بعد لقائها مع رئيس فنلندا ساولي نينيستو، في مطلع مارس (آذار) الحالي، أعلنت سفيتلانا تيخانوفسكايا زعيمة المعارضة في بيلاروس عن أنها تستعد للسفر إلى الولايات المتحدة على أمل اللقاء مع الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد عدد من اللقاءات التي تجريها في سويسرا مع ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان، إلى جانب ما بدأته من لقاءات مع عدد من المسؤولين السويسريين في إطار محاولات الاستمرار في توطيد علاقات المعارضة مع العديد من البلدان الغربية والتي بلغ عددها ما يزيد على 12 دولة أوروبية.
ومن اللافت أن زيارة تيخانوفسكايا لسويسرا، تتسم بأهمية خاصة في مثل هذا التوقيت؛ نظراً لكونها الدولة الوحيدة من خارج بلدان الاتحاد الأوروبي. فهناك التقت تيخانوفسكايا رئيس المجلس الفيدرالي السويسري أندرياس إيبي ووفداً من البرلمانيين، لكن من منطلق واضح من جانب السلطات السويسرية بحتمية أن تكون لقاءات تيخانوفسكايا على مستوى منخفض، لم يكن ذلك مثار إزعاج لتيخانوفسكايا، وهو ما عزته صحيفة Neue Zürcher Zeitung السويسرية، إلى قلة خبراتها السياسية.
ومع ذلك قالت تيخانوفسكايا، إنها يمكن أن تتفهم ذلك في إطار ما تعلنه سويسرا عن مواقفها المحايدة تجاه العديد من علاقات الدولة في الخارج، وإن عادت لتؤكد أنها لا يمكن أن تتفهم إصرار البعض على التقليل من شأن ومستوى لقاءاتها وما يتعلق بالعنف من جانب "المنظمات الإرهابية"، وما وصفته بـ"العنف في بيلاروس" الذي قالت "إنه لا أحد يستطيع أمامه أن يلتزم الصمت". وأنحت زعيمة المعارضة الروسية باللائمة على الاتحاد الأوروبي الذي واصلت انتقادات موقفه من عدم تشديد عقوباته ضد بيلاروس. وقالت إن مجرد الاكتفاء بتجميد ممتلكات وأصول 88 شخصاً من بيلاروس وحظر دخولهم إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن يكون كافياً. وأضافت: "إنه يجب أن تشمل هذه القوائم ليس فقط كبار الموظفين الذين يعرفون كيف يساعدون أنفسهم، ولكن أيضاً، وعلى سبيل المثال، القضاة أو ضباط شرطة المنطقة المتورطين في القمع". وفيما وصفت الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بأنه أفلس سياسياً، قالت تيخانوفسكايا إن شعب بيلاروس لم يستسلم، وإنه سوف يواصل مناهضته السلطات الرسمية، وقالت إن الناس لن يعودوا بأي حال من الأحوال إلى ما وصفته بـ "العبودية" التي طالما عاشوا في كنفها. أما عن تصريحاتها السابقة حول انحسار مشاركة الشارع في بيلاروس في مواجهة السلطات الرسمية، فقد عزتها تيخانوفسكايا إلى أخطاء في تفسير ما قالته بهذا الشأن، وأكدت أن هذه التصريحات "جرى اجتزاؤها من السياق العام لحديثها الصحافي".
ولم تكشف زعيمة المعارضة في بيلاروس عن الموعد المقترح لرحلتها إلى الولايات المتحدة، متعللة في ذلك بظروف انتشار وباء "كورونا"، ومكتفية بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة تدعم تحركات المعارضة صوب الديمقراطية، مؤكدة دورها في التوصل إلى التسوية المنشودة والخروج من المأزق الراهن. أما عن مواقف المعارضة تجاه روسيا التي تعود إلى توطيد علاقاتها أكثر من ذي قبل مع بيلاروس، قالت تيخانوفسكايا إنها تشعر بخيبة الأمل تجاه ما تقدمه روسيا من دعم للقيادة الحالية. وإذ أشارت إلى أنها تريد أن تبقى بيلاروس دولة مستقلة، عادت لتعترف "أن بلادها ترتبط بروسيا بأواصر علاقات اتحادية، لن تتغير ولا ترغب في تغييرها"، فيما أعربت عن أملها في أن تتسم هذه العلاقات بالشفافية والصراحة.
ولعل ذلك ما تريده روسيا أيضاً التي كشفت عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين الذي من المرتقب أن يقوم في المستقبل القريب، بزيارته الثانية بعد الأولى التي كان قام بها في خريف العام الماضي إعراباً عن تأييد بلاده السلطات الحالية في مواجهتها مع المعارضة التي كادت تطيح بها بدعم من الدوائر الغربية في صيف العام الماضي، إلى جانب مناقشة العديد من مشاريع التعاون الاقتصادي في إطار العلاقات الاتحادية بين البلدين.
وأضافت تيخانوفسكايا في تصريحات صحافية، أنها تنوى العودة إلى بيلاروس خلال الأشهر القليلة المقبلة، في إطار خطتها للاستعداد للانتخابات المبكرة المقرر عقدها في سبتمبر (أيلول) أو أكتوبر (تشرين الأول) على حد قولها، على الرغم من أن لوكاشينكو لم يعلن بعد عن مثل هذه الانتخابات. وكان لوكاشينكو أعلن عن احتمالات إجراء استفتاء شعبي في العام المقبل 2022 حول الإصلاحات الدستورية التي بحثها منتدى عموم بيلاروس في فبراير (شباط) الماضي في إطار ما قدمه من اقتراحات، وفي توقيت مواكب للانتخابات المحلية وليس الرئاسية كما تتوقع تيخانوفسكايا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من كل ما تصادفه المعارضة في بيلاروس من متاعب، وفشلها في حشد الإضراب العام، تؤكد تيخانوفسكايا أن حالة من الغضب تحتدم في نفوس كثيرين بما تبدو معه على يقين من "أن النظام يمكن أن ينهار فجأة"، على حد قولها. وكشفت عن وجود كثير من الاتصالات بين قوى المعارضة وكثيرين من ممثلي النظام ممن لم يعودوا يجدون لأنفسهم مستقبلاً في إطار هذا النظام مع لوكاشينكو الذي نعتته بـ"الديكتاتور الذي فقد إلى الأبد صورة القائد القوي"، بحسب تعبيرها.
إلا أن لموسكو رأياً آخر، تقول مفرداته إن لوكاشينكو يظل الحليف الأقوى إلى حين العثور على البديل المناسب. وقد بدا ذلك من خلال ما تبدى من ملامح "ارتياح متبادل" بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره البيلاروسي خلال زيارة الأخير لسوتشي في نهاية فبراير الماضي. وكان الزعيمان سبق وخلصا إلى تأكيد اتفاقهما في وجهات النظر حيال حاضر ومستقبل علاقات بلديهما في إطار الدولة الاتحادية، الأمر الذي يزعج المعارضة البيلاروسية وحلفاءها في الخارج.
وكانت تيخانوفسكايا التي استهلت نشاطها السياسي بشعارات تنادي من خلالها إلى القطيعة مع موسكو والتحول إلى طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والناتو، تراجعت عن مثل هذه التوجهات، لتقول إن "صراع المعارضة مع النظام في بيلاروس، وليس مع الكرملين". وأضافت "أن بيلاروس ستكون دائماً قريبة من جارتها الشرقية وأنها ترتبط معها بعلاقات تحالف "اتحادية"، فيما أشارت إلى أن أكثر من نصف التجارة الخارجية لبيلاروس تظل مرتبطة بروسيا، في الوقت الذي أعربت فيه عن مخاوفها من "أن يبيع لوكاشينكو استقلال بيلاروس من أجل الاحتفاظ بالسلطة".
ولعل كل هذه التصريحات التي تكشف ضمناً عن تخبط واضح، وتناقضات تقول بمدى تأثير افتقاد زعيمة المعارضة الخبرات السياسية اللازمة لتقلد مثل هذا الموقع، يمكن أن تكون تفسيراً لما كشفت عنه تيخانوفسكايا في حديثها إلى الصحيفة السويسرية حول أنها لم تزعم أنها يمكن أن تكون "رئيسة بيلاروس في المستقبل". ومن هنا كانت تصريحاتها التي قالت فيها، إنه "إذا تحققت أهداف الثورة البيلاروسية وتم تحديد موعد انتخابات جديدة، فإنها لن تترشح لمنصب الرئاسة"، في الوقت نفسه أكدت على وجود عدد كاف بين السجناء السياسيين داخل الوطن ومنهم زوجها، جدير بالترشح لأعلى المناصب".
ومن اللافت أن محاولات زعيمة المعارضة اللعب على أوتار خطب ود موسكو وإثارة الشقاق بينها وبين لوكاشينكو، جاءت في توقيت يبدو فيه حرص الجانبين الروسي والبيلاروسي واضحاً أكثر نحو التنسيق فيما بينهما من أجل مواجهة ما أعلنته الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، من عقوبات اقتصادية وسياسية. وذلك ما كشف عنه بوتين في آخر تصريحاته (الخميس 11 مارس الحالي) حول "أن العقوبات والقيود الخارجية ذات الدوافع السياسية المفروضة ضد بلاده تدفعها إلى قرارات تسفر عن نتائج إيجابية ومنها العثور على البدائل"، وهي ما نضيف إليها الحلفاء الذين تقف في صدارتهم بيلاروس الشريك الاستراتيجي، وخط الدفاع الأول على الجبهة الغربية المتاخمة لحدود بلدان الاتحاد الأوروبي والناتو. وذلك في وقت مواكب لما نشهده من تصدع في صفوف المعارضة التي يبدو انفراط عقدها واتساع مساحات الخلاف بين أعضائها وما يتعلق منه بالصراع حول المكاسب والتدفقات المالية الخاصة بدعم نشاط المعارضة وتحركاتها في الداخل.