تروي الحاجة رقية بنطاهر البالغة 83 سنة، بكثير من الحنين كيف كانت تلعب في طفولتها مع اليهود في مدينة وزان بشمال المغرب، وكيف كانوا يقتسمون طعام الأعياد والأفراح.
تقول في بيتها العتيق بإحدى أزقة مدينتها التاريخية، "لم نكن نشعر باختلافهم عنا. كل ما كنا نعرفه أنهم مغاربة مثلنا لكن ديانتهم مختلفة عنا، فالدين لله". وتضيف، "هنالك اختلافات بسيطة بيننا خصوصاً في اللهجة، وطريقة نطق بعض الحروف وفنون الطبخ. ما زلت أطبخ من حين لآخر أطباقاً يهودية وأحتفظ بتذكار لصديقة يهودية كانت جارتنا، عبارة عن رسم يوضع تحت الثوب لتطريزه".
بعد قرار المغرب في بداية الموسم الدراسي الحالي إدراج التراث اليهودي بالبلاد في المناهج التعليمية، اعتبر البعض هذا أمراً عادياً ينسجم مع روح الدستور الذي ينصّ على أن الهوية المغربية مكوّنة من روافد عدة، منها الأمازيغي والعربي واليهودي والأندلسي، في حين اعتبره البعض إعادةً للعلاقات مع إسرائيل.
وفي حين يتوجّس البعض من كل ما له علاقة باليهود بسبب الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، يعتبر آخرون، لا سيما المولودين قبل السبعينيات والثمانينيات، اليهود المغاربة مجرّد مواطنين مختلفين في الديانة.
قالت رقية، "بعد رحيل اليهود إلى إسرائيل وما سمعته من تقتيل وحروب، صُدمت ولم أشك للحظة أن من عاشرتهم مسالمون وطيبون. أظنّ أنهم مثلنا لا حول لهم ولا قوة. السياسة هي المسؤولة عن كل الشرور".
استئناف العلاقات
في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) 2020، أعلنت إسرائيل والمغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بوساطة أميركية وبمكسب مغربي تمثّل في اعتراف واشنطن بالسيادة على الصحراء الغربية التي تتنازعها الرباط من جهة وجبهة البوليساريو من جهة أخرى. وكان المغرب بادر بإغلاق مكتب الاتصال مع إسرائيل في عام 2000، إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وعقب استئناف العلاقات مع إسرائيل، أورد بيان للديوان الملكي أن العاهل المغربي الملك محمد السادس، "أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس... وأبلغه بأن موقفه الداعم للقضية الفلسطينية ثابت ولا يتغيّر".
وجاء قرار إدراج تاريخ اليهود المغاربة وثقافتهم بكتب المرحلة الابتدائية للمستويين الخامس والسادس حتى قبل إعلان عودة العلاقات رسمياً مع إسرائيل.
وقال فؤاد شفيقي، مدير المناهج بوزارة التربية والتعليم، لوكالة "رويترز"، "إدراج الثقافة اليهودية في المقرّرات الدراسية المغربية كان مقرراً قبل استئناف العلاقات مع إسرائيل". وأضاف، "الهدف هو أن يعرف التلميذ أن هذا الرافد اليهودي جزء من روافد الشعب المغربي... وأن يُرفع اللبس من أدمغة التلاميذ بين اليهود المغاربة والسياسة أو الصراع العربي- الإسرائيلي".
أرض للتسامح والتعايش
رحّب عدد من المثقفين المغاربة بهذا القرار واعتبروه يتماشى مع روح الدستور المغربي المعدّل في عام 2011، والذي جاء بضغط من الشارع في إطار ما يُعرف بـ"الربيع العربي".
يرى عمر بوم، وهو أستاذ مغربي في علم الأنثروبولوجيا بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس، ومؤلف عشرات الكتب والأبحاث حول تاريخ اليهود المغاربة واليهود في شمال أفريقيا، أن "هذه اللحظة تستحقّ الاحتفال".
وقال، "عندما كان اليهود يعيشون جنباً إلى جنب مع المسلمين، ساعدت العلاقات الاجتماعية اليومية بينهم وبين المسلمين على ازدهار وتأسيس علاقات إنسانية دافئة في كل مناحي الحياة، سواء في الشارع أو الأسواق أو حتى داخل البيوت". وأضاف، "في ظل هجرة اليهود، نحتاج أن نتأكّد أن الأجيال الجديدة في المغرب على علم بتاريخها. لهذا أعتقد أن تدريس تاريخ وثقافة اليهود سيعزّز هذا الوعي بماضي المغرب وحضارته، ويمكّن الشباب المغاربة من تقبّل الاختلاف والآخر من أجل التأسيس لأمة قوية".
ويسجّل عدد من اليهود بفخر شديد الدور الذي لعبه العاهل الراحل محمد الخامس في حماية اليهود المغاربة في فترة الحرب العالمية الثانية وذروة الحديث عن اضطهاد اليهود، وكذلك المكانة التي حظوا بها في عهد الملك التالي الحسن الثاني ثم العاهل الحالي محمد السادس.
ومن بين قرارات الملك محمد السادس، ترميم المقابر والمعاهد اليهودية بالمملكة وإنشاء متحف التراث اليهودي المغربي في الدار البيضاء، في خطوة يرى باحثون أنها تعزّز صورة المملكة كأرض للتسامح والتعايش.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تدريس التاريخ
ويوجد نحو 36 معبداً يهودياً في المغرب، إضافة إلى عشرات المزارات والأضرحة اليهودية. وتُرجع بعض الروايات اليهودية تاريخ اليهود في المغرب إلى القرن السادس قبل الميلاد، عندما طُردوا من بابل ووصلوا إلى شمال أفريقيا. كما زاد الوجود اليهودي في المغرب مع سقوط الأندلس، حيث طرد الإسبان المسلمين واليهود على حد سواء.
وحتى عام 1940، كان اليهود في المغرب يمثلون 10 في المئة من إجمالي السكان قبل هجرتهم إلى إسرائيل. ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عددهم حالياً، لكن التقديرات تشير إلى أنهم ما بين 2000 و2500.
وعن تزامن تدريس التراث اليهودي المغربي في المدارس مع استئناف العلاقات مع إسرائيل، قال بوم، "لست على علم بأي خلفية سياسية لهذا القرار. صحيح لقد تزامن ذلك قبل أسابيع قليلة من إعلان عودة العلاقات المغربية- الإسرائيلية، لكنني لا أعرف مدى الارتباط بينهما". وأضاف، "ما أعتقده هو أن مبادرة إدراج التراث اليهودي في المناهج الدراسية الوطنية هو خطوة إيجابية، لأن تدريس التربية التاريخية والمدنية هي من متطلبات المواطنة المسؤولة".
ومضى الأستاذ الجامعي قائلاً، "النظام التعليمي صامت عن العديد من المراحل والروايات التاريخية. أعتقد أن تدريس التاريخ يتطلّب بعض الحرية للمعلم في الفصل الدراسي، فالدستور المغربي يشدّد على التنوّع العرقي والتنوّع الديني اللذين يؤسّسان للهوية المغربية. وإدخال الروايات اليهودية في الكتب المدرسية الوطنية هو نقطة انطلاق لتجسيد هذا الإطار الدستوري". لكنه أضاف، "سيستغرق ذلك بعض الوقت، ويتطلّب مجهوداً كبيراً كتدريب معلمين جدد وتصميم كتب مدرسية لتشجيع ثقافة الاختلاف وقبول الآخر".
تعاون تربوي ومعارض ثقافية
في 12 فبراير (شباط) الماضي، وبعد أيام قليلة من وصوله إلى المغرب ممثلاً لدولة إسرائيل، كتب السفير دافيد غوفرين على "تويتر"، "وزير التعليم الإسرائيلي يوآف غالانت ونظيره المغربي سعيد أمزازي اتفقا في أول مكالمة هاتفية بينهما على تبادل الوفود الطلابية وتنظيم زيارات دراسية بين البلدين". وأضاف، "وزير التعليم الإسرائيلي عبّر عن شكره للملك محمد السادس على حمايته للثقافة اليهودية، وقراره إدراجها ضمن النظام المدرسي المغربي".
وفي رسالة مفتوحة إلى أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، اطّلعت "رويترز" على نسخة منها، رفضت نقابة الجامعة الوطنية للتعليم بشدّة قرار التنسيق في المجال التعليمي بين المغرب وإسرائيل، واصفةً الأخيرة بالكيان "الاستعماري العنصري".
لكن زهور رحيحيل، مديرة ومحافظة متحف التراث اليهودي المغربي بالدار البيضاء والباحثة في الأنثروبولوجيا، ترى أن هذه الخطوة تأتي في إطار الحفاظ على الذاكرة المغربية المشتركة بين اليهود والمسلمين المغاربة، مشيرةً إلى ترميم المعابد والمقابر اليهودية وتدشين بيت الذاكرة في الصويرة وإنشاء أول متحف للتراث اليهودي في الدار البيضاء.
وقالت، "إنها خطوة جبارة وسابقة يسجّلها المغرب... هي مبعث فخر واعتزاز".