على وقع إغراق كورونا للهند وإحصائه أرقاماً غير مسبوقة في عدد الإصابات، تتجه الأنظار إلى تطورات الفيروس فيها بعد إعلانها عن سلالة متحورة عرفت باسم "B1617" رصدت للمرة الأولى في أواخر مارس (آذار) الماضي.
وفيما لم يعز مسؤولو القطاع الصحي الهندي ارتفاع عدد الإصابات في البلاد إلى تلك السلالة ذات "الطفرة المزدوجة"، مرجعين الأمر إلى سماح الحكومة بالتجمعات الكبيرة، لا تزال السلالة الجديدة تثير القلق حول العالم، بخاصة مع إعلان عدد من الدول تشديد ضوابطها لسفر المواطنين أو وقف الرحلات الجوية من وإلى الهند خلال الساعات الـ24 الأخيرة.
وسجلت الهند، أمس الجمعة، أكبر حصيلة يومية لإصابات كورونا على مستوى العالم لليوم الثاني على التوالي، كما قفزت الوفيات اليومية قفزة قياسية، في وقت دقت فيه المنشآت الصحية ناقوس الخطر حيال نقص إمدادات الأكسجين للمرضى الذين يعتمدون على أجهزة التنفس.
وأظهرت بيانات وزارة الصحة الهندية أن السلطات سجلت 332730 إصابة جديدة، ليتجاوز إجمالي الإصابات 16 مليون حالة. وزادت الوفيات 2263 ليبلغ الإجمالي 186920 حالة. فماذا نعرف عن تلك السلالة الجديدة وما هي أبرز مخاطرها مقارنة مع تلك التي ظهرت في بريطانيا والبرازيل وجنوب أفريقيا؟
بدايات السلالة "الهندية"؟
في الأيام الأخيرة من شهر مارس الماضي، كشف باحثون وجود سلالة "مزدوجة التحور" في الهند بعد فحص مجموعة من عينات المصابين.
وقالت منظمة الصحة العالمية، إنها ظهرت للمرة الأولى في ولايتين هنديتين، وتميزت بسرعة انتشارها وقدرتها على التحايل على الجهاز المناعي، ما عزز من احتمالات عدم فاعلية اللقاحات التي توصل إليها العلماء في الأشهر الأخيرة.
وأشارت نتائج فحص 10787عينة من 18 ولاية هندية إلى إصابة 736 حالة منها بالسلالة البريطانية من الفيروس، و34 حالة أخرى بسلالة جنوب أفريقيا بينما ثبتت إصابة حالة واحدة بالسلالة البرازيلية، ما دفع الخبراء للعمل على تحديد ما إذا كانت السلالة الجديدة، التي تجمع بين "طفرتين مختلفتين في الفيروس نفسه"، سريعة الانتشار ومدى فعالية اللقاح عليها.
وقالت الحكومة الهندية، إن تحليل العينات التي جُمعت من ولاية ماهاراشترا غرب البلاد أظهر "زيادة في طفرتي E484Q وL452R في قطاع من العينات" مقارنة مع معدل الزيادة الذي رُصد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وقال بيان صادر عن وزارة الصحة "مثل هذه الطفرات تمنح الفيروس القدرة على الإفلات من النظام المناعي وتزيد من معدل انتشار العدوى".
من جانبه، نفذ الاتحاد الهندي "سارس - كوف2" لعلم الجينات (اتحاد من عشرة معامل وطنية تعمل تحت إدارة وزارة الصحة الهندية)، كشفاً جينياً على هذه العينات استهدف رسم خريطة للشفرة الوراثية للكائن الذي يمثله في هذه الحالة فيروس كورونا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق ما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، عن شهيد جميل، المتخصص في علم الفيروسات، فإن "الطفرة المزدوجة هي عبارة عن طفرتين يتعرض لهما الفيروس في الوقت نفسه"، موضحاً أن "الطفرة المزدوجة في المناطق الأساسية للبروتين المسماري للفيروس قد تزيد من تلك المخاطر، وقد تسمح للفيروس بالهرب من الجهاز المناعي، ما يجعله أكثر قدرة على الانتشار". وتابع "قد يكون هناك تطور منفصل لسلالة جديدة من الفيروس في الهند يتضمن تعرضه لطفرتي E484Q وL452R معاً".
والبروتين المسماري هو ذلك الجزء من الفيروس الذي يساعده على اختراق جدران الخلايا.
بماذا تمتاز السلالة "الهندية"؟
مع بدايات انتشار السلالة، ذكر موقع "ذي كونفرسيشين" أن "السلالة الجديدة هي نسخة من فيروس كورونا تضم مجموعة من الطفرات، وهو ما يعني أن كل سلالة متحورة تضم مجموعة من الطفرات".
والطفرة هي تغير في ترتيب المادة الوراثية في الفيروس، وبعض هذه الطفرات قد لا يترك أثراً في الفيروس، لكن بعضها الآخر قد يؤثر في قدرته على الانتقال والعدوى، كما حدث في السلالات المتحورة التي ظهرت في بريطانيا وجنوب أفريقيا والبرازيل.
ويقول علماء، إن التحور الذي تمتاز به هذه السلالة قد يكون قادراً على الانتشار بسهولة أكبر من الأشكال السابقة. وقدر الخبراء أن يكون أكثر قابلية للانتقال بحوالى 20 في المئة من الشكل السابق لفيروس كورونا الذي كان ينتشر خلال الموجة الأولى.
مخاطر أخرى تحملها السلالة الجديدة، تتمثل في احتمالات قدرته على التحايل على فاعلية اللقاحات والتأثير على النظام المناعي، إذ تعتمد غالبية تلك اللقاحات على استهداف بروتين "سبايك" للفيروس (موجود على سطحه الخارجي)، لصنع أجسام مضادة فعالة، لكن في حال تغيير الطفرات شكل "سبايك" فقد تصبح تلك الأجسام المضادة أقل فاعلية.
وتشير الدراسات الأولية إلى أن طفرة "إل 452 آر" (L452R)" يمكنها مساعدة الفيروس في التهرب من جهاز المناعة. علاوة على ذلك، يحمل "بي 1617" (B1617) طفرة ثانية، تسمى "إي 484 كيو" (E484Q) التي تغير بروتين "سبايك" أيضاً.
وعليه يشير الخبراء والمتخصصون في الأوبئة والفيروسات، إلى أن السلالة الجديدة المتحورة من فيروس كورونا في الهند، واحدة من أخطر سلالات كورونا في العالم حتى الآن، لاحتوائها على طفرتين تساعدان الفيروس على تجنب الاستجابات المناعية للجسم، وتجعل الأجسام المضادة غير فاعلة.
هذه رحلة تحور كورونا
على مدار أشهر عمر الوباء، الذي يجتاح العالم منذ أواخر ديسمبر 2019، حيث ظهوره في الصين، شهد فيروس كورونا عدة موجات من التحور، سجلت في الأساس في بريطانيا وجنوب أفريقيا والبرازيل، إذ حدث للفيروس تحور في طفراته الوراثية جعلته أكثر قدرة على الانتقال ونشر العدوى، وذلك في وقت يقول العلماء، إن هناك عدة آلاف من السلالات المختلفة، إلا أن معظم الاختلافات بينها غير مهمة، ويمكن أن يكون القليل منها غير مفيد للفيروس نفسه واستمرارية بقائه، لكن البعض يمكن أن يجعله أكثر عدوى أو أشد تهديداً.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، ظهرت في بريطانيا سلالة جديدة من الفيروس عرفت بـ"كينت" أو "بي.7.1.1"، واعتقد الخبراء حينها أنها أكثر قابلية للانتقال أو العدوى بنسبة تصل إلى 70 في المئة، لكن أحدث الأبحاث التي أجرتها هيئة الصحة العامة في إنجلترا أشارت إلى أن تلك النسبة تتراوح بين 30 و50 في المئة. ومنذ ذلك الحين، باتت تلك السلالة الأكثر انتشاراً في بريطانيا، وانتقلت لاحقاً إلى أكثر من 50 دولة حول العالم.
وبعد نحو شهر، وتحديداً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظهرت السلالة الجنوب أفريقية المعروفة باسم "بي.153.1"، التي اشتهرت بتغييرات أكثر أهمية في بروتين نتوءات (التاج) المحيط بالفيروس، ووجد الخبراء أخيراً عدداً صغيراً من الحالات المصابة بالسلالة البريطانية فيها واحدة من هذه التغييرات الأكثر إثارة للقلق. وانطوى ذلك التغيير بالأساس على طفرة رئيسة، تسمى "إي 484 كي"، اكتشف أنها تساعد الفيروس على التهرب من أجزاء من جهاز المناعة، تسمى الأجسام المضادة، التي يمكنها محاربة فيروس كورونا بناء على تجربة من عدوى سابقة أو لقاح. وهو ما كان قد ظهر قبل نحو ثلاثة أشهر، وتحديداً في يوليو (تموز) 2020، عند ظهور السلالة البرازيلية المعروفة باسم "بي.1"، التي أكتشف أن لديها الطفرة ذاتها "أي 484 كي".
وحتى الآن لا يوجد دليل على أن أياً من تلك السلالات المتحورة يسبب مرضاً أكثر خطورة للغالبية العظمى من المصابين، لكن من بين القواسم المشتركة، وكما هي الحال مع السلالة الأصلية، يكون الخطر أعلى بالنسبة إلى كبار السن أو الذين يعانون من ظروف صحية صعبة.