لا تنقطع فائدة الإنسان حتى بعد وفاته، في قاموس عادل زهران، الذي كرّس نفسه لحفظ تراث منطقة الحجاز بشكل خاص والعالم بشكل عام منذ أكثر من 35 عاماً.
والهوية التي سقاها زهران حباً وشغفاً، دفعته إلى اختيار "جدة التاريخية" قبل ست سنوات لتكون حاضنة متحفه الخاص ومقراً له، تعبيراً عن ارتباطه الشديد بأرضه وأهله.
حافظ ذكريات الموتى
وزهران الذي لا يكلّ من زيارة مزادات بقايا الأموات، لينتقي منها ما تُثقله قيمته المعنوية التاريخية، أخذ يجوب العالم ليصطاد التراث الحجازي من الشرق إلى الغرب، فزار أميركا وروسيا واليمن ومصر وبريطانيا، ووجد أن الأخيرة تضم الكثير من القطع الحجازية.
ويشير مالك ومؤسس متحف "بيت التحف والأنتيك" إلى أن "الكثير من القطع الحجازية في بريطانيا هي من الأباريق والفوانيس والمكاحل، التي نقلت إلى هناك بعد زيارة الأجانب إلى الحجاز على مر السنوات".
والأرواح التي غادرتنا، أعاد زهران إحياءها عبر التراثيات والقطع التاريخية على رفوف متحفه وفي زواياه. ويقول "أحرص على شراء الأغراض من مزادات المتوفين لاقتناء القيم منها، لأنها تعتبر من النوادر".
ويبدو أن فتح المزادات على بقايا الأموات، جعل ارتباط زهران بهم أقوى من أبنائهم، إذ يوضح "لدي قطع كثيرة من أهالي جدة المتوفين، أحافظ عليها أكثر من أبنائهم، ولا أعرضها للبيع".
ومن أقرب القطع لقلب زهران، سيف يهودي تخطى عمره حاجز 300 عام، ويروي عنه "أحضرت هذا السيف من اليمن، وهو يهودي يمني ويحمل نجمة داود، وليس معروضاً للبيع ولا أنوي بيعه أو إعارته لأحد"، وكان قد اقتناه قبل أكثر من 20 سنة.
شرارة الشغف
والتراث الذي يحاول زهران أن يحفظه من الضياع، لم يكن هو الأول في سلسلة حفظ الأغراض، إذ يوضح "بدأ حبي للتراث من الكاميرات القديمة وحب التصوير وتجميد اللحظات والمناظر الطبيعية، أو الأشخاص". ويبدو أن إيقاف اللحظة لم يساعد زهران على حفظ وجوه أصدقائه وعائلته، إذ يشير إلى تمزيقه جميع الصور الشخصية تبعاً لمعتقدات دينية سابقة.
وفي حين اعتاد المؤرخون على استخراج التاريخ من الرسائل والكلمات والحروف، رأى زهران أن رؤوس الرسائل هي الحكاية الأغنى، قائلاً "إضافة إلى حبي للكاميرات كنت أهوى جمع الطوابع بجميع الإصدارات السعودية والأجنبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن الحياة القاسية والركض المستمر حاولا ثني زهران عن حفظ التراث، إلا أنه استمر بجمع التراثيات طيلة 35 عاماً على استحياء، قبل أن ينال تقاعده أخيراً ليتفرغ تماماً للحفظ والتوثيق ورواية التاريخ.
الحجاز للجميع
وزهران الذي حمل رحاله أكثر من مرة وكرّس معظم عمره لجمع تاريخ الحجاز، لم ينتظر كسباً مادياً منه، إذ يصر على فتح المتحف يومياً للزوار من دون مقابل. ويقول "أريد أن يدخل الزائر من دون مقابل مادي، لأن 90 في المئة من القطع المعروضة تمثل تاريخ الحجاز، ويفترض أن يتمكن زوار جميع المتاحف من زيارتها مجاناً".
ولكن حال المتاحف الشخصية حول العالم لا يسرّ ولا يبشر بالخير، فكيف يستطيع متحف زهران أن يصمد لمدة تجاوزت الست سنوات من دون مقابل للزيارة؟ يوضح "نخصص بعض القطع للبيع، بهدف الحصول على مدخول مادي لسداد الإيجار ورواتب العاملين والفواتير، على الرغم من عدم وجود أي دعم حكومي".