بعد سنوات قاد فيها مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي السابق، العلاقة بين كوالالمبور والرياض إلى سياق لم يعتده الطرفان، بالنظر إلى مستوى التوتر الذي شابها، يبدو أن العلاقة بين القطبين المهمين في العالم الإسلامي بدأت بالعودة إلى مسارها.
إذ يدشن محيي الدين ياسين، رئيس الوزراء الماليزي الجديد، جولة دولية كانت الدولة الخليجية الكبيرة ضمن محطاتها الرئيسة، بدأت بزيارة للمقدسات "مكة والمدينة" وصولاً إلى محطته الأخيرة في الرياض التي استقبله فيها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أرض المطار.
ولم يكن المسؤول الماليزي أول الواصلين إليها، إذ سبقه إلى العاصمة السعودية العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد، بالإضافة إلى حراك دبلوماسي على مستوى السفراء ووزراء الخارجية، خلال هذا اليوم الذي تشهد فيه السعودية استحقاقات أمنية وعسكرية حساسة.
ويمكن توقع بعض ما تحمله الملفات التي ستفتح في العاصمة السعودية، كملف الحج الذي يحضر دائماً في أجندة هذا النوع من القمم، بخاصة أن الدولة الآسيوية تعد من أكثر الدول التي ترسل الحجاج سنوياً إلى المشاعر المقدسة، بالإضافة إلى ملفات اقتصادية تتعلق باستحقاقات حكومته التي ينتظر منها الكثير على مستوى جذب الاستثمارات الأجنبية والبحث عن استقرار سوق الطاقة أكثر استقراراً.
سمة تاريخية
ولطالما صُنفت العلاقات الثنائية بين ماليزيا والسعودية بالعميقة، نظراً إلى الجذور التاريخية بين البلدين منذ عام 1960 أي بعد استقلال ماليزيا عام 1957. كما يرتبط البلدان دينياً وثقافياً واقتصادياً. وزار الملك فيصل ماليزيا في عام 1970، كما زارها الملك عبدالله في عام 2006. وكانت لزيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى ماليزيا في مارس (آذار) 2017 ثقلاً خاصاً، حيث شكلت ماليزيا أولى محطات جولته الآسيوية.
توتر مؤقت
كانت المعارضة الماليزية وصلت إلى سدة الحكم في بوتراجايا (العاصمة الإدارية الجديدة لماليزيا) عام 2018 بقيادة مهاتير محمد الذي حكم البلاد لأكثر من 20 سنة، برزت فيها ماليزيا كدولة فتية نجت من دوامة الانهيار الاقتصادي التي اجتاحت جنوب شرقي آسيا. لكن مع توليه المنصب مجدداً لـ 20 شهراً انتهت في مارس الماضي، قوض مهاتير عديداً من الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية السابقة المبرمة مع دول عدة من بينها السعودية، وانسحبت ماليزيا من تحالف دعم الشرعية الذي تقوده الرياض في اليمن.
كما أن قمة كوالالمبور 2019، التي ترأسها مهاتير محمد وحضرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني روحاني وأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، رأى فيها البعض منافِسةً لدور منظمة التعاون الإسلامي، معتبرين أن الهدف من تلك القمة هو إقامة تحالف إسلامي مواز. واعتذر عن حضور تلك القمة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان والرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو. وتم إغلاق مركز مكافحة الإرهاب الذي أسسته السعودية في ماليزيا دون التصريح عن الأسباب.
هشام مهندس العلاقات
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غير أن الحكومة الجديدة غير المنتخبة مع بداية تفشي وباء كورونا، جاءت لإصلاح ملفات عدة، فبعد الخلاف حول ملفات سياسية واقتصادية مع الهند والصين وسنغافورة والسعودية والإمارات، ركز المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، وزير الدفاع الماليزي السابق، وزير الخارجية الحالي، هشام الدين حسين في أول يوم له في المنصب على أن هدفه الأول هو ترميم العلاقات بين الرياض وكوالالمبور.
كما وصف "قمة كوالالمبور" بالمضلِلة والضارة لماليزيا، مؤكداً أن "تلك القمة أبعدت حلفاء ماليزيا التقليديين". وأدانت الخارجية الماليزية هجمات الحوثيين المتكررة على مطارات السعودية ومدنها. وأيدت ماليزيا وعلماؤها قرار إقامة حج العام الماضي بأعداد محدودة جداً من المقيمين داخل السعودية. ووصف هشام خطواته السريعة بعد عام من توليه المنصب بالإنجاز، وأنه استطاع إصلاح العلاقات مع شركاء بلاده في الرياض وبكين.
برنامج حافل
ووصل رئيس الوزراء تان سري محي الدين ياسين يوم السبت 6 مارس الحالي، إلى جدة واتجه إلى مكة المكرمة في أول زيارة رسمية له إلى الشرق الأوسط، والثانية إلى الخارج بعد زيارة استغرقت يوما ًواحداً إلى إندونيسيا في فبراير (شباط) الماضي. كما جاءت الزيارة إلى السعودية بدعوة من الملك سلمان. وبحسب وزارة الخارجية الماليزية فإن محي الدين هو أول رئيس حكومة يتلقى دعوة من العاهل السعودي منذ مؤتمر العلا التاريخي الذي عُقِد في يناير (كانون الثاني) الماضي.
كما أن برنامج محيي الدين خلال زيارته التي تستغرق أربعة أيام، سيشمل أداء العمرة وزيارة المدينة المنورة قبل بدء البرنامج الرسمي في قصر اليمامة في الرياض، والمخطط له يوم 9 مارس. ويُفترض خلال الزيارة، أن يلتقي محيي الدين الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع. وبحسب مسؤولين فإن الزيارة تأتي في إطار التعاون في مكافحة جائحة فيروس كورونا، حيث كانت السعودية من أوائل الداعين إلى عمل دولي مشترك في مواجهة الوباء.
زيارة مهمة
وأكد رئيس الوزراء خلال مغادرته إلى المملكة على أهمية الزيارة، موضحاً أنه سيناقش خلالها ملفات بالغة الأهمية تشمل الجهود المبذولة لتعزيز العلاقات الثنائية واستكشاف فرص التعاون الجديدة في مجالات التجارة والاستثمار والشؤون الإسلامية التي من شأنها الارتقاء بالعلاقات الجيدة الحالية إلى مستويات أعلى.
ويُتوقَع إنشاء لجنة استراتيجية تنسيقية على مستوى وزراء الخارجية بين البلدين، لتكون بمثابة منصة ثنائية شاملة للمشاورات. وتهدف اللجنة المشتركة إلى إجراء مشاورات منتظمة حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك ملفات الأمن السياسي الإقليمي والدولي والانتعاش الاقتصادي بعد الجائحة ومسائل الحج والعمرة والأمن الغذائي.
كما ستقترح ماليزيا إنشاء تحالف دولي للأمن الغذائي مع السعودية والإمارات لتعزيز سلاسل الإمداد الغذائي العالمية. وتهدف إلى زيادة التعاون الاقتصادي، بخاصة بعد التأثير السلبي لجائحة كورونا والحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على بعض مصانع المطاط الماليزية بسبب العمالة القسرية. كما منع الاتحاد الأوروبي استيراد زيت النخيل، ما يشكل ضربة قوية لثاني أكبر منتج للزيت في العالم، فيما تخطط ماليزيا لجعل مدينة جدة مركزاً لتصدير زيت النخيل إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. وتسعى ماليزيا إلى أخذ حصة من الاستثمار الأجنبي فهي من بين أقل دول آسيان تدفقاً للرساميل من الخارج
الحج أولوية
وكان وزير الشؤون الدينية الماليزي، ذو الكفل محمد البكري صرح بأن الإعلان عن إجراءات التشغيل القياسية (الاحترازية) للحج والعمرة بالإضافة إلى حصة الحجاج الماليزيين سيتم التنسيق والانتهاء منها بعد زيارة رئيس الوزراء إلى السعودية. كما ترغب ماليزيا بمناقشة حصة الحج لهذا العام من خلال إثبات جديتها في المشاورات.
وأعلنت وزارة الخارجية أن الحكومتين تعززان التعاون بشأن الحج والعمرة من خلال إضفاء الطابع الرسمي على "مبادرة طريق مكة" التجريبية، التي كانت ماليزيا إحدى خمس دول انضمت إليها في عام 2017، ومن شأنها تسهيل عملية التخليص المسبق للحجاج الماليزيين والمعتمرين، مثل ترتيبات المطار وفحص التأشيرات وجوازات السفر والإجراءات الجمركية والترتيبات اللوجستية الأخرى.
كما طالب العاملون في مجال الحج والعمرة الحكومة الماليزية بإعطاء الأولوية للحجاج والمطوفين في تلقي لقاح فيروس كورونا وذلك في ضوء الإعلان الأخير من قبل السعودية بشأن إلزامية التطعيم للحجاج هذا العام. وهو أمر ردت الحكومة عليه على الفور قائلةً إن عملية التطعيم لن تمثل مشكلة للماليزيين. كما سمحت الحكومة السعودية للحجاج الماليزيين بأداء العمرة منذ 15 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، إلا أن الحكومة الماليزية قررت عدم القيام بذلك، بناءً على توصية من وزارة الصحة لديها.
بين بتروناس وأرامكو
وسيتم بحث أوضاع السوق النفطية، والمحافظة على استقرار النفط، حيث أن ماليزيا ضمن مجموعة "أوبك+". وستجري مناقشة الفرص الاستثمارية بين البلدين في المجالات البترولية، كما أن هناك مشاريع مشتركة بين البلدين في مجال الطاقة بين بتروناس الماليزية وأرامكو السعودية وتملك الشركتان مشروعين مشتركين مناصفةً تبلغ قيمتهما 27 مليار دولار، من مصفاة نفط طاقتها 300 ألف برميل يومياً ومجمع بتروكيماويات بطاقة إنتاجية تصل إلى 7.7 ملايين طن سنوياً في ولاية جوهور جنوب ماليزيا.