أعلنت الصين، اليوم السبت 10 أبريل (نيسان) الحالي، أنها فرضت غرامة قياسية بقيمة 2.8 مليار دولار على شركة التجارة الإلكترونية العملاقة "علي بابا" بسبب ممارسات الأعمال الاحتكارية، وهو الإجراء الأكثر صرامة للحكومة حتى الآن في حملتها لتنظيم عمالقة الإنترنت في البلاد. وبدأت هيئة مراقبة السوق في بكين التحقيق في شأن "علي بابا" في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وحول انتهاكات محتملة من قبلها لمكافحة الاحتكار، بما في ذلك منع التجار من بيع سلعهم على منصات التسوق الأخرى. وقالت الهيئة التنظيمية، السبت، إن تحقيقها خلص إلى أن "علي بابا" أعاقت المنافسة في تجارة التجزئة عبر الإنترنت في الصين وأثرت على الابتكار في اقتصاد الإنترنت وأضرت بمصالح المستهلكين.
وتتجاوز الغرامة المفروضة على "علي بابا"، إحدى الشركات الخاصة الأكثر قيمة في الصين، عقوبة مكافحة الاحتكار البالغة 975 مليون دولار التي فرضتها الحكومة الصينية على شركة "كوالكوم"، عملاق الرقائق الأميركي في عام 2015 بحسب صحيفة "نيويورك تايمز". ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تترك الغرامة تأثيراً كبيراً على ثروات الشركة. وقالت الهيئة التنظيمية، إن الغرامة تمثل 4 في المئة من مبيعات "علي بابا" المحلية في عام 2019. وأعلنت المجموعة عن أرباح تجاوزت 12 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2020 وحده. وقالت "علي بابا" في بيان إنها ستقبل العقوبة "بصدق" وستقوي أنظمتها الداخلية "لتحمل مسؤولياتها الاجتماعية بشكل أفضل".
تكثيف التدقيق في عمالقة التكنولوجيا
على مدى العقد الماضي، امتدت أعمال "علي بابا" إلى ما هو أبعد من التسوق إلى الخدمات اللوجستية والبقالة والترفيه ووسائل التواصل الاجتماعي وحجوزات السفر وأشياء أخرى كثيرة. وقالت الشركة الصينية، مثل زملائها من شركات الإنترنت العملاقة، إن اتساع نطاق أعمالها يساعد في جعل كل خدمة من خدماتها أكثر فائدة. لكن النقاد يقولون إن حجم الشركة يحد من ساحة اللعب للمنافسين ويُقيد خيارات المستهلكين.
وكانت الصين بدأت بتكثيف التدقيق حول عمالقة التكنولوجيا في العام الماضي. واقترح منظم السوق تحديث قانون مكافحة الاحتكار في البلاد مع حكم جديد لمنصات الإنترنت الكبيرة مثل "علي بابا". وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أوقف المسؤولون خطط الشركة الشقيقة لـ"علي بابا"، مجموعة "آنت" التي تركز على التمويل، للاكتتاب العام وشددوا الرقابة على تمويل الإنترنت. وفي ديسمبر فتحت تحقيقاً في مكافحة الاحتكار في "علي بابا"، وهو تحول مذهل في ثروات جاك ما، الشريك المؤسس لتلك الشركة، والذي اعتبره الناس في الصين منذ فترة طويلة رمزاً لريادة الأعمال.
كما أن الشكوك حول نفوذ شركات الإنترنت الكبيرة، آخذة في الازدياد في الولايات المتحدة وأوروبا أيضاً. وفرض المنظمون الغربيون بشكل متكرر غرامات على عمالقة مثل "غوغل" في السنوات الأخيرة بسبب انتهاكات مختلفة لمكافحة الاحتكار. لكن مثل هذه العقوبات عموماً لم تغير طبيعة أعمال الشركات بما يكفي لتخفيف المخاوف بشأن قوتها.
نمو الصين والتوازن
وتتزامن موجة تكثيف الرقابة على شركات التكنولوجيا العملاقة مع موجة تعاف قوية يعيشها الاقتصاد الصيني، حيث أكملت الصين تعافيها من نواح عدة، وعادت إلى مستويات النمو التي كانت عليها قبل تفشي الوباء متفوقة على كل الاقتصادات الكبيرة. لكن النمو لا يزال يفتقر إلى التوازن، مع تباطؤ الاستثمار في الاستهلاك الخاص. وتوقع صندوق النقد الدولي أن يلحق الاستهلاك بالركب مع عودة نمو الاستثمار إلى طبيعته. وعلى الرغم من هذا التعافي، لا تزال هناك مخاطر كبيرة تواجه الاقتصاد الصيني. ويرى "الصندوق" أن تحقيق نمو أسرع وأعلى جودة في الصين مرهون بـ"إصلاحات لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والاستثمار الأخضر، وفتح الأسواق المحلية"، مشيراً إلى ضرورة الاستمرار في إصلاح الشركات المملوكة للدولة وضمان إمكانية أن تتنافس الشركات الخاصة والمملوكة للحكومة على قدم المساواة. وأضاف "صندوق النقد الدولي" أن "بذل جهد قوي في هذا الاتجاه سيقود إلى زيادة الإنتاجية والدخل، ويؤدي إلى نمو أكثر توازناً، قائم على الاستهلاك".
ولكن على الرغم من نمو الناتج المحلي الإجمالي القوي للصين والمثير للإعجاب على مدى العقد الماضي، وتجاوزها اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في الصين لا يزال يمثل سدس نظيره في الولايات المتحدة وربع نظيره في اليابان، بحسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي. وتوقع التقرير أن يؤدي ارتفاع الدخل والمستهلكين الأكثر ثراءً في الصين إلى زيادة الطلب على المزيد من السلع والخدمات المتميزة، وأن ينمو عدد أُسر الطبقة المتوسطة في الصين بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10 في المئة، حيث ستنضم 600 مليون أسرة ذات دخل منخفض، إلى مئات الملايين من مواطني الطبقة المتوسطة في الصين. ويُتوقع أن يؤدي هذا التحول الديموغرافي إلى زيادة الطلب على الغذاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استئناف الأعمال التجارية وتدفقات رأس المال
وكانت الحكومة الصينية حشدت الموارد لاستئناف الأعمال التجارية. في حين يعكس أداء الصادرات القوي للصين منذ الربع الثاني من عام 2020 مدى السرعة التي تمكنت من خلالها من استئناف نشاطات التصنيع والاستفادة من تحويل الطلب على الصادرات من البلدان التي ظلت سلاسل التوريد فيها معطلة. كما يشير نمو الصادرات الصينية في سبتمبر (أيلول) الماضي، أيضاً إلى أن التعافي العالمي يكتسب الآن وتيرته بسرعة كافية لتعزيز نمو الصين. إضافة إلى ذلك، عزز الانتعاش القوي ثقة المستهلك، مدعوماً بسوق العقارات المزدهر.
في الوقت ذاته، أدى الضعف المستمر للدولار الأميركي إلى جانب الفروق في أسعار الفائدة إلى تدفقات في رأس المال خلال عام 2020 (بلغت الاحتياطيات الأجنبية 3.18 تريليون دولار أميركي في نوفمبر، بزيادة قدرها 63 مليار دولار أميركي عن بداية عام 2020) بحسب أرقام مؤسسة "ديلويت". ومع هذا النجاح، يُرجح أن يركز صانعو السياسات في بكين على تحسين جودة النمو، أولاً من خلال معالجة الانتعاش غير المتكافئ بين الاستثمار والاستهلاك، وعبر بذل مزيد من الجهود لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والمستهلكين في عام 2021. كما تعهد محافظ "بنك الصين الشعبي" يي جانغ أيضاً، باستقرار الرافعة المالية بعد ارتفاع نسبة الدين الصيني إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وهو تغيير واضح في سياسة بكين في العامين الماضيين، ما سمح بزيادات تدريجية في الرافعة المالية لتوليد النمو. وتشير ملاحظة يي أيضاً إلى أنه لن يكون هناك أي حافز مالي كبير. ويُرجَح أن تعتمد بكين بشكل أكبر على الروافع المالية للحد من الفقر والبرامج الاجتماعية الأخرى، لكنها تبتعد عن مشاريع البنية التحتية الكبيرة.
النزاع الأميركي - الصيني امتد إلى التكنولوجيا
كما توقعت مؤسسة "ديلويت" نمو إجمالي الناتج المحلي للصين بنحو 7.5 في المئة في عام 2021. وأن ينتعش الدولار الأميركي، لأن العوامل الثلاثة التي عززت اليوان في عام 2020، يُفترض أن تنعكس جزئياً على الأقل، على هذا النمو، وهي أولاً، تحول زخم النمو النسبي بين الصين والولايات المتحدة. وثانياً، تضيق فروق أسعار الفائدة. وثالثاً، ضرورة أن يبدأ التراجع في السياحة الخارجية الصينية، التي وسعت بشكل كبير فائض حسابها الجاري في عام 2020. وبحسب تقرير "ديلويت" فإن أكبر السلبيات المحتمَلة بالنسبة إلى الصين تأتي من الخارج وأبرزها الاحتكاكات المتزايدة مع الولايات المتحدة، والتي بدأت كحرب تجارية امتدت لنحو سنتين إلى قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا. وأشار التقرير إلى أن التجارة ستظل مصدر احتكاك في وقت لم يتقلص العجز التجاري الأميركي مع الصين كثيراً خلال العامين الماضيين (تقلص بنسبة 8.5 في المئة فقط في عام 2019 وزاد بنسبة 5.4 في المئة في الفترة من يناير إلى نوفمبر 2020)، مما يلغي فعلياً أي فرصة للانخفاض.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن استبعد تخفيض الرسوم الجمركية، في لفتة ضمنية إلى أنه سيتم اعتبارها وسيلة ضغط. ومع ذلك، وجدت الصين طرقاً لاحتواء هذا الخطر السلبي، فمارس صانعو السياسة فيها ضبط النفس مع الولايات المتحدة، من خلال الحد من عدد الشركات الأميركية التي تغطيها قائمة بكين للكيانات غير الموثوقة. كما استمعت بكين إلى الشركات الأميركية، لا سيما في مجال الخدمات المالية. وقالت "ديلويت" إن عرض المزيد من التقدم في الوصول إلى الأسواق من خلال التراخيص وتخفيف قيود الملكية يمكن أن يكون حافزاً لبكين وواشنطن لإيجاد توازن جديد في علاقتهما. وأضافت أنه "إذا كانت استراتيجية الصين الجديدة للتداول المزدوج (جعل الصين أكثر اعتماداً على الذات) تعني شبكة أمان اجتماعي أوسع وليس استبدالاً ضخماً للواردات، فستظل الصين جذابة للغاية للشركات الأميركية، التي ستكون قوة تضغط من أجل تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والصين". وأوضحت "ديلويت" أن جهود بكين للتخفيف من تغير المناخ يمكن أيضاً أن يكون مجالاً للتعاون بين أكبر اقتصادين في العالم.
وكانت ألاسكا شهدت اجتماعات المسؤولين الأميركيين والصينين في مارس (آذار) الماضي، واعترف الضالعون فيها بصعوبتها ووصفوها حين ذاك بـ"الصعبة والمباشرة"، إذ كشفت عن عمق التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم. ولم تسفر المحادثات التي تصدرتها أجندات الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا في ذلك الوقت عن اختراقات دبلوماسية كما كان متوقعاً، لكن التنافس المرير القائم يشير إلى أن بين البلدين القليل من الأرضية المشتركة لإعادة العلاقات، التي تدهورت إلى أدنى مستوى لها منذ عقود.
وكان تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الذي أصدره صندوق النقد الدولي قبل أيام على هامش اجتماعات الربيع، توقع أن ينضم الاقتصاد الأميركي إلى اقتصاد الصين في إعادة الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى يتجاوز ما كان عليه قبل الجائحة.