مع ارتفاع سعر "بيتكوين" إلى مستويات قياسية جديدة فوق مستوى 61 ألف دولار، يتجدد الجدل بشأن إمكان تحولها عملة احتياط عالمية في المستقبل.
هيمنة الدولار
أول دولار تمت طباعته كان في 1914 عندما تأسس بنك الاحتياط الفيدرالي، لوضع حدّ لتعدد أوراق "البنكنوت" التي تطبعها المصارف، وتم الاتفاق على تأسيس بنك فيدرالي في 1913، وبعد عام، خرج الدولار الأميركي الذي يعرفه العالم، وبعد ستة عقود من ذلك التاريخ أصبح عملة الاحتياط عالمياً، وبين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية كانت العملة مرتبطة بالذهب في معظم الدول، وبعد الحرب العالمية الثانية تم الاتفاق على ربط العملات بالدولار المرتبط بالذهب، وبنهاية 2020 مثلت احتياطات النقد الأجنبي المقومة بالدولار 60.4 في المئة من إجمالي الاحتياط النقدي في البنوك المركزية، ويستحوذ الدولار الأميركي على 88 في المئة من تسويات التجارة الدولية في 2019.
النظام النقدي العالمي
في العام 1944، اجتمع أكثر من 700 مندوب يمثلون 44 دولة في ولاية نيوهامبشير الأميركية في منتجع ماونت واشنطن بمنطقة "بريتون وود'' الجبلية، أثناء الحرب العالمية الثانية بغرض وضع نظام نقدي جديد للعالم، وتم التوقيع على اتفاقية ''بريتون وودز'' في العام 1946 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ومن مخرجات هذا الاجتماع، تأسيس كل من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، واعتماد الدولار الأميركي عملة احتياط عالمية، وقيمته مربوطة بالذهب، وتسعير أوقية الذهب بـ 35 دولاراً حينها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد الحرب العالمية الثانية، قامت الدول بربط العملة بالدولار الأميركي الذي يغطيه الذهب، ولاحقاً رفع هذا الغطاء الرئيس نيكسون في 1971 وبدأ عهد جديد لتعويم سعر الصرف في الأسواق، وهذه كانت أول هزة يتعرض لها نظام "بريتون وودز"، وتوالت الأزمات لتعصف بالنظام المالي العالمي حتى العام 2008، والأزمة المالية العالمية عندما أبلغ وزير الخزانة الأميركي هنري بولسون الكونغرس بأن الاقتصاد العالمي سوف ينهار خلال 24 ساعة إذا لم يحدث تدخل وتحرك حكومييين، وهرج الفيدرالي الأميركي تحت قيادة بن برنانكي حينها بخطة إنقاذ بـ 700 مليار دولار، يجب توفيرها خلال ثلاثة أيام.
بعد هذه الأحداث بعام، نشر شخص يخفي هويته، "متعمداً''، ورقة بيضاء في يناير (كانون الثاني) 2009 عن "بيتكوين"، ومنذ ذلك الحين بدأت القصة.
ثلاث مراحل
(الباحثون عن الحرية وحماية الخصوصية، وتجار المخدرات)، المرحلة الأولى من تبني "بيتكوين" ارتبطت بانتشار دعاوى حماية الحرية الشخصية، وضرورة التمتع بالحرية المالية مثل حركة ''احتلوا وول ستريتOWS " التي برزت بعد الأزمة المالية العالمية 2008 كحركة رافضة سطوة الأسواق المالية والبنوك، وتتبنى شعار المساواة المالية، هذا الجو من البحث عن الحرية المالية وجد في "بيتكوين" ضالته في إبعاد الوسطاء بين البائع والمشتري، وهو ما كانوا يبحثون عنه ويرفضون المصارف، وشركات الوساطة، ومنتجي المشتقات المالية أيضاً، وفي الفترة نفسها، هناك مجموعة أخرى من المهتمين بالتشفير وحماية الحرية الشخصية وجدوا في صيغة "بيتكوين" ما يبحثون عنه، ومجموعة ثالثة استطاعت استخدام هذه العملة في التسويات المالية لتجارتها غير المشروعة، مثال موقع "Silk Road" الذي كان يبيع الممنوعات ويستخدم "بيتكوين" للتسوية المالية، أغلقته السلطات الأميركية في 2014.
المرحلة الثانية، (خبراء البرمجيات وشركات التكنولوجيا)، في العام 2014 تم الإعلان عن شبكة "إيثريوم" بإضافة خاصية العقود الذكية فوق شبكة الـ "بلوكشين"، ومن ثم أصبحت "إيثريوم" القاعدة التي ارتكزت عليها طفرة الإصدارات الأولية للعملات المشفرة في العام 2016-2017.
المرحلة الثالثة، دخول سيولة المؤسسات بعد العام 2017، وبعد إطلاق عقود مستقبلية للـ "بيتكوين" في بورصة شيكاغو في العام 2017، ثم بدأت المؤسسات رسمياً تعمل في بناء بيئة استثمار مؤسساتي، وتحرك بعضها لتؤسس صناديق استثمارية متخصصة في الانكشاف على الأصول المشفرة مثل تحرك شركات "فيديليتي" و"قري سكيل" و "سكوير مايكروستراتيجي"، مدرجة في البورصات، وهذا التحرك المؤسساتي أضاف زخماً وسيولة كبيرة، مثلاً عندما قررت إحداها تحويل فائض السيولة عندها إلى "بيتكوين"، بما يعادل 425 مليار دولار، كانت تشتري 0.2 "بيتكوين" كل ثلاث ثوان لمدة أربعة أيام حتى لا تحدث انفلاتاً كبيراً في الأسعار لهذا الدخول الكبير للسوق الجديدة المحدودة المنافذ .
"بيتكوين" ضمن أصول الاحتياط في البنوك المركزية
بعد هذا التطور في تبني "بيتكوين" من قبل الأفراد والمؤسسات، يقفز سؤال المستقبل القريب، هل سوف تقدم البنوك المركزية على اعتمادها ضمن أصول الاحتياط؟ من وجهة نظري، هذا الاتجاه ليس مستبعداً على الرغم من صعوبة تنفيذه الآن لافتقار نظام الـ "بيتكوين" إلى الضمانات الكافية التي تبحث عنها المؤسسات التشريعية الرسمية التي لاتزال تفكر بعقلية "بريتون وودز" ومركزية التشريع والرقابة.
على الجانب الآخر، اتساع دائرة تبني "بيتكوين" وتغيير اللاعبين الرئيسيين في هذه السوق الجديدة وعودة سطوة المؤسسات المالية وبسط سيطرتها على حركة التداول اليومي للـ "بيتكوين" قد تشكل عامل ضغط على السلطات، ما يفتح لها المجال نحو فضاء الموثوقية والاعتراف وشرعنة التداول بها ووضعها ضمن الميزانية العمومية للبنوك المركزية، والارتفاعات الأخيرة الكبيرة لأسعار هذه العملة تزامنت مع عملية التقسيم الثالثة وتداعيات انتشار كورونا وخطط التحفيز الضخمة والفوائد السلبية للسندات والخوف من مخاطر التضخم مستقبلاً، وكل هذه العوامل مهدت الطريق لارتفاع سعر "بيتكوين" إلى فوق مستوى 61 ألف دولار.