يوماً بعد يوم يزداد المشهد تعقيداً بين دولتي مصب نهر النيل (مصر والسودان)، وإثيوبيا، من دون "حلحلة في الأفق" بشأن أزمة سد النهضة، وذلك على إثر تشدد المواقف الصادرة عن العواصم الثلاث بشأن الخطوات المستقبلية للتعاطي مع السد، الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق، وتصر على تنفيذ الملء الثاني له في موسم الفيضان المقبل المرجح في يوليو (تموز)، حتى من دون التوصل إلى اتفاق مع الخرطوم والقاهرة.
لا وساطة دولية
واليوم الجمعة، جددت إثيوبيا رفضها للوساطات الدولية، وأعرب نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين عن رفض بلاده القاطع لتدويل هذا الملف العالق منذ سنوات. مشدداً على أن الإقدام على مثل تلك الخطوة "لن يجبر بلاده" على القبول بأي اتفاق. وذلك في إشارة إلى تحركات مصرية سودانية قبل أيام، لإعادة ملف سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.
وذكر ميكونين، خلال كلمة للخارجية الإثيوبية في بيانها أثناء مناقشة عبر الإنترنت نظمتها الوزارة بالتعاون مع البعثات الإثيوبية في أوروبا، أن بلاده لن "تقبل أبداً بشروط جائرة تسعى للحفاظ على الهيمنة المائية لمصر والسودان". معتبراً أن "المفاوضات حول سد النهضة توفر فرصة للتعاون، إذا اتبعت القاهرة والخرطوم نهجاً بنّاء لتحقيق نتيجة مرضية للجانبين، في إطار العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي".
وتابع، أن استمرار ممارسة الضغوط على بلاده عبر التسييس المتعمد وتدويل الأزمة، لن يجعل أديس أبابا تقبل باتفاق يعود إلى الحقبة الاستعمارية بشأن نهر النيل.
وترفض إثيوبيا مقترحات تقدمت بها مصر والسودان، بهدف توسيع دائرة الوساطة، واعتماد الوساطة الرباعية التي تضم الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بهدف تسريع الوصول نحو "اتفاق قانوني وملزم قبل عملية الملء الثاني"، وتعلن تمسكها بوساطة الاتحاد الأفريقي.
مصر تلملم خياراتها
إلى ذلك، اعتبر وزير الخارجية المصرية سامح شكري، أن بلاده لا تزال تعمل في إطار مفاوضات سد النهضة، على الرغم من "التعنت من الجانب الإثيوبي، مقابل المرونة من الجانبين المصري والسوداني"، على حد وصفه.
وذكر شكري، خلال لقائه أعضاء لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب المصري، أمس الخميس، أن خطوات القاهرة المقبلة مرهونة بمدى الضرر الذي قد يقع على مصر جراء الملء الثاني للسد. موضحاً، "يمكن تصور أن الأمر يسير من دون وقوع ضرر، أما إذا وقع ضرر فهنا تعمل كل أجهزة الدولة لمواجهة هذا الضرر والتصدي له وإزالة أي آثار له"، مؤكداً أن كل "الإمكانات والقدرات متوفرة لدى الدولة وأجهزتها المختلفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب شكري، فإن "التقييم الفني يشير إلى أنه لن يقع ضرر على مصر حال قيام الجانب الإثيوبي بالملء الثاني". وأردف، "لكن، كل شيء مرهون بدراسات وتقييم دقيق على أرض الواقع لما يحدث بالفعل". وشدد على أن أجهزة الدولة ترصد كل ذلك بشكل يومي، "لأن هذه القضية وجودية وقضية حياة مرتبطة بحياة الشعب المصري، ولا تهاون فيها ولا تعامل معها إلا بكل جدية والتزام".
من جانبه، قبل يومين دعا السودان إثيوبيا إلى عدم المضي قدماً في تنفيذ خطة الملء الثانية بشكل أحادي، مشيراً إلى أن غياب آلية واضحة لتنسيق البيانات، يمكن أن يؤثر في سلامة سد الروصيرص السوداني الواقع على بعد 100 كيلومتر من السد الإثيوبي. كما يمكن أن يتسبب في نقص حاد في مياه الشرب على غرار ما حدث العام الماضي، عندما أقدمت إثيوبيا بشكل مفاجئ على الملء الأول لبحيرة سد النهضة بمقدار 4.9 مليار متر مكعب.
ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق حول ملء السد الذي تخشى القاهرة والخرطوم من آثاره عليهما. وعلى الرغم من مرور هذه السنوات أخفقت البلدان الثلاثة في الوصول إلى اتفاق. ويمثل نهر النيل، أطول أنهار العالم، شريان حياة يوفر الماء والكهرباء للدول العشر التي يعبرها.
وتخشى مصر أن يؤثر السد الإثيوبي في حصتها من مياه النيل البالغة 55 ونصف مليار متر مكعب سنوياً، وهو ما تنفيه أديس أبابا وتقول إنها تهدف لتوليد الطاقة وليس حجز المياه، بينما تتخوف الخرطوم من معايير أمان السد الذي قد يتسبب انهياره، إذا ما حدث، في غرق مساحات شاسعة من البلاد وتضرر الملايين.
وعلى الرغم من حض مصر والسودان إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد حتى التوصل إلى اتفاق شامل، أعلنت أديس أبابا في 21 يوليو 2020، أنها أنجزت المرحلة الأولى من ملء الخزان البالغة سعته 4.9 مليار متر مكعب، التي تسمح باختبار أول مضختين في السد. كما أكدت عزمها على تنفيذ المرحلة الثانية من ملء بحيرة السد في يوليو المقبل.
ويتمحور الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول فترة ملء وكيفية تشغيل سد النهضة. وتطالب القاهرة أن تمتد فترة ملء السد إلى عشر سنوات مع الأخذ في الاعتبار سنوات الجفاف، بينما تتمسك أديس أبابا بأربع إلى سبع سنوات، وذلك بدلاً من سنتين إلى ثلاث، حسب مصادر حكومية إثيوبية.