كثيرة هي العائلات اللبنانية التي باتت تعيش الهم الغذائي على مدار الوقت، بخاصة مع تزايد غلاء أسعار السلع الأساسية وانقطاع عدد منها من الأسواق. وصحيح أن الحكومة دعمت بعض السلع إلا أنها تختفي من السوق بشكل مريب وسريع، حتى إن الحصول على بعضها يتطلب شروطاً غير مكتوبة ولا مقرة، إنما تنفذ بحسب كل محل تجاري.
والواقع أن الأمن الغذائي يشهد أزمة حقيقية. ويقف المواطنون إزاءه مكتوفي الأيدي ومكممي الأفواه، بعد ما بلغت نسبة العائلات التي تعيش تحت خط الفقر 40 في المئة، بحسب مراجع وزارة الشؤون الاجتماعية، ويتوقع أن ينحدر 170 ألف مواطن لبناني إلى ما دون خط الفقر قريباً.
وقد ذكرت تقارير البنك الدولي أن نسبة الفقر المدقع أصبحت 23.2 في المئة بعد ما كانت 8.1 في المئة، ذلك قبل خطوة رفع الدعم. والطبقة الفقيرة التي كانت تشكل 19.8 في المئة ارتفعت إلى 32 في المئة حالياً.
وهكذا وجب استشارة متخصصي التغذية، لمعرفة البدائل الغذائية التي يمكن استهلاكها كي تبقى الصحة الجسدية في حال جيدة، خصوصاً بعد غلاء اللحوم وكافة المواد الغذائية.
كيف نفهم البدائل الغذائية؟
يعتبر متخصص التغذية وتنظيم الغذاء كفاح عمار أن البدائل الغذائية الأساسية تكون أولاً في معرفة طريقة تعويض السعرات الحرارية اليومية، الفيتامينات والأملاح المعدنية الضرورية لصحة الإنسان بشكل عام. وتعنى البدائل الغذائية بتصنيف الأطعمة والأشربة بحسب تكوينها الكيماوي، وكمية السعرات الحرارية فيها، ونوع الفيتامينات والأملاح المعدنية التي تؤمنها للنظام الغذائي اليومي.
ويقول لـ"اندبندنت عربية" إنه في ظل هذه الأزمة الاقتصادية وغلاء المأكولات بخاصة المستوردة منها يمكن تبديلها، إما من خلال تناول الأطعمة الأقل تكلفة التي قد تعطي الجودة ذاتها تقريباً، أو عن طريق إدارة استعمال هذه الأطعمة في النظام الغذائي.
تفعيل التبديل الغذائي
يوضح كفاح أن النظام الغذائي يتكون من البروتينات، والنشويات، والدهون، إضافة إلى الفيتامينات والأملاح المعدنية والسوائل. ويعتبر أن النشويات هي من أكثر مكونات النظام الغذائي توفراً في لبنان لوجودها في "البطاطا، والذرة، والأرز، ومنتجات الخبيز على أنواعها كالحبوب" وغيرها.
أما الدهون، فتتوفر بشكل أقل، ويمكن أن تؤمن من الزيوت، "الزيتون، والسمسم، والفستق" وسواها. وتبقى البروتينات الرقم الصعب في هذه المعادلة من حيث التوفر والقدرة الشرائية، لاعتماد السوق اللبنانية على استيراد حاجتها لهذا المكون الأساسي في النظام الغذائي السليم.
أهمية البروتين وبدائله
والبروتينات هي المصدر الأساسي لبناء الخلايا والأنسجة على جميع أنواعها (العظام، العضلات...) إضافة إلى تجدد خلايا الجلد وتصنيع الشعر والأظافر وغيرها. يقول كفاح، إن البروتينات الحيوانية هي أعلى جودة من نظيرتها النباتية، لكن المصادر الحيوانية للبروتين مثل اللحوم على أنواعها (لحم البقر، أو الغنم، دجاج، سمك)، والحليب ومشتقاته (الأجبان)، هي من الأغلى ثمناً في الأسواق اللبنانية، مقارنةً بالحبوب على صعيد المثال.
من ناحية التبديل الغذائي، يشير إلى أن كل 100 غرام من اللحوم يحتوي على 25 غراماً من البروتين الصافي الذي يمكن استبداله بالمصادر النباتية، مثل البقوليات على أنواعها "الفول، والحمص، العدس..."، حيث يحتوي كل 200 غرام من الحبوب المطبوخة على 20 غراماً من البروتين الصافي.
ويضيف أنه من الممكن استهلاك اللحوم بوتيرة منخفضة خلال الشهر لمتابعة تأمين البروتينات الحيوانية ذات الجودة العالية، والاعتماد على المصادر النباتية في غالب الأوقات. وكذلك طبخ الحبوب مع القليل من اللحوم، باعتبار أن النوعين يؤمنان البروتينات الكافية لجميع الأشخاص والفئات العمرية.
تؤمن حصة البروتينات في نظام البدائل الغذائية 7 غرامات من البروتينات الخالصة. ويمكن الاعتماد على هذه المواد لتبديل البروتينات. فكل حصة من الأطعمة المذكورة هي حصة واحدة من البروتينات: بيضة واحدة، أو 30 غراماً (جبنة بيضاء أو حبش أو لحوم). وكل حصة من الأطعمة المركبة المذكورة هي حصة واحدة من البروتينات وحصة واحدة من النشويات: نصف كوب من "الفاصوليا أو البازيلا أو العدس".
وفي السياق ذاته تعتبر متخصصة التغذية كليا ضاهر أن كل مصادر البروتين الحيوانية من لحوم حمراء ودجاج وسمك يمكن استبدالها بالحبوب والأجبان والألبان والبيض. لكن يجب إضافة عصير الحامض إلى الحبوب؛ لجعل الجسم يمتص الحديد، وهكذا تكون الإفادة أفضل من البروتين والحديد معاً.
وتقول، إن البيض يحتوي على فيتامينات ومعادن ونسبة عالية من البروتين، لذا فهو بديل مناسب. أما الأجبان والألبان، فهما إضافة إلى غناهما بالبروتين يعتبران مصادر للكالسيوم أيضاً. أما بالنسبة لحليب الأطفال، فالبديل الأفضل والوحيد لهم هو حليب الأم. وتنصح كليا بالإرضاع ما دام لدى الأم القدرة، ويمكن تجميد الحليب إذا كانت تضخه بالماكينة حفاظاً عليه لأطول فترة ممكنة.
وتضيف أن السمك الذي يحتوي على الزيوت والأوميغا 3 المفيدة للدماغ والقلب وخلايا الجسم يمكن استبداله بالقليل من المكسرات النيئة، وعلى الرغم من أن ثمنها مرتفع لكن كمية قليلة منها تكفي يوماً كاملاً.
النشويات وبدائلها
تؤمن النشويات الطاقة الأهم لعمل الأنظمة كافة، مثل نظام المناعة، والجهاز الهضمي، ونظام الدورة الدموية وغيرها.
ويقول كفاح، إن النشويات تعتبر من المكونات الأساسية في النظام الغذائي التي يعتمد عليها بخاصة في ظل الأزمات الاقتصادية، وذلك لقدرة اللبنانيين على زراعتها بتكلفة مقبولة مثل البطاطا، الذرة، القمح الذي ينتج عنه البرغل، الدقيق، الجريش. إضافة إلى الأطعمة المتكاملة مثل العدس، الفول، الحمص وغيرها لاحتوائها على البروتينات والنشويات معاً. وتعطى هذه الأنواع من الأطعمة أهمية كبرى في الأزمات لوفرة الأراضي الزراعية والمياه في أغلبية المناطق اللبنانية.
وعن الحصص يضيف، أن حصة النشويات تعني 15 غراماً من النشويات الخالصة المعقدة. ويشير إلى أن كل حصة من الأطعمة المذكورة هي حصة واحدة من النشويات: نصف رأس بطاطا وسط، أو نصف كوب معكرونة، أو نصف كوب ذرة، أو ثلث كوب أرز، أو ثلث رغيف خبز، أو 3 كعكات صغيرة.
الدهون مصادرها وبدائلها
الدهون هي المصدر الأساسي الثاني للطاقة، ويعتمد عليها في بعض الأنظمة الغذائية مثل نظام الكيتو. وعن أنواعها يقول كفاح، إنه يوجد المشبع منها وغير المشبع الذي ينقسم إلى دهون أحادية ومتعددة. ومنها السائل مثل الزيوت، والصلب مثل الزبدة والسمنة. ومنها الحيوانية أي دهون اللحوم والدجاج، ومنها النباتية مثل زيت الزيتون. ولكل نوع استخدام معين في النظام الغذائي من حيث خصائصه المميزة في الطبخ.
ويمكن القول، بحسب كفاح، إن الدهون غير مشبعة بأنواعها هي دهون صحية بغض النظر عن مصدرها.
ولتفعيل التبديل الغذائي من خلال تناول الكمية الكافية من هذه الدهون، يقول كفاح إنه بدل اللحوم والأسماك ذات السعر المرتفع، يمكن الاعتماد على الدهون من مصادر نباتية مثل "الزيتون، والفستق، وزيت الزيتون، والسمسم، والطحينة"، وسواها.
الفواكه والخضار بديل المكملات
كما تعد الفواكه والخضار من المأكولات الأكثر وفرة في لبنان وتزرع في كافة أراضيه. وهي مصادر أساسية للفيتامينات والأملاح المعدنية الضرورية للجسم السليم.
وينصح كفاح بتناول الخضار كمصدر غني بالفيتامينات والألياف التي تساعد في الحفاظ على صحة الجهاز الهضمي وتخفيض الكوليسترول في الدم. لذا يمكن الاستغناء عن المكملات الغذائية Supplements التي ارتفع سعرها، أخيراً، بشكل خيالي. وبالمقابل إدخال الخضار المتاح في جميع الوجبات.
ومن الطرق الأساسية للاستفادة من الفيتامينات في الخضار هي: تناول الخضار الطازجة من دون طبخ مثل الفليفلة، البروكولي، والقرنبيط... وطبخ الخضار على البخار بدل سلقها لجعلها تحتفظ بقيمتها الغذائية. واستخدامها في الشوربات.
أما بالنسبة للفواكه، فهي تمد الجسم بالطاقة والفيتامينات خلال النهار. وتحتوي كل حصة من الفواكه على 12 غراماً من النشويات سريعة الامتصاص في الأمعاء الدقيقة، ما يكسبها أهمية كبيرة لإمداد الجسم بالطاقة السريعة، خصوصاً قبل حصة التدريب الرياضي.
وحصة من الفواكه تعني: موزة وسط، تفاحة وسط، برتقالة وسط، 3 حبات تمر، 12 حبة عنب، 15 حبة زبيب، كوب بطيخ، 3 حبات مشمش مجفف.
من جهتها تعتبر كليا ضاهر أنه لا بديل عن الفواكه والخضار والطريقة الوحيدة للتوفير فيها هي شراء الموسمية منها والتي تكون بأسعار مقبولة.
نظام الحصص للتوفير
وعلى الرغم من غلاء الأسعار، فإن تأمين الأمن الغذائي المتكامل من الضرورات الحياتية. ويعتبر كفاح أنه يمكن للفرد الواحد البدء بالعمل على تقسيم حصص المأكولات بشكل متوازن مع المدخول اليومي أو الشهري، وذلك من خلال: إدخال اللحوم على النظام الغذائي بشكل دوري أي مرتين في الأسبوع. وإعطاء الأفضلية للحبوب والبقوليات (فاصولياء، عدس...)، ومزجها مع اللحوم أو الدجاج لزيادة السعرات الحرارية على الوجبة. إضافة إلى زيادة استخدام الخضار في النظام الغذائي اليومي، وإدخال الشوربة على أنواعها. كما ينصح بإنتاج بيتي للمأكولات مثل "اللبنة، واللبن، والجبنة، والكبيس، والمكدوس، والزيتون، والزعتر". وتناول 3 حصص فواكه على الأقل في اليوم لتأمين كمية النشويات المطلوبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سياق متصل تنصح كليا أن يكون التوفير في كل الكماليات في الطعام، مثل "التشيبس، والبزورات، والشوكولاته، والبسكويت"، التي تعتبرها مكلفة وليست مفيدة، وتفضل استخدام المال للأساسيات. وتقول إن التوفير في هذه المواد سيأتي بالنفع على صحة الناس.
وتعطي أمثلة على بعض البدائل الصحية والاقتصادية، فبديل التشيبس مثلاً الذرة اليابسة لصنع البوشار "الفشار" المنزلي. والمشروبات الغازية يمكن استبدالها بالماء وسموذيز والعصائر من الفاكهة الموسمية.
أما الزبدة فتعتبر كليا أنه من الأفضل عدم شراء النباتية بل استخدام زيت الزيتون بدلاً منها وبكمية صغيرة. كما من الأفضل صناعة الأجبان والألبان من الحليب الطبيعي منزلياً لتكون أكثر توفيراً ونظافة وصحية.
من جهته ينصح كفاح بزراعة بعض النباتات التي تستعمل في النظام الغذائي كـ"العدس، والفول، والحمص، والزعتر، والخيار، والبندورة... إلخ"، لمن يستطيع.
ويذكر بأهمية شرب الماء بكثرة، بمعدل ليتر ونصف على الأقل للمساعدة في الامتصاص السليم للفيتامينات والأملاح المعدنية.
ويختم "لا بد للدول التي تعيش أزمات اقتصادية العمل على تأمين الأمن الغذائي، لكن المبادرات الفردية للأسر والإدارة المدروسة للاستهلاك اليومي يمكن أن تكون أول الطريق لردع الجوع وتخفيف الأمراض الناتجة عن سوء التغذية في المجتمعات".