لقد عارض البعض في المملكة المتحدة وأستراليا وغيرهما، بطاقات الهوية، بناء على اعتبارات تتعلق بالخصوصية، لكن ليس من الواضح كيف يمكن أن تكون البيانات الموجودة على بطاقة الهوية مختلفة عن تلك التي يخزنها جواز السفر أو شهادة قيادة السيارة. ومن واقع تجربتي، فإن بطاقة الهوية الوطنية يمكن أن توفر مزيداً من الحرية.
والعديد من البلدان التي لم يكن لديها تاريخياً نموذج وثيقة الهوية الشخصية، تدرس الآن طرح بطاقات تعريف، لا تختلف عن بطاقة الهوية إلا بالاسم، وذلك لتوثيق وضعية الشخص بما يخص لقاح "كوفيد-19".
يجب أن يتبنى الجميع هذا الموقف، بمن فيهم المدافعون عن الخصوصية، فبدلاً من إعطاء الحكومة فرصة الوصول إلى بيانات جديدة، تسمح بطاقة الهوية هذه، باستعمال البيانات المخزنة فيها (وخدمة المواطن) بصورة أكثر فاعلية.
ومن شأن الحوكمة الإلكترونية (استعمال تكنولوجيا الاتصالات لتقديم الخدمات الحكومية)، التي تعتمد على نموذج موحد لبطاقة هوية وطنية، أن تحسّن بشكل كبير سبل تقديم الخدمات العامة لمن يستحقونها، سواء في مجالات التعليم، أو الرعاية الاجتماعية، أو التصويت، كما تسمح برفع مستوى المساءلة والشفافية في الحكومة.
إن مشاعر القلق المجردة بشأن الحريات المدنية هي نوع من الرفاهية التي لايمكن للشطر الأكبر من العالم أن يتحمل تكلفتها. وحتى في بلدان العالم الأكثر ثراء، يواجه الأشخاص المهمشون والأكثر فقراً صعوبات للوصول إلى الرعاية الاجتماعية والخدمات الحكومية الأخرى. لكن من شأن بطاقة الهوية الموحدة أن تسهل هذا الوصول ليتم بسلاسة، كما رأيت ذلك في بنغلاديش، حيث أعمل مستشاراً لدى الحكومة لشؤون السياسات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إن بطاقة الهوية الوطنية الخاصة ببلادنا التي تم إصدارها في عام 2006، تسمح حتى لمواطني المناطق الأكثر عزلة أن يحصلوا على حاجاتهم الأساسية، بما في ذلك الوصول إلى الرعاية الصحية، والخدمات المصرفية، ودائرة تسجيل الأراضي، والسجلات الضريبية والتعليم، وذلك كله كجزء من الحكومة الإلكترونية التي تتركز مهماتها على تلبية حاجات المواطن.
وكانت هذه العملية أساسية لجهة توفير الرعاية الاجتماعية لـ5 ملايين مواطن بنغلاديشي، ممن دفعتهم الجائحة إلى لجة الفقر والحرمان. وسمحت بطاقات الهوية بفتح 5 ملايين حساب مصرفي جديد وتمويلها، من خلال المدفوعات التي تقدمها الحكومة كقروض لتخفيف شظف العيش في حالات الطوارئ، وذلك في غضون عشرة أيام، مع تلبية متطلبات التحقق من الهوية التي تدعى " اعرف زبونك".
من المقلق أن ترى بعض صناع السياسة يحددون هويتهم الوطنية من خلال معارضتهم لبطاقات الهوية الوطنية، أو من خلال تصوير هذه المسألة على أنها قضية تتصل بالخصوصية، وذلك في الوقت الذي نجد فيه أن كل حكومة تقريباً (وأيضاً شركات خاصة عديدة) قادرة سلفاً على الوصول إلى البيانات " الخاصة" للأفراد.
وثمة انتقاد آخر موجه لبطاقات الهوية، وهو أن وثيقة تعريفية كهذه، تنطوي على تمييز ضد أولئك الذين رفضوا أخذ اللقاح، أو الذين كانوا غير قادرين على تلقيه لأسباب صحية. ينبغي احترام ذلك، واستعمال أشكال أخرى من الشهادات الصحية مثل الاختبار أو وجود الأجسام المضادة.
لا توجد حرية شاملة. وإذا لم يخضع شخص ما لاختبار قيادة السيارة (أو أنه كان غير قادر على قيادة سيارة لأسباب صحية)، فسيكون من غير المعقول بالنسبة إليه أن يزعم أن عدم السماح له بقيادة سيارة ينطوي على انتهاك لحقوقه المدنية.
تستخدم الدنمارك، على سبيل المثال، التي تعد واحدة من أكثر دول العالم تمتعاً بـ"الحرية "، نظاماً رقمياً هو عبارة عن جواز سفر خاص بالفيروس يُدعى "كوروناباس"، يسمح لحامليه ممن تلقوا اللقاح بالوصول إلى أماكن مثل صالونات تصفيف الشعر، والحانات، والمطاعم.
والواقع أن بطاقة الهوية الوطنية يمكنها أن تجعل الحكومة الجيدة أكثر جودة. في المقابل، الافتقار إلى بطاقة الهوية هذه، يمكن أن يوفر ذرائع سهلة للحكومات السيئة لتبرير عدم كفاءتها. وثمة مثال آخر لبطاقة الهوية الوطنية الموحدة التي تجعل ممارسة الحوكمة الرشيدة ممكنة، وهو البطاقة المستخدمة في أستونيا. فهذه الدولة الصغيرة في حوض البلطيق تتفوق دوماً على الولايات المتحدة، كما تكون جنباً إلى جنب مع المملكة المتحدة، من حيث التصنيف المتعلق بـ"مؤشر التقدم الاجتماعي" (تصدره منظمة أميركية غير ربحية) للحقوق الشخصية والسياسية.
وفي أستونيا، تتيح بطاقة الهوية الرقمية للمواطن الوصول إلى 99 في المئة من الخدمات العامة. وتحتوي بطاقة هوية كل مواطن هناك على شريحة تحمل المعلومات الأساسية عن صاحبها، علاوة على توقيعه الإلكتروني. وتستعمل هذه البطاقة لتنفيذ المهمات كافة، بدءاً من الإقرارات الضريبية إلى التصويت ومروراً بتتبع الوظائف المدرسية. وتتوقع الحكومة أن تكون قد وفرت 800 عام من العمل البيروقراطي (وربما المليارات من الضرائب) بفضل نظامها الرائد على مستوى العالم للحوكمة الإلكترونية.
ولعل النقطة الأهم لجهة التعريف بالحوكمة الإلكترونية لدى أستونيا تتمثل في أن الشعب يدعم هذا النظام. وقد بدأ 90 في المئة من أفراد المجتمع هناك يحملون بطاقة الهوية الوطنية، على الرغم من أنها غير إلزامية، اعتباراً من عام 2012. في الواقع ليست أستونيا دولة عديمة الخبرة بالنظم الاستبدادية، فقد كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق قبل ثلاثين عاماً، وعلى هذا الأساس فهي واحدة من الدول التي يحق لها أن تشعر بالقلق حيال قضايا الخصوصية والحريات المدنية. بيد أن الحكومة الإلكترونية وبطاقة الهوية الوطنية تسمحان بتحقيق الحوكمة الرشيدة وبأداء يتسم بالفعالية والشفافية.
إن نظام الأمن السيبراني في أستونيا لا مفاتيح له، فهو من النوع المعروف اختصاراً باسم "كي أس آي"، ويعني أن الوصول إلى كل الخدمات الحكومية يتم بشكل أوتوماتيكي وعلني أيضاً. وكما جاء على موقع e-Estonia.com فإن "من غير الممكن إعادة كتابة التاريخ". يجب أن تلقى مثل هذه الشفافية الترحيب، وليس الاعتراضات، في أمكنة أخرى.
تسمح بطاقات الهوية للحكومات بالوصول بسهولة إلى البيانات التي تحتاج إليها بغية أداء عملها بشكل جيد. وفي وقت يسلم فيه مواطنو العالم الحر عن طيب خاطر معلومات شخصية نفيسة لشركات تكنولوجية كبيرة غير منتخبة، بطبيعة الحال، لقاء تقديمها خدمات غير أساسية بصورة فعالة، فإن هؤلاء المواطنين يبدون استعداداً متزايداً لفعل الشيء نفسه مع حكوماتهم، عندما يتعلق الأمر بالحصول على خدمات هم في أمس الحاجة إليها.
هكذا يمكن أن تكون شهادة اللقاح بداية لحقبة جديدة من الحوكمة الإلكترونية التي تتميز بالشفافية والفاعلية، بدلا من أن تكون نهاية للجائحة.
انير تشاودري هو مستشار لشؤون السياسات لدى "a2i "، وهو برنامج التحول الرقمي الرائد لحكومة بنغلادش، الذي جرى تنفيذه بشكل مشترك بين وزارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات و وزارة شؤون مجلس الوزراء بدعم فني من قبل "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"
*نشرت اندبندنت هذا المقال في أبريل (نيسان) 2021 ولا تزال مسألة إصدار جوازات صحية موضع نقاش
© The Independent