بدأت الضجة التي أثارتها حادثة تعرض موكب وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا تخفت، في انتظار الحقيقة الكاملة حول ما حدث: هل هي محاولة اغتيال؟ أم حادث عرضي بسبب مناوشة بين حرسه الخاص وقوة أمنية يعلم الجميع معارضتها له؟
ومع إصرار باشاغا في تصريحات جديدة على تعرضه لمحاولة اغتيال خطط لها بدقة، فإن الحادثة دفعت كثيراً من الأصوات المحلية والدولية إلى "الدعوة من جديد لحل الكتائب غير النظامية"، خصوصاً في طرابلس، واحتكار الدولة السلاح فور تسلم الحكومة الجديدة مهامها.
وبعودة الهدوء إلى العاصمة، جرت النقاشات السياسية في ليبيا حول التشكيلة المرتقبة للحكومة الجديدة والأسماء المطروحة لتولي المناصب الوزارية فيها، وهل تكون مصغرة أم موسعة؟ وقبل هذا وذاك، هل ينجح مجلس النواب في عقد جلسة موحدة قريباً تمنح الثقة لهذه التشكيلة الوزارية التي ينتظر الكشف عنها بداية الأسبوع المقبل؟
باشاغا يتمسك برواية الاغتيال
أصر وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق فتحي باشاغا، على الرواية التي وردت في بيان وزارته الصادر الأحد الماضي، التي أفادت بأن الحادثة التي تعرض لها بطريق جنزور في طرابلس "كانت محاولة لاغتياله"، التي وصفها باشاغا بأنها "خطط لها جيداً"، سارداً تفاصيل ما حدث لموكبه بقوله، إن "سيارة مصفحة أطلقت النار على رتله في جنزور، ما دفع الحرس الخاص إلى محاولة إبعاد السيارة عن الرتل، وأدى إلى انقلابها".
وأوضح أن "أحد حراسه أصيب خلال تبادل إطلاق النار مع المجموعة التي هاجمت رتله، بينما قتل شخص من المهاجمين وقبض على اثنين آخرين كانا بصحبته"، مؤكداً أن "هذه العملية مخطط لها، ولم تحدث مصادفة".
وكان جهاز دعم الاستقرار، التابع لوزارة الدفاع في حكومة الوفاق، الذي ينتمي إليه العنصر الذي قتل على يد الحرس الخاص لباشاغا، قد نفى التفاصيل الواردة في بيان الداخلية، وقال إن "حرس الوزير هم من بادروا بإطلاق الرصاص، عندما صودف مرور سيارة تابعة للجهاز مع مرور موكبه".
جمع السلاح المنفلت
بعيداً عن تفاصيل الحادثة، فإن دلالتها الخطيرة جعلت القلق يتسرب إلى نفوس كثيرين، من احتمال مساهمة السلاح المنفلت والكتائب المتصارعة على النفوذ في طرابلس، بعرقلة مسار المفاوضات الليبية وعودة الاحتكام إلى السلاح، بعد فترة من التهدئة، نجحت الأطراف الليبية في استغلالها لوضع خريطة طريق تنهي أزمة البلاد، وتفضي إلى انتخابات عامة نهاية العام الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وصرح المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، يان كوبيتش، بأن "ما حدث في طرابلس يذكر بأهمية جمع السلاح بيد الدولة فقط". وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي والبعثات الدبلوماسية للدول الأعضاء في الاتحاد لدى ليبيا، إن "مثل هذه الأعمال تذكير قوي بالعمل المهم الذي لا يزال يتعين القيام به في تفكيك الجماعات الإجرامية، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومنح السيطرة الكاملة على قطاع الأمن للسلطات الشرعية".
ودعت البعثات، في بيان مشترك، جميع الأطراف الفاعلة إلى "التهدئة ووقف التصعيد" في هذا الوقت الحساس، مع إجراء "تحقيق شامل لتحديد المسؤولين عن هذا الحادث الخطير".
جريمة حقيقية أم قصة مفبركة؟
وانقسمت آراء المراقبين في ليبيا حول التوصيف الحقيقي للحادثة، وهل هي محاولة اغتيال أم حادث نجح باشاغا في استغلاله للدعاية لنفسه؟ واعتبر المحلل السياسي جمال عبد المطلب أن الفرضية التي تبناها وزير الداخلية صحيحة وأن باشاغا نجح في بسط الأمن بطرابلس وفي تطوير الوزارة والتنسيق مع الغرب خصوصاُ الولايات المتحدة وفرنسا، إضافة إلى زيارته مصر أخيراً ما يزعج رئيس حكومة الوفاق فايز السراج.
ووصف عبد المطلب العاصمة بأنها "باتت من أكثر المناطق أمناً في ليبيا، خصوصاً منطقة جنزور التي يوجد فيها باشاغا"، منتقداً إنشاء السراج جهازاً أمنياً جديداً تحت مسمى "دعم الاستقرار" من دون تنسيق مع وزير الداخلية، ودعم الجهاز بالأموال على الرغم من عدم أهميته.
أما رئيس حزب الائتلاف الجمهوري عز الدين عقيل، فيرى أن ما حدث "قصة مفبركة"، مؤكداً أن "موكب الوزير هو الذي ارتكب جريمة ضد مواطنين أبرياء"، موضحاً "باشاغا شعر بأنه سيخرج خالي الوفاض بعد خسارته السياسية في جنيف، لذا يسعى للفت النظر بأي شكل من الأشكال، حتى لو اضطر لإشعال حرب عصابات في طرابلس، إلا أنه لن ينجح في ذلك".
الشتات النيابي
وفي سياق آخر، تواصلت المشاورات بين الصفين البرلمانيين المنقسمين في طبرق وطرابلس، لعقد جلسة موحدة مكتملة النصاب الأسبوع المقبل، للنظر في التشكيلة الحكومية التي سيعرضها رئيس الحكومة الموحدة عبد الحميد الدبيبة على المجلس لنيل الثقة.
وفي خطوة جديدة لإنهاء الشتات البرلماني، وصل النائب الثاني لرئيس مجلس النواب أحميد حومة، وعدد من النواب من طبرق إلى طرابلس، أمس الاثنين، لإجراء مشاورات مع نظرائهم في العاصمة بهذا الخصوص.
وقال عضو مجلس النواب ولجنة الصياغة القانونية بملتقى الحوار السياسي زياد دغيم، إنه "لا يحق لرئيس الحكومة عبد المجيد الدبيبة تقديم تشكيلته الحكومية للبرلمان، إلا بعد مصادقة مجلس النواب على مخرجات ملتقى الحوار السياسي، كبند أول في الجلسة المقبلة".
وشدد دغيم على أن "تكون هذه الجلسة صحيحة قانونياً مكتملة النصاب، بالرئاسة الشرعية المتمثلة في رئيس مجلس النواب أو النائبين معاً، وفي المقر القانوني الحالي بمدينة سرت"، مضيفاً "من دون الحصول على هذه المصادقة كبند أول في جدول الأعمال لا شرعية لتشكيل الحكومة أو تقديمها لنيل الثقة".
وتابع "البرلمان حسب الاتفاق السياسي ملزم بالتتابع، بالالتئام القانوني، ثم المصادقة على الاتفاق السياسي وبنوده، وصولاً للباب الرابع والسلطة الجديدة وحكومة الوحدة الوطنية، وكل ذلك خلال 21 يوماً، بدأت منذ تبادل الرسائل بين البرلمان والرئيس المكلف، وتنتهي في الـ14 من مارس (آذار)، وإلا تقدم التشكيلة الحكومية لملتقى الحوار السياسي للمصادقة عليها".
في المقابل، قال عضو مجلس النواب عبد السلام نصية، إنه "لا يمكن القبول باستخدام قضية التئام مجلس النواب أو منح الثقة للحكومة كورقة لابتزاز رئيس الوزراء المكلف، للحصول على منصب وزاري أو وظيفة عليا"، مضيفاً "سنكشف ذلك لليبيين في حالة ثبوته".
واتهم نصية شخصيات، لم يسمها في البرلمان، بتقديم المصلحة الشخصية على المصالح الوطنية العليا، قائلاً "على البعض أن يكف عن الأنانية الشخصية المقيتة، والتصرف بطريقة انتهازية على حساب الدماء والأشلاء والدمار الذي يعم البلاد".