وُصِف الحكم بأنه "مفصلي" لاقتصاد العمل المؤقت (أو العمل الحر من دون عقد) – لكن ما المجالات الجديدة التي يغطيها تحديداً؟ فالمحكمة العليا (البريطانية) قضت الأسبوع الماضي بأن مجموعة من 35 سائقاً يعملون مع (شركة) "أوبر" اتخذوا إجراءات قانونية ضد الشركة لم يكونوا "موظفين لحسابهم الخاص" وما كان ينبغي لهم أن يُعامَلوا على هذا النحو من قِبَل شركة التكنولوجيا التي تتخذ من وادي السيليكون مقراً، على رغم ما يرد في عقودهم.
ومن ثم يحق لهم قانوناً الحصول على مزايا مثل الإجازة المدفوعة الأجر والحد الأدنى للأجور.
من المؤكد أن الحكم انتصار لهؤلاء العاملين وهزيمة لـ"أوبر"، التي فشلت في محاولتها الأخيرة إلغاء أحكام قضائية سابقة وبالأثر نفسه. وسيجب عليها صرف تعويضات لهؤلاء العاملين. لكن ماذا يعني الحكم لاقتصاد العمل المؤقت (او العمل الحر) gig economy الأكثر اتساعاً وأولئك الذين يعملون فيه – وهي مجموعة تشمل الآن وفق بعض التقديرات حوالى واحد من كل 10 من البالغين ممن هم في سن العمل (في بريطانيا وحدها)؟
الإجابة المحبطة مفادها أن معناه لا يزال غير واضح. اقترحت "أوبر" أن الحكم لن تكون له آثار كبيرة في أعمالها، قائلة إنه ألغى بالفعل بعض شروطها المثيرة للجدل على السائقين البريطانيين منذ عرض القضية للمرة الأولى عام 2016.
ويمكنهم الآن، مثلاً، الاطلاع على سعر الطلب المحجوز ووجهته قبل قبوله على التطبيق ولن يواجهوا أي عقوبات لرفض الرحلات.
لكن الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا بأن هؤلاء السائقين يعملون رسمياً مع "أوبر" ما داموا يسجلون دخولهم إلى التطبيق (وليس فقط عندما يحملون راكباً يدفع ثمن رحلته) قد يكون بالغ الأهمية من الناحية المالية.
وإذا طُبِّقت هذه القاعدة على كل سائقي "أوبر" الذين يبلغ عددهم 65 ألف سائق في المملكة المتحدة، قد ترفع التكاليف الإجمالية للشركة.
وقد تعمل (هذه) القاعدة للحد من الميزة التنافسية التي تتمتع بها "أوبر"، وفي نهاية المطاف الحد من عدد السائقين العاملين لديها. ويجب ألا يكون ذلك مدعاة للأسف بقدر ما كان انتشار "أوبر" في كل مكان في شوارع المدن البريطانية نابعاً من سائقين يعانون نقصاً في الأجور ونقصاً في الحماية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن ما لا يفعله الحكم على رغم ذلك هو تغيير الغموض الجوهري القائم حول الوضع القانوني للعاملين في اقتصاد العمل المؤقت.
فبموجب القانون يظل هناك انقسام من ثلاثة مستويات في وضع الأشخاص الذين يعملون – "الموظفون"، و"العاملون"، و"العاملون لحسابهم الخاص" – مع حقوق مختلفة تتمتع بها كل فئة.
وسيظل ثمة التباس حول الفئة التي يقع الأفراد فيها، لا سيما مع توسع اقتصاد الخدمات الرقمية بما يولّد مزيداً من الوظائف التي تُنفَّذ من خلال التطبيقات.
واقترح بعض المحامين أن هذا الحكم إشارة إلى أن المحاكم ستتدخل لحماية حقوق العاملين المؤقتين بصرف النظر عمّا يرد في عقودهم. ويتوقع آخرون أن تفتح هذه القضية الباب أمام العديد من القضايا القانونية الأخرى التي يرفعها عاملون في اقتصاد العمل المؤقت (أو العمل الحر).
وقد يحصل ذلك. وإذا كان من شأن ذلك أن يدفع شركات التكنولوجيا إلى الابتعاد عن المجازفة بمحاولة خفض أجور العاملين لديها والتضييق على ظروفهم (وحقوقهم) باستخفاف، سيكون موضع ترحيب.
لكن من الأفضل أن تكون الحكومة أكثر مبادرة في تحديد الحقوق والتوقعات التي يتمتع بها العاملون في اقتصاد العمل المؤقت gig economy حتى لا تستسلم الشركات لإغراء ممارسة هذه اللعبة.
فهذا الحكم القضائي لا يحل توتراً أساسياً أو ضمنياً. وفي حين يشعر بعض العاملين، وفي شكل مشروع، بأنهم مستغَلّون من قِبَل شركات التكنولوجيا، يقدّر آخرون في شكل حقيقي الحرية والمرونة التي توفرها لهم تطبيقات مثل "أوبر" في توقيت عملهم وطريقته (ويتولى العديد منهم هذا العمل لتحقيق مكاسب تضاف إلى مكاسبهم المادية من وظائف أخرى يشغلونها).
ويتلخص التحدي الصعب جداً في الحصول على صفقة أفضل للعاملين غير الراضين مع الحفاظ على المزايا التي يتمتع بها العاملون الراضون. وهذه ليست مشكلة جديدة. فقد تناولت "مراجعة تايلور" المستقلة عام 2017 – بتكليف من تيريزا ماي (رئيسة الحكومة السابقة)– الأمر في شكل مباشر.
ودعت تلك المراجعة إلى إعادة تسمية الفئة القديمة والمحيرة "عامل" باسم "متعاقد معتَمِد" وإلى تحديد وضع هذه الفئة وحقوقها بوضوح في القانون.
واقترحت أيضاً على الحكومة تكييف التشريعات الخاصة بأسعار القطعة، لضمان حصول المتعاقدين المعتَمِدين على معدل أعلى من الحد الأدنى للأجور (في المتوسط)، مع الحفاظ على المرونة المفيدة للعاملين والشركات.
لكن الحكومة رفضت اقتراح أسعار القطعة ولم تتصرف حتى الآن لتعزيز تحديد تعريف وضع العاملين وحقوقهم في القانون.
وما زلنا ننتظر تبلور التفاصيل الخاصة بهيئة التنفيذ الموحدة لحقوق العاملين – الموعودة في خطاب للملكة عام 2019.
وتجلت العواقب المترتبة على هذا الإهمال التاريخي لرفاه العاملين في هذه الأزمة. ولم تفرض إدارة الصحة والسلامة أي عقوبات على مخالفة الشركات لشروط الأمان في مواجهة كوفيد منذ بدء الجائحة، على رغم ورود آلاف الشكاوى.
وفي حين تتغاضى الحكومة عن الأمر وتراوغ، تولت المحاكم زمام الأمور بدلاً عنها. وتتمثل المشكلة في أن المحاكم غير قادرة بمفردها على معالجة التحديات والمفاضلات الاقتصادية المعقدة الناجمة عن صعود اقتصاد العمل المؤقت (أو العمل الحر).
© The Independent