حرك إعلان الرئيس تبون حل "المجلس الشعبي الوطني" المياه الراكدة داخل الأحزاب التقليدية التي تراجعت إلى الوراء منذ بداية الحراك الشعبي في 22 فبراير (شباط) 2019، بعد أن طاولتها الاتهامات بارتباطها بنظام بوتفليقة، والتواطؤ في عدد من قضايا الفساد والنهب.
وعادت التشكيلات السياسية المعروفة بصناعة المشهد في الجزائر إلى الظهور مجدداً بعد "اختفاء تكتيكي"، ونشطت أجهزتها، واستنفرت قواعدها، استعداداً للاستحقاقات المزمع تنظيمها في يونيو (حزيران) المقبل، وباتت تصدر البيانات مع كل مناسبة داخلية أو إقليمية، وتنظم اللقاءات الإعلامية، وتجدد مكاتبها، وتشارك في أنشطة عدة.
أكبر حزب يتبرأ من العهدة الخامسة
وفي السياق ذاته، حاول الأمين العام لجبهة التحرير، أبو الفضل بعجي، تبرئة حزبه من الدعوات لعهدة خامسة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وأبرز أن جبهة التحرير التي ساهمت منذ الاستقلال في بناء البلاد يستحيل أن تكون سبباً في خرابها، واصفاً من دعم العهدة الخامسة تحت غطاء حزبه، بـ"الدخلاء" الذين لا يمثلون التشكيلة السياسية التي يقودها، وشدد على أن جبهة التحرير قدمت رؤيتها إزاء مشروع القانون العضوي للانتخابات، وتتعهد بأن لا يبقى مكان لأصحاب المال الفاسد في قوائمها الانتخابية، بل على العكس ستكون الانتخابات البرلمانية القادمة فرصة لإبراز الكفاءات المهمشة.
واتهم بعجي أطرافاً داخلية بالتحالف مع قوى خارجية، واستعمال أجندات سياسية خلال الاحتفال بذكرى اندلاع الحراك الشعبي، مضيفاً أن "الشعب الجزائري قام بهبة شعبية في 22 فبراير (شباط) 2019، من أجل قول لا للعهدة الخامسة"، مشدداً على أن صاحب السلطة هو الشعب، والذي سيدلي بكلمته خلال الانتخابات البرلمانية القادمة.
"حليف" بوتفليقة يغازل الشارع
في المقابل، دعا الأمين العام للتجمع الديمقراطي، الطيب زيتوني، إلى التوجه نحو تنظيم انتخابات تشريعية في أقرب الآجال، وعدم الاستماع لأصوات دعاة التأجيل والمرحلة الانتقالية، موضحاً أن حزبه مستعد للمرحلة الجديدة من خلال الانخراط في مسار بناء الدولة الجديدة ومرافقة الرئيس تبون، وأكد أن حزبه قوة سياسية، وقوة بناء تسير مع كل الخيرين، وترفض الإقصاء والتغييب، على الرغم مما كان من أخطاء واختلالات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخاطب زيتوني الطبقة السياسية بضرورة تجاوز الخلافات وتوزيع التهم، والالتفاف حول مشروع وطني بوعي جماعي، داعياً إلى فتح نقاش فعلي واسع موضوعي يتجه لمعالجة قضايا الأزمة التي تعيشها البلاد، والتي تسببت فيها الطبقة السياسية نفسها، واعترف بأن الطبقة السياسية والجمعيات وفئات المجتمع المدني "فشلت في لعب الدور المنوط بها بعد أن تحولت في كثير من الأحيان لطبقة انتهازية، قبل أن يغير حراك 22 فبراير كثيراً من المفاهيم والأفكار والسياسات، ويمكن الشعب من تقرير مصيره، ويعيد الأحزاب التي كانت مختطفة لأبنائها، وقد كان الحراك نعمة على البلاد وطبقتها السياسية والدولة الجزائرية ككل، بعد أن وضع حداً للعبث وللقوى اللا دستورية، وأسقط العهدة الخامسة".
الإسلاميون والتطرف العلماني
من جانبه، حذر رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية، عبد الرزاق مقري، من مؤامرة يقودها التيار العلماني المتطرف لمنع الانتخابات وفرض مرحلة انتقالية تتوافق مع أجندتهم التي تتقاطع مع مصالح جهات أجنبية، مؤكداً أن الحوار الذي جمعه بالرئيس تبون، كان من أجل مصلحة البلاد، وليس لمصلحة حزبية، وكشف عن أنه حصل على التزام من الرئيس بضمان نزاهة الانتخابات التشريعية المقبلة.
وأضاف مقري أن مناضلي وقيادات تشكيلته السياسية أول الدعاة والمشاركين في مسيرات الحراك الشعبي، وقال إنه "لا يوجد أي حزب نزل إلى الشارع غيرنا وقتها في الجمعة الأولى للحراك، ولا يمكن لأي أحد المزايدة علينا، أو تحييدنا"، مشيداً بالتزام تبون التوجه نحو انتخابات تفرز مؤسسات جديدة ذات شرعية ومصداقية، تعبر فعلياً عن الإرادة الشعبية.
الانتخابات ليست أولويتنا
في المقابل، استجاب أقدم حزب معارض في البلاد؛ جبهة القوى الاشتراكية، لدعوة الرئيس تبون في سياق المشاورات التي يجريها مع مختلف الشخصيات والتشكيلات. وأكد سمير بوعكوير، مستشار الأمين الأول للحزب، أن تبون منفتح على كل القضايا، وشديد الإصغاء للطلبات التي قدمها حزبه، مشيراً إلى أن المؤسسة العسكرية تعد خطاً أحمر لا يمكن إطلاقاً تجاوزه، شأنها في ذلك شأن وحدة الوطن.
وأضاف بوعكوير أن اللجوء إلى اتخاذ إجراءات تهدئة مستعجلة في الساحة السياسية، يتطلب قبل كل شيء تحرير المجالين الإعلامي والسياسي، موضحاً أن الانتخابات لا تعد أولوية بالنسبة لجبهة القوى الاشتراكية، وأبرز أن "الانتخاب لا يحدو أن ينحصر في يوم الاقتراع فحسب".
اختفاء حزبي بوتفليقة بعد الانتخابات
يرى أستاذ علم الاجتماع، مصطفى راجعي، في تصريح صحافي، أنه من الصعب بعد كل هذا الحراك الجارف منذ 2019، الذي أطاح كل مكونات النظام القديم من الجزء التنفيذي ممثلاً في الرئيس بوتفليقة والسجن للوزراء ورؤساء الوزراء المرتبطين بالحزبين الحاكمين آنذاك، جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي، والجزء التشريعي من حل البرلمان الذي تتشكل أغلبيته من هذين الحزبين، أن تعود أحزاب النظام القديم للظهور السياسي، وقال إنها أحزاب الإدارة والمنافع، وليست أحزاب مبادئ، بالتالي كانت مجرد غطاء سياسي للنظام القديم، وقد "صفعهم تبون بعدم استقبالهم"، مبرزاً أنها إشارة قوية منه لأن يبتعدوا عن المشهد، لأن مجرد محاولات ظهورهم سيرسل برسائل خاطئة للشارع تقول إن النظام لم يتغير، و"أظن أنه في الانتخابات القادمة سيختفون تماماً".
مشهد سياسي جديد بالأركان السابقة نفسها
من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية، كمال مشري، أن جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي لا يمكن تجاهلهما بالنظر لقواعدها الواسعة وتجربتهما في إدارة شؤون البلاد، ثم تحكمها في مختلف الإدارات، وقال إنه على الرغم من اختفائهما "التكتيكي"، منذ 22 فبراير 2019، فإن عودتهما للمشهد واردة جداً في ظل طبقة سياسية ضعيفة ومشتتة، موضحاً أن حركة مجتمع السلم سيكون لها شأن بالنظر إلى الوضع الذي تعيشه البلاد، خاصة أن عودة الحراك كشفت عن عودة مظاهر التطرف العلماني والإسلامي. وختم بأن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستفرز مشهداً سياسياً جديداً، لكن بالأركان السابقة نفسها، ولو بشكل أخف.