إذا كنا سنعتمد فقط على التزامات المناخ المنبثقة عن اتفاق باريس، فمن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة إلى 3.2 درجة مئوية خلال هذا القرن، في حين يتوجب علينا الحد من ارتفاع درجة الحرارة والإبقاء على عليها دون 1.5 درجة مئوية، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة البيئي.
هذا المستوى من درجة الحرارة هو المطلوب لصنع تأثيرات أقل تدميراً من المستويات المرتفعة للاحتباس الحراري، فكل جزء من الاحترار الإضافي الذي يتجاوز 1.5 درجة مئوية سيؤدي إلى تأثيرات شديدة ومكلفة بشكل متزايد. ولتحقيق هذا يجب أن تنخفض الانبعاثات بصورة سريعة تصل إلى خفض 7.8 في المئة كل عام بدءاً من 2020 وحتى 2030.
وبالنظر إلى المبادرات المطروحة، يبرز المشروع السعودي الذي أعلن عنه أخيرا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعنوانين "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، كأحد أبرز المشاريع البيئية على مستوى العالم، الذي يسعى إلى تقليل الانبعاثات الكربونية محلياً بأكثر من 4 في المئة من المساهمات العالمية، وذلك من خلال زراعة 10 مليارات شجرة، إضافة إلى تدعيم مشاريع الطاقة المتجددة التي ستوفر 50 في المئة من إنتاج الكهرباء محلياً بحلول عام 2030، إضافة إلى مشاريع التقنيات الهيدروكربونية النظيفة.
ويملك المشروع شقاً إقليمياً، إذ يهدف إلى زراعة 40 مليار شجرة بالتعاون مع دول الإقليم، وقال ولي العهد السعودي، إن بلاده ستعمل مع دول المنطقة على "نقل المعرفة ومشاركة الخبرات، مما سيسهم في تخفيض انبعاثات الكربون الناجمة عن إنتاج النفط في المنطقة بأكثر من 60 في المئة"، مضيفاً أن "هذه الجهود المشتركة ستحقق تخفيضاً في الانبعاثات الكربونية بما يتجاوز 10 في المئة من المساهمات العالمية".
وقد باشرت الرياض فعلاً التنسيق مع عدد من دول الإقليم للعمل المشترك على تحقيق مستهدفات المشروع، فما مدى حاجة المنطقة بالفعل لمشروع كهذا؟
العراق أرض السواد
"أرض السواد"، تسمية أطلقت على العراق منذ مئات السنين ترمز إلى الكم الكبير من أشجار النخيل التي تغطي مساحات واسعة من البلاد، إلا أن هذه الأرض لم تعد كما كانت سابقاً، بعد أن شهدت بساتين النخيل كثيراً من الانتكاسات إضافة إلى بقية الأشجار الأخرى نتيجة عوامل متعددة من ضمنها الحروب التي عاشها العراق خلال العقود الماضية، وتوسع المدن وتقطيع البساتين لاستخدام أراضيها للسكن، وزحف الصحراء نحو المدن نتيجة قلة المياه وظاهرة التصحر، لا سيما وأن العراق يضم مساحات شاسعة من الصحاري على حدوده الغربية مع كل من "سوريا، والأردن، والسعودية".
وعلى الرغم من الجهود الحكومية لمحاولة السيطرة على زحف الصحراء والحد من العواصف الترابية، وإنشاء أحزمة خضراء حول المدن لا سيما العاصمة بغداد في ثمانينيات القرن الماضي، فإن الحروب التي خاضها العراق والقطع الجائر للأشجار لغرض استخدامها كوقود للطبخ والتدفئة نتيجة شح الوقود آنذاك بسبب الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي الذي فرض على العراق إثر غزوه الكويت عام 1990، أدى إلى فشل هذه المشاريع واندثارها.
ويشير المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف، إلى حاجة العراق لـ14 مليار شجرة لإحياء بيئته، لافتاً إلى وجود 10 ملايين دونم صالحة للزراعة لكنها لم تستغل.
وعن مبادرة السعودية بزراعة 40 مليار شجرة بالشرق الأوسط قال النايف "إذا ما تمت ستعتبر نقطة تحول بالنسبة للعراق"، وأضاف حول الأشجار التي يمكن زراعتها "في المناطق الصحراوية ممكن أن نزرع السرو والأثل لتكون مصداً طبيعياً لرمال الصحراء، فضلاً عن قدرتها على مقاومة الجفاف وتكون طريقة ري هذه الأشجار عن طريق الآبار من خلال منظومات التنقيط، فيما تتم زراعة الحمضيات والنخيل في المناطق القريبة إلى الأنهار وممكن الاستفادة من ثمار هذه الأشجار، وبذلك تكون أراضي منتجة".
بدوره يوضح أستاذ قسم هندسة البيئة في جامعة بغداد حيدر محمد عبد الحميد، أن العدد الكبير من السيارات والمولدات الكهربائية ومعامل "الطابوق"، زاد من نسب الانبعاثات الكربونية في العراق، إلا أنها ما زالت منخفضة مقارنة بالدول الصناعية.
ويوضح أن العراق يعتبر من البلدان التي في بداية النمو الصناعي، ولذلك حجم انبعاثاته تنتج من مولدات الكهرباء والعدد الكبير من السيارات التي تعتبر غالبيتها غير صديقة للبيئة، والتي تطلق ملوثات تؤثر على صحة الإنسان، مما يؤدي إلى تلوث الهواء بأكسيد الكربون والكبريت وأكاسيد النتروجين والرصاص.
الإمارات تتعلق بالمدينة المستدامة
وفي الإمارات، رصد مركز دبي لضبط الكربون ارتفاعاً في إجمالي حجم الانبعاثات بلغ 10.126 طناً من ثاني أكسيد الكربون، بزيادة عن الرصد الذي سبقه والذي بلغ 8.708 أطنان.
ويعزو المركز هذه الزيادة بشكل أساسي إلى ارتفاع مستويات إشغال الوحدات السكنية من 73 في المئة إلى 95 في المئة، إضافة إلى تنامي حجم الأنشطة التجارية وتبين وجود ارتفاع في إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 15.6 في المئة، من 7.661 طناً من ثاني أكسيد الكربون إلى 10.126 طناً للأسباب ذاتها.
وأظهر التقرير ذاته أن أكبر مصدر للانبعاثات تمثل في استهلاك الكهرباء لمختلف الأغراض، إلا أنه توقع أن تنخفض مساهمة استهلاك الكهرباء في إجمالي الانبعاثات في المستقبل عندما تكمل المدينة المستدامة في دبي تركيب وتشغيل جميع الأنظمة والألواح الكهروضوئية.
وأكد وزير الطاقة والصناعة في الإمارات سهيل بن محمد المزروعي، حرص بلاده على خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وفق استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 والتي تستهدف خفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70 في المئة، خلال العقود الثلاثة المقبلة وتوليد 50 في المئة من الطاقة عبر مصادر خضراء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتدخل الدولة الخليجية في إطار المشروع السعودي، بخاصة أنها كانت ضمن سلسلة الاتصالات التي أجراها ولي العهد السعودي للتحضير للمبادرة، والتي رحب من خلالها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بالمشاركة فيها، وأكد حرص بلاده على إنجاحها.
الأردن محاولة من التسعينيات
ويعد الأردن من الدول الأولى التي أخذت في الحسبان مسألة الانبعاثات الكربونية وتأثيرها السلبي على البيئة، ووقعت على اتفاقية التغير المناخي في عام 1992، وصادقت على "بروتوكول كيوتو" في عام 1997.
لكن على الرغم من ذلك، لا تزال البلاد تسجل أرقاماً عالية للانبعاثات، فالأرقام الرسمية تشير إلى أن حجم انبعاثات الغازات الدفيئة يبلغ 20 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، موزعة بين 27 في المئة لانبعاثات قطاع الطاقة، و20 في المئة من قطاع النقل، و13 في المئة من الانبعاثات الصادرة عن قطاع النفايات.
وثمة قوانين أردنية لمحاربة الانبعاث الكربوني، من بينها اقتطاع 15 في المئة من عوائد بيع الكربون لصالح صندوق حماية البيئة، فضلاً عن الاستثمار في مشاريع تعنى بخفض نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة، وإلزام الشركات والمصانع بتحديث أجهزتها واستبدالها بأخرى صديقة للبيئة.
وتعهد الأردن في عام 2016 بخفض الانبعاثات الكربونية في حدود عام 2020، عبر وسائل عدة من بينها مشاكل النقل ووقف تدهور الأراضي واللجوء للزراعة المستدامة، إلا أن الأردن بحاجة إلى تشجير ما يصل إلى 25 في المئة من المساحات الواقعة في حزام المطر، بحسب الباحثة في مجال البيئة هلا مراد.
وأضافت "المبادرة السعودية تتقاطع مع خطط أردنية لزراعة 10 ملايين شجرة، أعلن عنها العام الماضي، ولم تنفذ بعد. ويمكن القول، إن هذا المشروع قد يساهم في تلبية الأردن لطموحه في عام 2030".
وتوقع الكاتب رمزي الغزوي، أن "تكون حصة الأردن من هذه المبادرة نصف مليار شجرة، وهو رقم مهم وكبير في مواجهة ما تتعرض له الغابات الأردنية من حملة ممنهجة على يد مافيا الاحتطاب وقطع الأشجار، وبخاصة أن التشجير لم يعد مرتبطاً بالناحية الجمالية فقط، وإنما بالنواحي البيئية أيضاً كمكافحة الفيضانات وكثافة الهطول المطري".
ويشير مراقبون إلى التأثير الذي أحدثته جائحة كورونا على الغابات في الأردن بسبب الحرائق، التي زادت نسبتها في عام 2020 مقارنةً مع عام 2019 بنسبة 38 في المئة.
حزام القاهرة الأخضر
تقرير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في 2015 يشير إلى حدوث ارتفاع في إجمالي الانبعاثات الكربونية في مصر بنسبة 140 في المئة بين عامي 1990 و2016، وذلك بمتوسط نمو سنوي نحو 3.5 في المئة، وهو أسرع ثلاث مرات من المتوسط العالمي. وأرقام البنك الدولي الأحدث في 2016 تشير إلى أن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بلغت 238.560 مليون طن سنوياً.
الأرقام تشير إلى مسؤولية قطاع الطاقة الذي ينتج نحو 221 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون عن 71.4 في المئة من انبعاثات الكربون في مصر. وتتربع الكهرباء على رأس هذه النسبة، يليها النقل، والتصنيع، والبناء، واحتراق أنواع الوقود الأخرى، والانبعاثات المتسربة ووقود السفن وغيرها.
ومعروف أن أصابع اتهام العالم تشير إلى قطاع الطاقة باعتباره المسؤول الأول عن تغير المناخ. وفي عام 2016، أدى استخدام واحتراق الوقود الأحفوري– الفحم والنفط والغاز الطبيعي– إلى انبعاث نحو ثلاثة أرباع الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم.
وتملك مصر مشروعاً محلياً تحت اسم "الحزام الأخضر" حول القاهرة الكبرى (محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية)، إذ يتجرع سكان القاهرة الكبرى وزائروها مرارة التلوث ويتنفسون خليطاً من الجسيمات الدقيقة والجسيمات الكلية العالقة وثاني أكسيد الكبريت وثاني أكسيد النيتروجين وغيرها، ما يصنع توليفة تجعل القاهرة ثاني أكثر مدن العالم تلوثاً في الهواء المحيط، وذلك بحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية في 2016.
وبحسب ورقة بحثية صادرة عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" (منظمة حقوقية) تحت عنوان "حقائق ومعلومات عن تلوث الهواء في مصر"، فإن هناك مؤشرات على ارتفاع نسب الوفيات المبكرة في مصر بسبب نوعية الهواء. وبحسب تقديرات البنك الدولي لحساب مؤشر كلفة التدهور البيئي، فإن كلفة تلوث الهواء تقدر بنحو خمسة في المئة من الناتج القومي الإجمالي السنوي، ما يعادل 2.42 مليار دولار سنوياً.
وينتظر أن يشارك عدد لم يتم تحديده بعد من دول المنطقة في المشروع الشرق أوسطي الواعد، ويشكل البرنامج ضعف حجم السور الأخضر العظيم في منطقة الساحل الأفريقي "ثاني أكبر مبادرة إقليمية من هذا النوع".