هبط الاستثمار المباشر الأجنبي في بريطانيا العام الماضي، مع احتلال هولندا موقع القمة في أوروبا للمرة الأولى منذ عام 2015، وكان المستثمرون من خارج المملكة المتحدة اشتروا عام 2018، شركات وأصولاً بريطانية، تقدر قيمتها بـ64 مليار دولار أميركي (50 مليار جنيه إسترليني)، وشكَّل هذا انخفاضاً قدره ثلث ما كان عليه في العام الأسبق، الذي تجاوز الـ100 مليار دولار أميركي، وهذا يعني أن بريطانيا تخلَّفت عن هولندا، التي استقطبت استثماراً قيمته نحو 70 مليار دولار.
ويأتي هذا الهبوط منسجماً مع الهبوط العام في مجال الاستثمار التجاري في كل حقل في العام الماضي، إذ تعزو الشركات ذلك إلى حالة عدم اليقين السائدة بما يخص مستقبل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، حسب ما أوردته صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية.
خروج بريطاني
ويشير خبراء اقتصاديون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" إلى أن الغموض حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ألقى بظلال سلبية على جذب المستثمرين الأجانب، الذين باتوا في حالة ترقب لما ستسفر عنه البقاء أو الرحيل، الأمر الذي أدى إلى التردد الواضح للدخول في شراكات أو تملك اقتصادي داخل المملكة المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذا الصدد يقول د. مصطفى البارزكان "إن الحالة التي تعيشها بريطانيا بسبب (بريكست) أدت إلى خسائر فادحة على صعيد جذب الاستثمار، إضافة إلى ما نشهده من إقدام سكوتلندا على استفتاء جديد، قد يخرجها من العباءة البريطانية، مما أثار مخاوف رجال الأعمال والشركات الراغبة في الشراء".
وأوضح البارزكان، "أن ضبابية الأجواء السياسية قد تدفع بكثير من المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة في أوروبا، ولعلهم اختاروا هولندا القريبة لتكون موطنهم الجديد لرؤوس أموالهم".
الولايات المتحدة والتدفقات الوافدة
يشار إلى أن الولايات المتحدة تحتل الموقع الأول في مجال التدفقات الوافدة، إذ تستحوذ على 270 مليار دولار، متبوعة بالصين، التي تجاوزت الاستثمارات الأجنبية فيها الـ200 مليار دولار، وأوردت الصحيفة أن التدفقات الاستثمارية كانت قد عرفت تباطؤاً في شتى أنحاء العالم العام الماضي.
وترى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، التي قامت بجمع البيانات، أن التقدم الذي شهدته الولايات المتحدة في هذا المجال سببه الإصلاحات الضريبية الأميركية بالدرجة الأولى، حيث دفع ذلك كثيراً من الشركات الأميركية إلى إعادة أموال كانت تستخدم للاستثمار في الخارج إلى داخل الولايات المتحدة.
وألقت البيانات التي أعدتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نظرة على المستثمرين، الذين تملكوا شركات بالكامل، وأصولاً، ويقومون بالسيطرة على الحصص، بدلا من الاستثمارات الصغيرة في مجالي الأسهم والسندات، التي تُعرف باسم "استثمارات الحوافظ المالية"، وهذه هي الأكثر جذباً للمستثمرين، الذين توجهوا بحماس إلى بريطانيا في عامي 2016 و2017، لكنهم الآن أصبحوا أكثر تحفظاً، وبلغ انخفاض الاستثمار في المملكة المتحدة لصالح بلدان أخرى أكثر من النصف ليصل إلى أقل من 50 مليار دولار أميركي.
ومن الجدير بالذكر أن البيانات السنوية متقلبة، لكن علماء الاقتصاد يخشون من أن يؤدي انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر مستقبلاً إلى نمو اقتصادي أضعف، وتشير الصحيفة في تقريرها إلى أن الاستثمار يسهم بشكل مباشر في تحديد الناتج المحلي الإجمالي ومع مرور الوقت تقوم الأصول بتوليد الدخل، ويمكن للاستثمار الأجنبي أن يكون شديد الأهمية في نمو الإنتاجية.
وضمن هذا السياق، ذكرت "ديلي تلغراف" عن أرنو هانتشيه، من المعهد القومي للبحث الاقتصادي والاجتماعي قوله، "إن ما هو مهم على المدى البعيد هو تأثيرات الإنتاجية التي قد تكون مشتقة من الاستثمار الأجنبي المباشر، وذلك قد يكون له تأثيرات سلبية على القدرة التوريدية للاقتصاد البريطاني، وقد يعتمد الاستثمار المستقبلي على ما سينتج من تأخير محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)".
وأضاف هانتشيه، "كانت الشركات القادمة من خارج الاتحاد الأوروبي تستخدم بريطانيا نقطة دخول للعمل في سوق الاتحاد الأوروبي، وإذا كان هناك احتكاكات تجارية أكثر بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي فإن المملكة المتحدة لن تكون قادرة على لعب هذا الدور".
ويمكن القول إن سنوات الاستثمارات الكبرى في بريطانيا تعني بقاء مخزون الاستثمار المباشر الأجنبي أعلى مما هو عليه في بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى، على الرغم من التراجع الأخير، فتلك الاستثمارات تصل اليوم إلى 1.89 تريليون دولار في داخل بريطانيا، مقارنة بـ1.67 تريليون دولار في هولندا و1.65 تريليون دولار في لوكسمبورغ، في الوقت ذاته يؤكد الخبراء أن لندن ستبقى عاصمة بارزة للمال والأعمال، رغم التقلبات المالية العالمية.