قد تصل "التكاليف الخفية" لأنظمة الطاقة والنقل المستندة إلى حد كبير إلى الوقود الأحفوري إلى نحو 25 تريليون دولار أميركي (أي حوالي 18 تريليون جنيه إسترليني)، أي ما يعادل أكثر من ربع الناتج الاقتصادي العالمي بالكامل.
جاء ذلك وفق بحوث جديدة، تقدر التكاليف البيئية والاجتماعية والصحية الخفية المرتبطة بأشكال مختلفة من النقل وتوليد الكهرباء.
ويقول الباحثون إن هناك العديد من "التكاليف الخفية" المرتبطة بهذه الأنظمة، والتي تبرز من الإنتاج إلى الاستخدام النهائي من قبل البشر.
مثلاً، لا يوجه حرق الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء آثاراً مناخية ضارة مثل الظواهر الجوية القصوى الأكثر تكراراً وشدة فحسب، بل أيضاً تلوث الهواء القاتل.
كذلك يؤدي اعتمادنا العالمي على المركبات العاملة بالبنزين إلى تغير المناخ وتلوث الهواء، فضلاً عن زيادة الوطأة المفروضة على أنظمتنا الصحية بسبب حوادث السيارات.
ولا تنعكس هذه الآثار على سعر سوق الوقود الأحفوري، كما يشرح الأستاذ بنجامين سوفاكول، الباحث في سياسات الطاقة من جامعة ساسيكس والمؤلف الرئيسي للبحوث الجديدة، التي نشرتها دورية "بحوث الطاقة والعلوم الاجتماعية" Energy Research & Social Science.
وقال لـ"اندبندنت": "تدور البحوث حول ”عوامل خارجية“– وهو مصطلح متوهم لوصف التكاليف الخفية. فالعوامل الخارجية هي كل ما لا ينعكس في سعر بضاعة ما أو خدمة ما. لقد أردنا اكتساب نظرة عالمية جريئة إلى هذه العوامل الخارجية من خلال جمع أكبر قدر ممكن من الأدلة، على مدى 20 سنة وعبر البيانات كلها الخاضعة إلى مراجعة من قبل الأقران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"وما اكتشفناه هو أن هذه العوامل الخارجية أعلى كثيراً مما كنا نتصور – ما يقرب من 20 تريليون دولار أميركي إضافية للتنقل والطاقة. وهذا يعني خسارة ما يقرب من ربع الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم.
وهو يؤكد حقاً مجرد حجم تدمير أنظمة الطاقة والنقل للأنظمة البيئية والمجتمعات المحلية بآثارها الهائلة في صحة الإنسان، وأنواع الكائنات الحية، والوظائف، والاختناقات المرورية، فضلاً عن مجموعة كاملة ومتنوعة من التكاليف الخفية الأخرى".
ولغرض هذه البحوث، أجرى المؤلفون "تحليلاً استخلاصياً" ("meta-analysis") جمع بين نتائج 139 دراسة.
وتوصل كثير من هذه الدراسات إلى تقديرات لتكاليف محطات توليد طاقة الفحم الفردية أو وسيلة واحدة للنقل أو لتوليد الكهرباء. وجمعت البحوث الجديدة هذه التقديرات كلها معاً لتأتي برقم عالمي، وفق ما ذكره الأستاذ سوفاكول.
ووجد التقرير أن التكاليف الخفية لقطاع الطاقة العالمي من المرجح أن تبلغ نحو 12 تريليون دولار أميركي، في حين قد تصل التكاليف المرتبطة بالنقل إلى 13 مليار دولار أميركي، لكن هذه الأرقام يجب أن ينظر إليها بحذر، على حد تعبيره. ويرجع هذا إلى أن البحوث تجمع بين دراسات تستخدم منهجيات مختلفة إلى حد كبير، بالتالي ثمة نطاق واسع من الشك المحيط بالتقديرات.
وقال: "إن الرقم الذي يبلغ 25 تريليون دولار ليس أكثر من المتوسط. فنحن لدينا نطاق واسع، حيث يقترب أدنى نطاق من الصفر، ويتجاوز أعلى نطاق 100 تريليون دولار".
وأضاف أن الأرقام تشمل المنافع الخفية، أو "العوامل الخارجية الإيجابية"، فضلاً عن التكاليف الخفية.
وقال الأستاذ سوفاكول: "إن أنظمة الطاقة تنطوي أيضاً على عوامل خارجية إيجابية. فهي، مثلاً، تستطيع توليد الوظائف، لكن المثير للاهتمام هو أن أنظمة الطاقة كلها التي درسناها تملك عوامل خارجية سلبية صافية، ما يعني أن السلبيات أكثر من الإيجابيات. والاستثناء الوحيد هو إجراءات الكفاءة في الطاقة، التي تملك عوامل خارجية إيجابية صافية".
ومن ضمن التحليل، قارن الباحثون بين التكاليف الخفية المحتملة لأشكال مختلفة من توليد الكهرباء.
وتظهر تفاصيل الدراسة التكاليف الخفية المتوسطة، أو "العوامل الخارجية" السلبية، لأنواع مختلفة من توليد الكهرباء، بما في ذلك الكتلة الحيوية والفحم والهيدروجين (خلايا الوقود) والغاز والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة المائية والطاقة النووية والنفط والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الشمسية وطاقة النفايات وطاقة الرياح.
وتظهر الدراسة أن أعلى التكاليف الخارجية ترتبط بحرق النفايات للحصول على الطاقة (في المحارق، مثلاً) والطاقة المولدة بالفحم.
وعلى النقيض من ذلك، كانت لتكاليف أشكال الطاقة الكهربائية المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية، التكاليف الخفية الأقل.
وقال مؤلف الدراسة الأستاذ جينسو كيم، وهو خبير اقتصادي بيئي في جامعة هانيانغ بكوريا الجنوبية: "تكشف دراستنا بوضوح أن النفط والفحم والنفايات في محافظ الطاقة الكهربائية تولد عوامل خارجية أكثر كثيراً من المصادر البديلة للإمدادات".
أضاف "إذا احتسبنا التكاليف الحقيقية للوقود الأحفوري، ستكون الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات التي تهيمن على هذا القطاع عبارة عن عمليات تتكبد خسائر هائلة، لكن ما يحدث بدلاً من ذلك هو أن المجتمعات والحكومات ستضطر إلى تحمل الفاتورة الضخمة".
وطبق تقديرات البحوث، ستتجاوز أسعار السوق ضعف الأسعار الحالية إذا أخذت العوامل الخارجية السلبية للفحم في الحسبان.
وفي البحوث، يدعو المؤلفون واضعي السياسات إلى بذل مزيد من الجهد لضمان أن تعكس أسعار الطاقة وأنظمة النقل في شكل أكثر دقة التكاليف الاجتماعية والبيئية المترتبة عليها.
ويقول الأستاذ سوفاكول: "ليس الأمر المأساوي حقاً في التعامل مع هذه العوامل الخارجية أننا لا ندفع ثمن هذه التكاليف. هو يتمثل في أننا لا ندفع ثمن فواتير الطاقة، بل ندفع كمجتمع من خلال الدخول إلى المستشفيات، والوفيات المبكرة، وتدهور المواقع الطبيعية، والتلوث. لذلك نقول لا بد أن يكون لدينا سعر يتناسب مع تكاليف الطاقة والنقل".
وأضاف سوفاكول أن هناك طرقاً مختلفة لتحقيق ذلك: "هناك العديد من الأدوات التي يمكننا استخدامها مثل الضرائب على الكربون أو الضرائب على الطاقة، أو مزيد من إجراءات كفاءة استخدام الطاقة".
وقال الدكتور كريس كريكل، وهو خبير اقتصادي تطبيقي في كلية لندن للاقتصاد ولم يشارك في البحوث، إن المقارنة بين العوامل الخارجية السلبية لمصادر الطاقة المختلفة كانت "مفيدة"، لكنه أقر بأن التقدير المركزي الذي يبلغ 25 تريليون دولار يجب النظر إليه بحذر.
وأردف موضحاً "إن الرقم الكلي للعنوان الرئيسي قد يكون أقل فائدة من الرقم التفصيلي لكل مصدر".
وأضاف أن البحوث الجديدة كان من الممكن أن تتضمن مزيداً من الدراسات التي تنظر في التكاليف الخفية للطاقة والنقل من منظور الكيفية التي قد تؤثر بها هذه الأنظمة في رفاه الناس.
وقال "أعتقد أن هذا إغفال مهم، ولا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن رضا الناس عن حياتهم لا بد أن يشكل السياسة الخاصة بالنتيجة النهائية التي ينبغي أن تهمهم".
© The Independent