في ما يُعد ضربةً قوية لخطط الهجرة التي وضعتها وزيرة الداخلية للمملكة المتحدة بريتي باتيل، أكدت دول الاتحاد الأوروبي أنها لن تبرم اتفاقات ثنائية مع بريطانيا لتسهيل ترحيل لاجئين من بريطانيا إلى أوروبا.
الإجراءات الجديدة التي كانت قد كشفت عنها وزيرة الداخلية البريطانية الشهر الماضي، تقضي بحرمان اللاجئين الذين يصلون إلى بريطانيا عبر طرق غير مسموحٍ بها، من حقهم التلقائي في اللجوء، وترحيلهم قسراً إلى دول آمنة كانوا قد عبروا من خلالها في طريقهم إلى المملكة المتحدة. وهذه البلدان عادةً ما تكون ضمن كتلة الاتحاد الأوروبي.
وأعربت وزارة الداخلية عن نيتها استبدال "نظام دبلن" الذي كان يسمح للندن بإعادة طالبي اللجوء إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عندما كانت بريطانيا ما زالت جزءاً من الكتلة الأوروبية، بـ "ترتيبات ثنائية لإعادة اللاجئين".
لكن صحيفة "اندبندنت" علمت أن كلاً من فرنسا وبلجيكا وألمانيا، لا تعتزم عقد اتفاقات ثنائية مع بريطانيا في هذا الإطار. ونبهت هذه البلدان إلى أن المملكة المتحدة "لا يمكنها مواصلة الاعتماد على التضامن الأوروبي"، وأن عليها أن "تتقيد بالقانون الدولي"، في هذا المجال.
وتبين أن عدداً من طالبي اللجوء المتواجدين في "نيبير باراكس" Napier Barracks، وهي ثكنة عسكرية في المملكة المتحدة، قد تلقوا رسائل من وزارة الداخلية البريطانية تنذرهم فيها بأنهم قد يتعرضون للترحيل إلى أوروبا، وأن السلطات البريطانية قد لا تنظر في الطلبات التي تقدموا بها للحصول على اللجوء في المملكة المتحدة.
وحذر محامو هؤلاء اللاجئين من أنه في ظل عدم وجود رغبة من دول الاتحاد الأوروبي في إبرام اتفاقات ثنائية على إعادة اللاجئين، فإن هذا المنحى من شأنه أن يؤدي إلى تعليق المطالبات بحماية الأشخاص المستضعفين من دون سبب موجب.
وزير اللجوء والهجرة البلجيكي سامي مهدي، أكد ألا نية لبلاده للتفاوض مع المملكة المتحدة على اتفاقات لإعادة اللاجئين من جانب واحد، وأنه سبق أن أوضح موقفه هذا، لوزير الدولة البريطاني لشؤون الهجرة كريس فيلب.
"على الرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن المهاجرين الذين عبروا من بلجيكا إلى المملكة، من غير الممكن أن يعودوا هكذا ببساطة. فالمملكة المتحدة اختارت بنفسها الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولا تستطيع تالياً مواصلة الاعتماد على تضامننا الأوروبي. ولا يمكن في المقابل أن تتوقع منا الموافقة على عودة هؤلاء المهاجرين."
السفارة الألمانية في لندن، أشارت من جانبها لصحيفة "اندبندنت"، إلى أنه لم تُجرَ أي مفاوضات بين ألمانيا والمملكة المتحدة في ما يتعلق بترتيبات إعادة لاجئين، موضحةً أن برلين "تفضل على وجه العموم اعتماد نهجٍ مشترك من جانب الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن"، ما يعني ضمناً أن موضوع عقد صفقات ثنائية على استرجاع اللاجئين، ليس مطروحاً.
فرنسا من جهتها أعربت عن تأييدها لهذا الموقف، حيث قال متحدث باسم حكومتها، "سنواصل بطبيعة الحال تعاوننا العملي مع المملكة المتحدة لمنع عمليات مغادرة اللاجئين إليها، ومحاربة شبكات التهريب. أما في ما يتعلق بإعادة قبول الموجودين لديها الآن، فإن اللجوء يُعد موضوعاً أوروبياً ويتطلب بالتالي استجابةً على المستوى الأوروبي".
معلوم أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي كانوا قد رفضوا في أغسطس (آب) الماضي طلباً تقدمت به بريطانيا لإبرام اتفاق يسمح لحكومة المملكة المتحدة بإعادة طالبي لجوء إليها إلى الدول الأوروبية، واصفين الاقتراح بأنه "غير عملي ولا يشكل إضافة جوهرية" في هذا الصدد.
كلود مورايس الذي كان أحد الأعضاء البريطانيين في البرلمان الأوروبي حتى انتهاء الفترة الانتقالية لـ "بريكست"، والذي هو على اتصال بزملائه السابقين الذين يعملون على موضوع الهجرة في الكتلة الأوروبية، أعرب عن اعتقاده بأن شيئاً لم يتغير في ما يتعلق بموقف الاتحاد الأوروبي، وأن الحكومة البريطانية كانت على علم بهذا الأمر.
وقال مورايس لصحيفة "اندبندنت" إن "الكتلة الأوروبية لن تتراجع عن موقفها. فدول المجموعة لا تتعاطف مع المملكة المتحدة في هذا الصدد، لأنها تدرك أن بريطانيا حاولت التذاكي وتصرفت بطريقة متهورة وغير مسؤولة حيال الموضوع أثناء "بريكست"، وأن دول الاتحاد أخذت أعداداً أكبر بكثير من اللاجئين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السياسي في حزب "العمال" البريطاني المعارض، الناشط في الدفاع عن الحريات المدنية، رأى أن "السبب في كلام المملكة المتحدة للصحافة عن عقد صفقات ثنائية هو سياسي بحت. وما داموا (المسؤولون البريطانيون) يتحدثون عن صفقات ثنائية، فإنهم يسعون إلى خداع الناس بحملهم على الاعتقاد بأن في جعبة الحكومة نوعاً من الخطط في هذا الإطار مع الاتحاد الأوروبي".
وأشار إلى أنه "في نهاية المطاف سيعملون على استخدام أشكال مختلفة من أساليب التحايل والمناورة، غير أنهم سُيضطرون إلى استيعاب أعداد كبيرة من أولئك اللاجئين. سينتهي الأمر بنا بقبولهم. لكن حتى ذلك الحين، سنتظاهر بأننا حازمون ومصممون على موقفنا، وقد يفضي ذلك إلى حدوث أمور فظيعة. وربما يختارون بعض المناطق البعيدة أو النائية لوضع اللاجئين فيها، في إطار اختبار ردات الفعل المحتملة".
الرسائل التي بعثت بها وزارة الداخلية البريطانية في الأسابيع الأخيرة إلى عدد من طالبي اللجوء الموضوعين الآن في ثكنات "نبيير باراكس" البريطانية، التي تمكنت صحيفة "اندبندنت" من الاطلاع على مضمونها، تفيد بأن هنالك "أدلةً" على أن هؤلاء "كانوا موجودين في إحدى دول الاتحاد الأوروبي أو كانوا عبروا من خلال إحدى تلك الدول قبل وصولهم إلى بريطانيا"، وأنه يمكن تالياً اعتبار مطالبتهم باللجوء "غير مقبولة".
وتنص الرسائل على ما حرفيته، "إذا تم اعتبار طلبك غير مقبول، فلن نسألك عن الأسباب التي دفعت بك إلى التقدم بطلب اللجوء، أو نعمد إلى اتخاذ قرار في ما يتعلق بمطالبتك بالحماية. سنحاول إبعادك إلى الدولة (في الاتحاد الأوروبي) التي كنت قد وصلتَ إليها أولاً أو عبرتَ من خلالها، أو إلى أي دولة آمنة أخرى تقبل بك".
أما جيريمي بلوم، وهو محام في مؤسسة "محامي دنكن لويس" Duncan Lewis Solicitors (تعرف عن نفسها بأنها تتولى قضايا أفراد وكيانات في نحو 25 مجالاً قانونيا) التي تمثل قرابة 20 طالب لجوء تلقوا خطابات وزارة الداخلية، فاعتبر أنه "أمر صادم" أن توزع وزارة الداخلية البريطانية مثل هذه الرسائل، في وقت أن المفاوضات مع دول الاتحاد الأوروبي على هذه المسألة لا يبدو أنها قد بدأت بعد.
وأضاف بلوم أن "مسألةً شائكة من هذا النوع كان يتعين العمل على معالجتها في البداية قبل أن يتم وضع القواعد الجديدة. فالآن، وبعد إتمام الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، يبدو من الصعب معرفة الحوافز التي قد تدفع بدول الاتحاد الأوروبي إلى الدخول في مثل هذا النوع من الاتفاقات مع المملكة المتحدة. وتتمثل إحدى المشكلات الرئيسة في هذا المجال، في احتمال أن تتسبب القواعد الجديدة في تأخير طويل الأمد لمسألة البت في طلبات اللجوء".
مادي هاريس التابعة لـ "شبكة بشر من أجل الحقوق" Humans for Rights Network (توثق رقمياً الانتهاكات ضد حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء في مختلف أنحاء أوروبا وصولاً إلى المساءلة والعدالة)، التي تدعم عدداً من الأشخاص الذين تلقوا تلك الرسائل، ترى أن إبلاغ فرد بأنه يخضع لقاعدة "عدم القبول"، في غياب اتفاقات مع دول الاتحاد الأوروبي تجيز إعادته إليها، إنما يشكل "مادةً للتداول والجدل السياسي".
وحذرت من أن هذا الوضع قد يتسبب في تزايد المعدلات المرتفعة حتى الآن للأمراض العقلية في أوساط هؤلاء الأشخاص الموجودين في ثكنات اللجوء. وقد تم حتى الآن، بعد تدخل محامين، نقلُ ما لا يقل عن 15 طالب لجوء إلى خارج المعسكر، بسبب عدم قدرتهم على مواجهة هذه الضغوط. وتقول جمعيات خيرية إن محاولتيْ انتحار على الأقل قد حصلتا هناك في الأسابيع الأخيرة.
وأضافت هاريس قائلةً إن "المماطلة التي يتحملها الأفراد الخاضعون لقاعدة (عدم المقبولية)، إضافةً إلى مسألة التأخيرات الطويلة القائمة أساساً في نظام اللجوء لدى المملكة المتحدة، ستحول دون تمكنهم من المضي قدماً في حياتهم مرةً أخرى في بريطانيا. ومن شأن ذلك أن يسبب تدهوراً خطيراً في صحتهم الذهنية، في حين أن التهديد بترحيلهم من المملكة المتحدة، ربما إلى بلد لم تطأه أقدامهم على الإطلاق، سيبقى سيفاً مسلطاً على رقابهم".
هذا التطور يأتي بعدما كشف وزراء سابقون في الداخلية البريطانية وموظفون مدنيون لصحيفة "اندبندنت"، أن خطط الوزيرة بريتي باتيل الهادفة إلى ترحيل طالبي اللجوء إلى دول أخرى، هي غير قابلة للتطبيق، وستكون أكثر كلفة.
ورأى اللورد ديفيد بلانكيت الذي تولى منصب وزير الداخلية في الفترة الممتدة ما بين عامي 2001 و 2004 في حكومة توني بلير، أن فرص توصل المملكة المتحدة إلى عقد صفقات ثنائية مع دول الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بإعادة اللاجئين إليها "تبدو معدومة".
وزير الدولة البريطاني المكلف شؤون الهجرة كريس فيليب علق قائلاً، إن "جميع الدول تترتب عليها مسؤولية أخلاقية تلزمها معالجة قضية الهجرة غير الشرعية. بالتالي، نتوقع من شركائنا الدوليين التضامن معنا في هذا الصدد، بناءً على أسس التعاون المشترك الراهن في ما بيننا".
وخلص إلى القول، "يحق للأفراد طلب اللجوء في أول دولة آمنة يصلون إليها، بدلاً من تكبد عناء القيام برحلات خطرة وغير مشروعة إلى المملكة المتحدة. وكنا قد اعتمدنا في ديسمبر (كانون الأول) الفائت، قواعد جديدة من شأنها اعتبار طلبات اللجوء إلى المملكة المتحدة غير مقبولة في الحالات التي يكون فيها الأفراد قد سافروا إلى بلدان آمنة أو عبروا من خلالها قبيل الوصول إلى أراضينا. وما نقوم به الآن هو الوفاء بهذا الالتزام".
© The Independent