيادة العالم الحر
وتعليقاً على خطاب الرئيس الأميركي، رأى رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أن بايدن أعاد الولايات المتحدة إلى قيادة العالم الحر بخطوة رائعة ساعدت الغرب على الاتحاد.
وقال جونسون في مؤتمر ميونيخ "كما رأيتم وسمعتم آنفاً، أميركا تعود بشكل كامل إلى قيادة العالم الحر، وهذا أمر رائع". وأضاف "وصل الظلام إلى مستوى مبالغ فيه. ونحن نطوي صفحة، وتتجمع الدول التي نطلق عليها اسم الغرب، وتوحد مجدداً قواها وخبراتها الهائلة".
وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بدورها، إن بلادها مستعدة لبدء "فصل جديد" في العلاقات عبر الأطلسي تتبع فيه الولايات المتحدة وأوروبا أجندةً مشتركةً.
وقالت ميركل لمؤتمر ميونيخ "وفقاً لمبادئنا وقيمنا وإيماننا بالديمقراطية وقدرتها على التحرك، فإننا نملك أساساً كبيراً وجيداً. علينا فعل الكثير وألمانيا مستعدة لفصل جديد عبر الأطلسي".
ماكرون يدعو لمنح أفريقيا 13 مليون جرعة لقاح
وحظي الأمن الصحي بمساحة في مؤتمر ميونيخ للأمن، إذ دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الدول الغربية لتقديم 13 مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا إلى الحكومات الأفريقية "في أسرع وقت ممكن"، أو المخاطرة بفقدان نفوذها لصالح روسيا والصين.
وقال أمام مؤتمر ميونيخ عبر الفيديو من باريس "لدى القارة الأفريقية 6.5 مليون عامل في مجال الصحة. تحتاج إلى 13 مليون جرعة لحمايتهم والسماح لأنظمتهم الصحية بالصمود" في ظل أزمة كوفيد-19.
وأشار إلى أن هذه الكمية لن تشكل إلا 0.43 في المئة من مخزونات الغرب من اللقاحات، لكن من شأنها أن تحدث فرقاً بالنسبة للدول الأفريقية التي تكافح لحماية مواطنيها.
وحذر ماكرون من أنه في حال لم تصل الجرعات التي تعهدت بها الدول الأغنى في غضون أقل من ستة إلى 12 شهراً "سيتعرض أصدقاؤنا الأفارقة إلى ضغوط من قبل شعوبهم، وبشكل محق، لشراء جرعات الصينيين والروس أو مباشرةً من المختبرات". وتابع "وستكون قوة الغرب، الأوروبيين والأميركيين، بذلك مجرد مبدأ لا واقع".
ورأى الرئيس الفرنسي أن التبرع باللقاحات سيكون بمثابة دليل ملموس على التحرك عبر الأطلسي باتجاه عولمة "مفيدة" تعكس "رغبة مشتركة بالدفع قدماً بالقيم ذاتها ومشاركتها". وقال "إذا أردنا أن تنجح عولمتنا علينا التعامل مع مشكلة عدم المساواة في مجتمعاتنا ومع جيراننا".
وتأتي دعوته بعدما تعهدت فرنسا مع باقي دول مجموعة السبع بمبلغ قدره 7.5 مليار دولار لدعم عملية إطلاق اللقاحات في الدول الأفقر.
المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، قال من جهته، إنه "سعيد" بآخر التعهدات لصالح "كوفاكس"، لكنه شدد على ضرورة تقديم تبرعات أخرى. وقال خلال مؤتمر ميونيخ للأمن "الإنصاف في اللقاحات ليس فحسب الشيء الصائب الذي يجب القيام به، بل هو الخيار الذكي أيضاً".