هل نتذكر النكتة القديمة في شأن جون كيري؟ أعتقد أنها ربما صيغت خلال محاولته الشجاعة، ولكن الفاشلة لانتزاع الرئاسة من جورج دبليو بوش في عام 2004 (عندما، بالمناسبة، أدار بوش حملة قذرة ووقحة فعلاً لتشويه سجل كيري المميز في حرب فيتنام)، لذلك فإنها قديمة، وليست مضحكة جداً.
"جون كيري دخل حانة، وقال له النادل مرحباً، لم هذا الوجه الحزين [حرفياً المستطيل] ؟".
وعلى أي حال، يحمل كيري، الذي عُين من جديد كمبعوث رئاسي أميركي خاص لتغير المناخ، قدراً كبيراً من التفاؤل في هذه الأيام. ولأنه ربما على وشك إنقاذ الكوكب، هل يستطع تغليب الابتسامة على أكثر الملامح صرامة؟
في رحلته إلى بكين، يأمل كيري في إقناع الرئيس شي جينبينغ بوضع أهداف انبعاثات جديدة أكثر صرامة للاقتصاد الصيني، تماماً كما يخطط الرئيس بايدن القيام به في الولايات المتحدة. لقد اختار كيري المكان المناسب. كان يقال على نحو صائب إن أميركا هي الملوث الأول في العالم، لكن هذا التكريم غير المرغوب فيه أصبح حالياً من نصيب جمهورية الصين الشعبية، التي تنتج حالياً نحو 28 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، واعتمادها التاريخي على محطات الطاقة التي تعمل بالفحم الحجري أمر موثق جداً. مع ذلك، فإن انبعاثاتها بدأت تتقلص في الوقت الحاضر بفضل زيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة، لكن تبقى سماء الصين، التي قد تبدو للزوار في الوهلة الأولى وكأنها ملبدة بالغيوم، في الواقع مكفهرة بسخام يحجب الشمس. وتنتج الصين نحو ضعف ما تنتجه الولايات المتحدة من الانبعاثات هذه الأيام، وعلى سبيل المقارنة، نحو 30 ضعفاً مما تنتجه المملكة المتحدة.
بالطبع، تعاني الصين مثل هذه المقارنات بشكل غير عادل، لأن الكثير من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغرب تصدر فعلياً إلى الشرق، حيث تصنع العديد من المنتجات والسلع الاستهلاكية، بدلاً من تصنيعها محلياً في الغرب. وهكذا، تشيطن الصين إلى حد ما بسبب إنتاجها للطاقة اللازمة لصنع كل ما يحتاج إليه الأميركيون والأوروبيون. في هذا الصدد، يمكن القول إن الصينيين يتنفسون هواءً ملوثاً حتى لا نتنفسه نحن. ومع ذلك، يمكن للصين القيام بدورها لتوليد تلك الطاقة بشكل أكثر استدامة. وبقدر أكبر أيضاً، يمكن لكلمة أو كلمتين مفيدتين من الرئيس شي إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني المساهمة كثيراً في ضمان بقاء الحياة على الأرض أكثر من أي عدد من متظاهري تمرد الانقراض الذين يلتصقون بقطارات الأنفاق في لندن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لهذا، تكتسي مهمة كيري أهمية كبيرة. قد نكون على يقين من أن مبعوث الرئيس لن يسافر إلى بكين فقط ليغادر خالي الوفاض، وبصراحة فإن أي تقدم سيكون موضع ترحيب كبير. فبعد حوارات حادة بشكل غير معتاد حديثاً بين الدبلوماسيين الأميركيين والصينيين، والإدانة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الانتهاكات الصينية لحقوق الإنسان، من المدهش والمشجع للغاية أن الصينيين كانوا على استعداد للاستماع إلى كيري.
لكن، يبدو أن الأوجه المختلفة للعلاقة الأميركية الصينية – مثل حقوق الإنسان والتجارة والمناخ - تُدار بشكل أو بآخر على نحو منفصل. لقد كان دونالد ترمب معادياً ومسيئاً بطريقة جزافية تجاه الصين، ولا سيما عندما سبب إهانة غير ضرورية بإلقاء اللوم على الصين و"فيروس الصين" في أزمة كوفيد، وإثارة حرب تجارية عبثية. في المقابل، يبدو أن بايدن يتبع نهجاً أكثر دهاءً؛ فهو يتخذ موقفاً أكثر تشدداً ضد الحرب على المسلمين الإيغور، ولكنه أيضاً أكثر استعداداً للانخراط مع الصين في التجارة. وكما هو الحال الآن، فهو أكثر استعداداً للعمل مع الصين لمواجهة تحديات أزمة المناخ. ففي نظر ترمب، كان تغير المناخ خدعة صينية، وكان أفضل رد عليها حرق المزيد من الفحم والخروج من اتفاقية باريس. في حين تتخذ إدارة بايدن نظرة أكثر واقعية إلى تغير المناخ باعتباره مشكلة عالمية حقيقية تحتاج إلى تحرك دولي.
تمثل زيارة كيري إذاً لحظة أمل في الحوار الصيني - الأميركي لبث الاستقرار في أهم علاقة ثنائية في العالم. لقد كانت الأمور بحاجة إلى إعادة الضبط بعد حمق سنوات ترمب. ويبدو أنه من الممكن، على الرغم من كل الصعاب، انتقاد، وحتى معاقبة الصين على حقوق الإنسان وشعب الإيغور وهونغ كونغ والتوسع في بحر الصين الجنوبي، وفي الوقت نفسه التعاون معها في الاقتصاد والبيئة. قد يكون هذا عملاً قذراً بعض الشيء، لكن إذا لم نكن نرغب في ترك الصينيين يخنقون الحياة على الأرض، فلن يكون أمام الغرب الكثير من الخيارات.
والحقيقة المؤلمة هي أنه حتى لو أردنا ذلك، لا يمكن لبقية العالم تجاهل الصين، ناهيك بتحويلها إلى دولة منبوذة، لأنها قوة صناعية وعسكرية عظمى. وتحتفظ خزانتها بكميات هائلة من سندات الخزانة الأميركية، ويمكنها تحطيم الدولار والأسواق المالية متى تشاء (على الرغم من أنه من غير المنطقي القيام بذلك). كما يمكن للصين أن تمارس تأثيراً مفيداً على الأنظمة الخطرة المزعجة في كوريا الشمالية وميانمار، واستخدام شبكتها الصناعية الدولية المسماة "الحزام والطريق" لفعل الخير. والأهم هو أن الصين تمسك بمستقبل الكوكب في راحة يدها، وبالتأكيد هذه هي أكثر قوة تفاوضية تمتلكها. وإذا توصل كيري إلى اتفاق في شأن المناخ في بكين، فلا داعي لأي شخص أن يكون حزين الوجه.
© The Independent