في إطار مراجعة شاملة لقانون الهجرة بالمملكة المتحدة، كشفت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل الشهر الفائت عن خطط ستؤدي تلقائياً إلى حجب حق اللجوء عن النازحين الذين يصلون إلى المملكة المتحدة عبر طرق غير شرعيّة. وبدل إيوائهم في البلاد سيخضع أولئك اللاجئين، وفق خطط باتيل، لعمليات تقييم منتظمة تؤدي إلى إبعادهم من بريطانيا، كما سيجري الحدّ من حقوق عائلاتهم في مسألة لَمّ الشمل وتلقّي المساعدات.
وفي السياق اعتبرت الحكومة أن مقترحات خطط باتيل "صارمة لكنّها عادلة"، بيد أن المحامين والجمعيات الخيرية والحقوقية قالوا إن هذه الخطط تنذر بـ "تقويض قانون اللجوء" (البريطاني) وسيكون لها انعاكاسات "قاسية" على اللاجئين، إذ أنها تترك أشخاصاً تعرضوا للصدمات، في واقع عدم استقرار لفترة ممتدة.
والجدير ذكره هنا أن أكثرية الأشخاص الذين يُمنحون صفة لاجئ في المملكة المتحدة يصلون إليها عبر طرق غير شرعية. وفي سنة 2019 كان معدل 1 من خمسة فقط من تأشيرات الحماية (في بريطانيا) قد منحت عبر نسق إعادة التوطين الصادر من الحكومة.
ووفق خطط باتيل الجديدة هذه، فإن كثيرين من اللاجئين الذين استقروا في بريطانيا وباتوا اليوم مساهمين في المجتمع البريطاني، كانوا إما تعرّضوا للترحيل، أو علِقوا في حالة تيه وعدم استقرار. وسألت "اندبندنت" بعض أولئك اللاجئين اللذين استقروا في المملكة المتحدة عن آرائهم تجاه تعديلات باتيل لقانون اللجوء، وترِد ملاحظاتهم في المقالة أدناه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، علّق متحدث بإسم وزارة الداخلية البريطانية على ما يثار حول التعديلات، فقال إن الخطط الجديدة المقترحة في قانون الهجرة ستعني أن نظام اللجوء سوف "يرحب بالقادمين إلى المملكة المتحدة عبر طرق آمنة وشرعيّة، وذلك بموازاة إجراءات صارمة يفرضها على عصابات تهريب البشر". وتابع قائلا "نحن لا نقدّم اعتذارًا لأحد في سعينا إلى إصلاح نظام أفسده مهربوا البشر، الذين يشجّعون الناس على المخاطرة بحياتهم وهم يعبرون القناة (الإنجليزيّة)". وأضاف المتحدث "إن العمل الحثيث مع زملائنا الذين يطبقون التدابير القانونية في فرنسا، يساهم في منع اللاجئين من مغادرة السواحل الفرنسيّة".
كولباسيا هاوسو (حامل وسام الامبراطورية البريطانية)، 45 عاماً، ناشط داعم للناجين من التعذيب
وصلتُ (إلى بريطانيا) على متن عبّارة سنة 2005. كان عليّ ترك بلادي على نحو مفاجئ جدًا ومعي فقط حقيبة ثياب حملتها على ظهري. دامت رحلتي ستة أو سبعة أشهر. كنت مصدومًا، بيد أنني أدركت أن المخاطر التي أهرب منها أكبر بكثير من المخاطر التي تنتظرني.
لم يكن ثمة من طريق شرعية أو آمنة يمكنني سلوكها. نظام إعادة التوطين مخصص فقط للأشخاص الذين هم سلفًا في مخيمات اللاجئين، تلك الأمكنة التي تشرف عليها مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة. في حالتي، عندما كنت هاربًا من خطر محدق، ماذا كان يفترض عليّ أن أفعله؟ كان ينبغي أن أغادر فحسب، وأحاول النجاة بحياتي.
لم يكن لدي خيار أو قدرة على تحديد المكان الذي سأتوجه إليه. لو كان لدي فرصة للاختيار لما اخترت المملكة المتحدة. فأنا لم أكن أتحدث اللغة الإنجليزية. لكن الأمر الوحيد الذي كان متاحًا لي تمثّل بدفع مبلغ من المال لمن ينقلني إلى مكان آمن، وهؤلاء أوصلوني إلى المملكة المتحدة.
بريتي باتيل لا تعرف واقع الأمر. هل تعتقد فعلًا أن الشخص الهارب من الخطر يمكنه أن يطلب تأشيرة دخول؟ الأمر ليس بهذه السهولة التي تدّعيها. خططها لن تسهم إلا بدفع الناس لسلوك طرق أكثر خطورة. إذ لا يمكن منع الناس من الهروب لإنقاذ حياتهم.
لقد مُنحت فرصة لبناء حياتي والمساهمة في بناء المجتمع. وهذا الأمر اعترفت به الملكة – فمُنحت وسام الإمبراطورية البريطانية السنة الفائتة. لكن، لو طبقت تلك التعديلات حين وصلت إلى بريطانيا، فإني لم أكن لأحصل على فرصتي، ولما حققت كل هذا. كما أنني لم أكن لأتحدّث معك الآن.
هاوسو المقيم اليوم في لندن كان نزح جراء الاضطهاد من أفريقيا الوسطى وقضى فترة في مراكز احتجاز اللاجئين والتشرّد حين وصل إلى بريطانيا. هو الآن أحد مؤسسي شبكة "سورفايفورس سبيك آوت" Survivors Speak OUT التي يقودها ناجون من التعذيب، وقد منح "وسام الإمبراطورية البريطانية" MBE ضمن لائحة الشرف لسنة 2020.
عماد الأرنب، 43 عاماً، صاحب مطعم
تعرضت للخطف لمدة 94 يومًا في سوريا. غادرت بمفردي سنة 2015، على نحو مفاجئ. لقد جازفت بحياتي بصندوق شاحنة على مدى 49 ساعة. يتحدثون اليوم وكأننا نملك خيارات – لا أحد يختار السفر في صندوق شاحنة. لو كان ثمة طريقة في بلدي للتقدّم والحصول على تأشيرة دخول (إلى بريطانيا) لما جازفت بحياتي.
عائلتي تبعتني سنة 2016 بفضل نظام لَمّ الشمل. لديّ الآن زوجتي وبناتي الثلاث ووالدي المتقدم في السن. هم معي الآن في بريطانيا. جئت إلى المملكة المتحدة بسبب اللغة. إذ أن عمري لم يعد يسمح لي بتعلم لغة جديدة. لم يكن بوسعي أن أحقق ما انجزته اليوم لو أنني في بلد لا أعرف لغته. يتكلمون عنّا وكأننا مشكلة أساسية، فيما نحن مجرد أناس عاديين. كنت في سنة 2009 أمتلك عددًا من المطاعم ومحال العصير والمقاهي في دمشق. كان لدي أكثر من 120 موظفًا في شركتي. كنّا نحقق نجاحًا كبيرًا. خسارة كل ذلك مثّلت أفظع كوابيسي. لا أعرف ما هي مشكلة بريتي باتيل، إنها تحاول لوم طالبي اللجوء والنازحين وتحملهم مسؤولية التدهور الاقتصادي. في مطعمي لدي نحو 18 موظفًا، بينهم على الأقل ستة بريطانيين. بوسع اللاجئين القيام بأمور جيدة هنا.
طباخ سوري ومستثمر، كان له مطعمان ناجحان ومقهى وسلسلة من محال العصير في دمشق قبل أن تتهاوى أعماله بعد اندلاع الحرب. يقيم الآن وعائلته في بريطانيا ويتحضر لافتتاح مطعم في وسط لندن.
زرينكا برالو، 53 عاماً، مديرة جمعية تعنى بشؤون اللاجئين والمهاجرين
وصلتُ إلى المملكة المتحدة سنة 1993. كانت مدينتي سراييفو تحت الحصار ولم يكن ثمّة طريقة للخروج منها أو الدخول إليها. لم تكن هناك رحلات جوية مباشرة. ولم تكن لدي خطّة واضحة. لم تكن لدي فكرة عن ما يفترض أن يفعله المرء حين يصبح لاجئًا. كنت مفصولة عن العالم ورازحة تحت القصف والصدمات والجوع على مدى 18 شهرًا.
جئت إلى بريطانيا لأن لدي فيها أصدقاء صحافيين وأجيد التحدث بالإنجليزيّة، وكان ما زال بإمكاني المجيء من دون تاشيرة دخول. بدا الأمر منطقيًّا. وكنت أبحث عن أصدقاء لمساعدتي.
الأحوال تفاقمت منذ ذلك الحين. مستوى القهر الذي يلاقيه حتى اليوم طالبو اللجوء في بريطانيا يتخطى ما يمكن للمرء أن يصدّقه. بات من الأشياء الإعتيادية الجديدة أن يلقى اللاجئون معاملة بالغة السوء، وأن يحاطوا بالشبهات. وأمام هذا، تقوم وزارة الداخلية بالتهرب من المسؤوليّة، مبديةً عدم كفاءة كاملة ومطلقة. فهم يقولون إنّه لا ينبغي على الناس الوصول عبر طرق غير شرعيّة، لكن ليس ثمة من طريق شرعية (قانونية). الطريقة التي تقوم بها الحكومة البريطانية في تأويل ميثاق الأمم المتحدة تتركز على إيجاد ذرائع تُعفيها من تأمين الحماية للأشخاص. وأنا أعرف من عملي أن هناك أشخاصاً خيّرون كثيرون في هذا البلد يودون استقبال اللاجئين. فالناس عالقون في مخيمات اللجوء لسنوات، والناس هنا يودون مساعدتهم، لكننا نبقى عاجزين عن تحقيق ذلك.
عملت برالو صحافية في سراييفو، البوسنة، مع مراسلي حرب كبار خلال الحصار بمطلع التسعينيات، وذلك قبل اضطرارها إلى المغادرة. هي الآن تعيش في لندن وتشرف على منصة "مايغرنتس أورغنايز" Migrants Organise التي تنظم حياة المهاجرين واللاجئين.
غولوالي باسارلاي، 26 عاماً، كاتب ومناصر لحقوق اللاجئين
كان عمري 13 سنة حين وصلت إلى المملكة المتحدة في صندوق شاحنة تبريد. نزحت من أفغانستان برفقة أخي الأكبر. ليس ثمة من طريقة آمنة وشرعية للأفغان كي يسلكوها طلبًا للجوء إلى بريطانيا. قام المهربون بتفريقنا. وصل أخي إلى بريطانيا، لذا أتيت إلى هنا كي أكون معه. عندما وصلت إلى هنا حصل مرتين إشكال يتعلق بعمري، وكان عليّ الانتظار سنوات كي تحلّ تلك المشكلة.
الخطط الجديدة قاسية، لكنني غير متفاجئ. وزارة الداخلية تريد معاقبتنا ولومنا على ما يبدر منهم من تقصير. الوزراة تضلل الرأي العام. وبدل أن تجعل نظام (الهجرة) المعتمد أكثر إنسانية وكفاءة، تقوم بتعقيده أمام الناس من أمثالي. لكن هذا لن يغيّر الأمور. فالناس سيتابعون القيام بالرحلات (الخطرة) ويتحينون الفرص. وسيستغل المهربون طالبي اللجوء أكثر فأكثر. سيقولون: "سنأخذكم إلى المملكة المتحدة ونكون حريصين على أن لا يجري اعتراضكم، فلا تدري السلطات بوجودكم هناك". سوف يضعون الناس في حال أكثر خطورة.
أحاول الآن أن أرد الجميل للمجتمع، وكثيرون من اللاجئين سيفعلون الأمر ذاته إن جرى منحهم الفرصة. لدي أصدقاء لاجئون يعملون بمختلف المهن، من أعمال البناء إلى قطف الفاكهة، كي يتابعوا تحصيلهم ويصبحوا محامين ومدراء شركات. بيد أن الأمر لا يتعلّق بمدى مساهمة هؤلاء. إذ على هذا البلد أن يحمي اللاجئين لأن ذاك يمثل الأمر الصواب الذي ينبغي القيام به.
باسارلاي، المقيم اليوم في نورث أمبتونشير، غادر أفغانستان سنة 2007 وسافر في رحلة 12 ألف ميل قبل أن يصل إلى بريطانيا كي يلتحق بشقيقه. درس العلوم السياسية في جامعة مانشيستر وهو الآن مؤلف له أعمال منشورة، والناطق بإسم منظمة "تيديكس" TEDx ومدافع عن حقوق اللاجئين.
ستيف علي، 28 عاماً، كاتب، وحرفي فضّة، ومترجم
كنت أدرس في سوريا لكني اضطررت للمغادرة قبل إكمال تخصصي والحصول على شهادتي. وصلت إلى بريطانيا سنة 2017. سافرت في محرّك حافلة طوال رحلتها التي دامت 10 ساعات. لم تكن رحلة مريحة.
الناس الذين يهربون من مناطق الحرب لا يبحثون عن المزيد من المآسي. لو كان ثمة طرق آمنة لتقديم طلبات اللجوء، لكان كل شخص قام بسلوكها. طرق إعادة التوطين هي طرق محصورة جداً. إذ لا يمكنك تقديم الطلب من بلدك، بل فقط من مخيمات اللجوء. بالنسبة لشاب في مقتبل العمر مثلي، فإن حظوظ القيام بذلك كانت شبه معدومة.
أمام الطريقة التي قامت بها بريتي باتيل بعرض قوانينها وخططها الجديدة، فإنك تظن بأنها ستعمل على حماية الناس من استغلال المهربين. هذا قد يكون منطقيًّا لو قامت باستبدال طرق اللجوء الخطرة بطرق جديدة آمنة. بيد أن الأمر لا يمثّل سوى دليل جديد على أنهم يفعلون ما بوسعهم لعدم قبول اللاجئين.
وهم في الحقيقة يفعلون ذلك في كل مرّة بطريقة خاطئة، فيهدرون المال على تدابير تأمين الحدود ومراقبتها. ملايين كثيرة أنفقت على تشديد التدابير الحدودية في كاليه (الفرنسية)، وبناء الأسيجة والحراسة. لكن لا شيء من تلك الأشياء أدى إلى وقف اللاجئين عن العبور.
كل هذه الخطط الجديدة الهادفة إلى حرمان اللاجئين من الحصول على تأشيرات الإقامة الدائمة وإلى محاولة ترحيلهم، لن تنجح بدورها. فهي لن تؤدي إلّا إلى زيادة الأعباء على الدولة. وذاك لن يساعد أحدا.
علي، لاجئ سوري يعيش اليوم في لندن حيث يعمل كاتباً وصائغ فضة ومترجمًا لـ "إن بي سي يونيفيرسال" NBC Universal. كما شارك في تأسيس "مركز اللاجئين الإعلامي" Refugee Media Centre الذي يؤمن الصلة بين الصحافيين من جهة، والنازحين والأشخاص الذين لا يمتلكون وثائق، من جهة أخرى.
© The Independent