لخبط صاروخ "SA-5" الذي أطلق من سوريا، أقصى شمال إسرائيل، وسقط في أقصى الجنوب، بالقرب من مفاعل ديمونا النووي، الحسابات الإسرائيلية، بخاصة أن الأبحاث لم تتوقف منذ فترة طويلة حول سبل التعامل مع الملف الإيراني، وإذا كانت تل أبيب ستواصل ما تسميه "الحرب بين الحروب"، التي تقصف خلالها أهدافاً إيرانية وتابعة لـ"حزب الله" اللبناني في سوريا.
وحتى هذه اللحظة، لم توضح المؤسسة العسكرية أسباب فشل اعتراض الصاروخ، مبقية عدة تساؤلات مطروحة، هل تم تفعيل منظومة الدفاع أم أن الرادارات الإسرائيلية التي رصدت الصاروخ حسمت أنه سيقع في منطقة مفتوحة، فلم تطلق صاروخاً مضاداً لتكلفته الباهظة (حوالى نصف مليون دولار)؟ أم أن تل أبيب لم ترصده بتاتاً قبل وصوله إلى الهدف؟
وسواء كان سبب عدم اعتراض الصاروخ واحداً من هذه الاحتمالات أو لأسباب أخرى ما زالت سرية، شرعت إسرائيل بالتحقيق في الموضوع.
وبعد ساعات قليلة من سقوطه، بالتزامن مع وقوع انفجار في مصنع لصناعة معدات عسكرية في وسط البلاد، وجد وزير الأمن بيني غانتس نفسه أمام كثير من التساؤلات في مؤتمر صحافي، اضطر خلاله إلى الاعتراف بإخفاق الجيش. ومن دون أن يوضح جوانب عدة سئل عنها، اكتفى بالقول، إن المؤسسة العسكرية تحقق في ظروف هذه العملية، رافضاً أن تكون هناك أي علاقة بين انفجار مصنع الأسلحة وسقوط الصاروخ.
تصريحات غانتس جاءت في أعقاب حالة القلق والتوتر التي عاشتها إسرائيل بعد سقوط الصاروخ والانفجار الذي وقع في المصنع، في آن واحد. فوصول الصاروخ إلى هذا المدى الطويل وسقوطه بالقرب من أكثر المناطق حساسية واستراتيجية، حيث التخوف من ضربة قد تؤدي إلى تصدعه، أديا إلى حالة طوارئ داخلية اجتمعت خلالها مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية لبحث سبل التعامل مع ما أسماه الإسرائيليون "تصعيد التهديد الإيراني لأمن إسرائيل".
كوخافي إلى واشنطن
بعد يوم من سقوط الصاروخ، أعلن الجيش أن رئيس الأركان أفيف كوخافي توجه إلى واشنطن، في أول زيارة له بعد تسلمه منصبه، ليبحث مع الأميركيين كافة التحديات الأمنية المشتركة، وفي مقدمها الملف الإيراني وجهود طهران لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط بشكل عام، وعلى الجبهة الشمالية بشكل خاص، إضافة إلى سعي "حزب الله" إلى "تعزيز قوته وتداعيات تهديد الصواريخ الدقيقة إلى جانب الجهود الثنائية لبناء القوة العسكرية".
زيارة كوخافي تستمر خمسة أيام، يحل خلالها ضيفاً على رئيس هيئات الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال مارك ميلي، ويلتقي مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الدفاع والجيش الأميركي، بينهم مستشار الأمن القومي جيك ساليفان ووزير الأمن لويد أوستن، وقائد القيادة المركزية كنث ماكنزي وقائد قيادة العمليات الخاصة ريتشارد كلارك.
ويعتبر الإسرائيليون زيارة كوخافي ذات أهمية في هذا التوقيت بالذات، حيث يشكل الملف الإيراني أبرز القضايا التي تشغل مختلف المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية في إسرائيل.
عموماً، في حال القيام بمثل هذه الزيارة أو إجراء تدريبات عسكرية للجيش مباشرة بعد حدث بارز مثل سقوط الصاروخ بالقرب من المفاعل النووي في ديمونا، يسارع الجيش إلى التبرير والتأكيد أنها كانت مخططة من قبل، لكن في بيانه حول زيارة كوخافي لم يتطرق بتاتاً إلى أي ترتيب مسبق، بل إنه أبرز أهمية بحث الملف الإيراني على أكثر من جهة، وهو أمر يعكس مدى انشغال الإسرائيليين بالتطورات الحاصلة في المنطقة، وإمكانية تنفيذ أحد السيناريوهات التي وضعها الإسرائيليون، وهو رد إيراني غير مسبوق من شأنه أن يؤدي إلى تدهور الوضع الأمني وتصعيده إلى حد حصول مواجهات على أكثر من جبهة.
عدم الثقة بالجيش
المؤتمر الصحافي الذي عقده غانتس، واضطر أن يكون صريحاً فيه إلى حد الاعتراف بالفشل والإخفاق، عكس جانباً من الحالة التي دخلت فيها المؤسسات الإسرائيلية ذات الشأن.
وقد ظهرت خلافات إسرائيلية في كيفية التعامل مع الموضوع، لكن الصوت الأعلى كان في عدم التراجع أمام أي تهديد إيراني والدعوة إلى عدم الانجرار خلف الضغوط وتغيير قواعد اللعبة في الساحة الشمالية.
وهناك من أكد، وخلافاً لموقف الجيش، أنه تم إطلاق صاروخ لاعتراض الصاروخ السوري، لكنه لم ينجح في مهمته، بالتالي سقط في منطقة قريبة من مفاعل ديمونا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبرت جهات أمنية الحدث غير مألوف ويجب أن يقلق إسرائيل لعدة أسباب، الأول هو معرفة سبب فشل الاعتراض. وشرحت هذه الجهات، قائلة "مسار طيران صاروخ أرض – جو باعث على التحدي على نحو خاص، لأن الصاروخ غيّر مسار طيرانه أثناء الطيران، وبحث طوال الوقت عن أهداف جديدة يصيبها. أما بالنسبة إلى منظومة الدفاع الجوي وإن كانت تملك منظومات الاعتراض الأكثر تقدماً في العالم، فإنها طورت بهدف التصدي لتهديد الصواريخ والمقذوفات الصاروخية. ومطلوب الآن إعطاء جواب لتهديدات جديدة أيضاً، من صواريخ جوالة وطائرات مسيرة وحتى صواريخ أرض - جو".
والسبب الثاني هو التخوف من أن يكون أحد ما في سوريا يفكر بأنه يوجد هنا ابتكار جديد، فيبدأ في إطلاق مقصود لصاروخ أرض-جو باتجاه الجنوب. وتضيف هذه الجهات "الحديث هنا عن صواريخ متطورة ذات مدى طويل جداً، صحيح أنها غير دقيقة ولا يمكن توجيهها بحيث تضرب هدفاً محدداً، ولكن يمكنها أن تسبب الجنون لسكان إسرائيل وتجبي ثمناً بالأرواح والممتلكات".
أما السبب الثالث، وهو يقلق منذ فترة الإسرائيليين، فيتعلق بمدى تداعيات استخدام مثل هذه الصواريخ على موازين القوى في المنطقة.
حتى سقوط هذا الصاروخ، اعتبرت إسرائيل نفسها متفوقة في قدراتها الصاروخية والعسكرية، في أعقاب القصف المكثف على أهداف إيرانية في سوريا من دون نجاح أي منظومة في سوريا في اعتراض الصواريخ التي استخدمها الجيش الإسرائيلي، بحسب جهات عسكرية، ولكن بعد صاروخ ديمونا، قال مصدر عسكري، إن ما حصل قد يدفع دمشق إلى الاقتناع بأنها قادرة على تثبيت ميزان ردع جديد أمام إسرائيل، ولذلك فإن فشل اعتراض هذا الصاروخ سبب حرجاً لتل أبيب.
وتتوقع إسرائيل في أعقاب سقوط هذا الصاروخ، أن يبدأ السوريون والإيرانيون و"حزب الله" في تعزيز القدرات الصاروخية في سوريا وتعبئة المخازن في غضون فترة قصيرة "ببطاريات وصواريخ جديدة، برعاية روسيا"، وفق الإسرائيليين.
أمام هذه الوضعية وسيناريوهات عدة بعد التطويرات الأخيرة، دعت جهات أمنية متخذي القرار في إسرائيل إلى عدم الرضوخ لأي ضغوط والحفاظ على قواعد اللعب تجاه سوريا وإبقاء الخطوط الحمراء، التي وضعتها تل أبيب، وفي مقدمها عدم التراجع عن استمرار ملاحقة أهداف في الطرف السوري من شأنها أن تهدد أمن إسرائيل، بل "تصعيد النشاط الهجومي إذا اقتضى الأمر، حتى لو كانت الفترة حساسة للغاية".